
قطر تواجه دعوات مقاطعة المونديال بحملة مضادة
الدوحة - بدأت قطر في اتخاذ خطوات لمواجهة حملة انتقادات تطالها بسبب ملفات تتعلق بحقوق العمال والأقليات وتهم الفساد وذلك مع قرب انطلاق كاس العالم الشهر الجاري.
وانتقلت الدوحة من الدفاع الى الهجوم لمواجهة الدعوات الأوروبية المتصاعدة لمقاطعة العرس الكروي حيث شنت حملة إعلامية مضادّة وتحرّك دبلوماسي وتلويح بإجراءات قضائية للرد على من يقفون وراء تلك الدعوات.
وتشمل الانتقادات التي تكثّفت منذ شهرين اتهامات بالفساد متعلّقة بكيفية حصول الإمارة الثرية على حقّ تنظيم البطولة، وسجلّ الدوحة الحقوقي في مجال الحريّات وحقوق المرأة وأفراد مجتمع الميم والعمّال المهاجرين، وصولاً إلى تقاليد المجتمع القطري المحافظ ومناخ الإمارة الحارّ وتكييف الهواء في الملاعب.
وبعد أن كانت قطر تكتفي بالردّ بأنّ "الجميع مرحّب بهم" في المونديال، وبإبداء الأسف لعدم تحقّق منتقديها بأمّ العين ممّا يجري على أرض الواقع بدلاً من "إطلاق الاتّهامات جزافاً"، انتقلت اليوم إلى الهجوم.
خطاب الأمير
وشكّل خطاب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في افتتاح عَقد مجلس الشورى في 25 تشرين الأول/أكتوبر نقطة تحوّل في طريقة مواجهة الدوحة.
وقال الأمير يومها "منذ أن نلنا شرف استضافة كأس العالم، تعرّضت قطر إلى حملة غير مسبوقة لم يتعرّض لها أيّ بلد مضيف".
وأضاف "تعاملنا مع الأمر بدايةً بحسن نية، بل واعتبرنا أنّ بعض النقد إيجابي ومفيد"، لكنّ "الحملة تتواصل وتتّسع وتتضمّن افتراءات وازدواجية معايير، حتى بلغت من الضراوة مبلغاً جعل العديد يتساءل للأسف عن الأسباب والدوافع الحقيقة وراء هذه الحملة".
وبرأي وزير العمل القطري علي بن صميخ المرّي، هذه الدوافع "عنصرية" في جزء منها.
وقال المرّي في مقابلة في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر "هم لا يريدون السماح لدولة صغيرة، دولة عربية، دولة مسلمة، أن تنظّم كأس العالم. هم على بيّنة تامّة من الإصلاحات التي حصلت، لكنّهم لا يعترفون بها لأنّ دوافعهم عنصرية".
ولعلّ التصعيد الأبرز في موقف الدوحة أتى في 28 تشرين الثاني/أكتوبر حين أعلنت وزارة الخارجية القطرية أنّها استدعت سفير ألمانيا في الدوحة احتجاجاً على تصريحات "غير مقبولة ومستهجنة ومستفزّة للشعب القطري" أدلت بها وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايسر المكلّفة أيضاً حقيبة الرياضة والتي قالت "من الأفضل عدم منح شرف تنظيم البطولات لمثل هكذا دول".
لكنّ الوزيرة الألمانية التي زارت الدوحة بعد يومين من هذا التصعيد الدبلوماسي، خفّفت كثيراً من نبرتها في قطر، مؤكدة أنّها حصلت على "ضمانات أمنية" لجميع المشجعين، بمن فيهم الزوار من أفراد مجتمع الميم في بلد تجرّم قوانينه المثلية الجنسية.
وقالت "من المهمّ دعم قطر في إصلاحاتها الحاسمة للمستقبل. لهذا السبب، قرّرت دعم هذا المسار والذهاب إلى هناك لحضور المباراة الأولى لألمانيا" في 23 تشرين الثاني/نوفمبر.
جولة دبلوماسية إعلامية

وخلال جولة أوروبية قام بها في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أجرى وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني مقابلات مع وسائل إعلام أوروبية ردّ فيها على الاتّهامات الموجّهة لبلاده.
وفي مقابلاته مع قناة "سكاي نيوز" التلفزيونية البريطانية وصحيفتي "لوموند" الفرنسية و"فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ" الألمانية، قال "هناك الكثير من النفاق في هذه الهجمات التي يقف وراءها عدد ضئيل جداً من الناس، في عشر دول على الأكثر"، مشدّداً على أنّ "كرة القدم ملك للجميع، وليست نادياً حصرياً للنخب".
كما حرصت الدوحة على أن يتضمّن البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في الجزائر في الثاني من الجاري فقرة تندّد بـ"حملة التشويش والتشكيك المغرضة" التي تتعرّض لها قطر، وتؤكّد أن القادة العرب "يساندون دولة قطر التي تتأهب لاحتضان نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ويثقون ثقة تامة في قدرتها على تنظيم طبعة متميزة لهذه التظاهرة العالمية".
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية أكبر الباكر الأحد "مع كل الدعاية السلبية في الصحافة وكل الإعلانات السلبية المدفوع ثمنها ضدّ بلدي، أريد أن أقول شيئاً واحداً: بلدي سيكون بالفعل محطّ أنظار العالم خلال الأسابيع الخمسة المقبلة إذ سيشاهده خمسة مليارات شخص حول العالم، لذلك ستظهر كل الأخبار الزائفة فشلها".
وتنسحب استراتيجية الهجوم على وسائل الإعلام القطرية. فقد بثّت قناة "الجزيرة" في السابع من الجاري تقريراً مدّته 50 دقيقة استعرضت فيه مصدر الانتقادات "بدءاً ببريطانيا ثم فرنسا فالدنمارك".
أمّا الصحافة المحلّية اللصيقة بالسلطة، فتشنّ منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر حملة ضدّ منتقدي المونديال.
حرب الكاريكاتور
وانتقدت صحيفة "الشرق" "التآمر الإعلامي الممنهج من طرف إعلام العديد من الدول الأوروبية التي تؤكّد بأنّها ستقاطع المونديال بسبب حقوق العمال وظروفهم في قطر، في وقت تناسى فيه هذا الإعلام الظروف المزرية التي يعيشها العمال في أوروبا".
وقالت إن "هذا الإعلام البائس، في كلّ مرة يفتعل قصة لكلّ بلد يستضيف البطولة من خارج القارّة العجوز"، مشيرة الى آخر ثلاث بطولات في جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014 وروسيا 2018.
وقبل أيام، أثارت صحيفة "لو كانار آنشينيه" الفرنسية الساخرة غضباً عارماً في البلد الخليجي عندما نشرت رسماً كاريكاتورياً يقدّم لاعبي المنتخب القطري على أنهم رجال ملتحون يحملون رشاشات.
وردّ القطريون بالمثل، فنشر رسّام الكاريكاتور محمد عبداللطيف رسماً صوّر فيه لاعبي المنتخب الفرنسي جنوداً فرنسيين يركلون جماجم، في إشارة إلى ضحايا الاستعمار الفرنسي.
وردّاً على تقرير نشرته صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية يتّهم الدوحة بالتجسّس في إطار تنظيم المونديال، لوّحت الدوحة بإجراءات قضائية.
وقال بيان رسمي إنّ الدوحة "لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء مثل هكذا مزاعم لا أساس لها، وجميع الخيارات القانونية المتاحة أمامنا يتمّ درسها لضمان محاسبة المسؤولين" عن الاتّهامات.
انتهاكات جسيمة بحق العمال

ومثلت قضية مالكولم بيدالي، وهو حارس أمن كيني طُرد من قطر بعدما اشتكى من ظروف العمل مثالا عن الانتهاكات التي تطال العمال الاجانب في الدوحة.
ويصّرح بيدالي البالغ 30 عاما "إذا قلت إنني لن أشاهد كأس العالم ستكون كذبة". مضيفا "لكن عندما أنظر إلى الملاعب، لا يسعني إلا التفكير في عدد الأشخاص الذين لم يحصلوا على أجورهم وكم من الأشخاص عانوا ظروف عمل رهيبة... وكم من الأشخاص فقدوا أرواحهم".
وأصبح بيدالي ناشطا صريحا لحقوق العمال المهاجرين بعد احتجازه لمدة أربعة أسابيع ثم طرده من الدولة الخليجية في العام 2021.
ويوضح بيدالي "عندما تغادر الكاميرات والصحافيون والمشجّعون، سيبقى العمال المهاجرون وأرباب العمل والدولة، وأعتقد أنه سيكون من الصعب جدا الحفاظ حتى على الإصلاحات التي أدخلت، وما بالك بإدخال إصلاحات جديدة... لكنني آمل في أن أكون مخطئا".
ل بيدالي إلى قطر في كانون الثاني/يناير 2016 وعمل حارسا أمنيّا يراقب المشاهد التي تلتقطها كاميرات المراقبة على الشاشة لمدة 12 ساعة في اليوم.
لم يشتكِ من ظروفه. كان يكسب قرابة 420 دولارا شهريا، أي أكثر بكثير مما كان يحصل عليه في كينيا، وعاش في فيلا مع عمال مهاجرين آخرين.
ويقول بيدالي إن كابوسه بدأ عندما انتقل إلى شركة أخرى حيث كان يتقاضى 350 دولارا فقط شهريا وانتقل كذلك إلى غرفة مساحتها 20 مترا مربعا يتقاسمها مع خمسة رجال آخرين.
ويضيف أن الأسرّة كانت مليئة بالقمل والمطبخ بالصراصير.
ويروي بيدالي إنه كان يدين بمبلغ 1200 دولار لوكالة توظيف كينية، ساعدته في الحصول على وظيفته وتنظيم رحلته وإصدار تأشيرته، لذلك لم يقل شيئا في البداية.
لكنّه في النهاية، أرسل شكاوى بالبريد الإلكتروني إلى وزارتَي العمل والداخلية في قطر. وبحسب بيدالي، لم يحصل على رد من أي منهما.
ثم تواصلت معه مجموعة حقوقية غير حكومية، وبدأ كتابة مدوّنات مجهولة المصدر حول حياة العمال في الدولة الخليجية الثرية.
ويقول "ظروف العمل في قطر شبيهة بالعبودية". مضيفا "تجدون أنفسكم في موقف يصعب الخروج منه، حيث يملككم شخص ما باختصار. يقرر شخص ما جوانب كثيرة من حياتكم، من موعد الاستيقاظ إلى وقت النوم، ونوع الطعام الذي تريدون أن تتناولوه والمكان الذي ستعيشون فيه والأشخاص الذين ستتعاملون معهم".
وكان نظام "الكفالة" للعمال الأجانب سائدا في قطر فيما لا تزال معظم دول الخليج تعمل بموجبه.
لكنّ قطر تخلّت عنه إلى حد كبير في السنوات الأخيرة. وبالتالي، أصبح بإمكان العمال تغيير وظائفهم ومغادرة البلاد دون إذن من صاحب العمل.كما أدخلت حدا أدنى للأجور وقواعد جديدة للعمل في درجات الحرارة المرتفعة.
ويشير بيدالي إلى أنه بدأ يواجه مشكلات عندما كتب قصة ذكر فيها أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر. وقد أوقفه جهاز الأمن الوطني في 4 أيار/مايو 2021 وأخبره بأنه ليس مسموحا له برؤية محام. واشتكى من ظروف احتجازه خصوصا "الضغوط النفسية" التي تعرّض لها بما فيها وجود ضوء دائم في زنزانته وفقدان قدرته على إدراك الوقت.
واتّهمته قطر بتلقي أموال من "عميل أجنبي" للمشاركة في نشر "معلومات كاذبة" لكن أطلق سراحه في نهاية المطاف بعد احتجاجات من المنظمة غير الحكومية واتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين.
ومُنع بيدالي من مغادرة البلاد، لكن بعد دعاية دولية ودعم دبلوماسي، طُرد في آب/أغسطس 2021 بعدما أُمر بدفع غرامة مقدارها ستة آلاف دولار.
ولم ترد السلطات القطرية على تصريحات بيدالي الأخيرة. لكن في أيار/مايو، قالت إنه تلقى "مشورة وتمثيلا قانونيين".