قطر لا تزال بعيدة عن تحقيق اختراق في أزمة لبنان

الظروف الحالية تستوجب انتخاب رئيس والذهاب إلى تسوية بين التيارات السياسية، إلا أنه من المستبعد أن تتراجع أيّ من القوى عن موقفها بينما تقف المنطقة على صفيح ساخن.

بيروت – يواصل مسؤولون قطريون اتصالاتهم ولقاءاتهم في العاصمة بيروت بعيدا عن الإعلام، بحثاً عن المخارج المحتملة لأزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وأزمة الفراغ المتوقّع في قيادة الجيش، وسط تشكيك بشأن إمكانية الدور القطري في تحقيق اختراق في هذين الملفين.

ويشهد لبنان شغورا رئاسيا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022 مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وفشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس، بينما لاتزال الخلافات محتدمة حول تعيين قيادة جديدة للجيش أو التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، الذي هو أحد المرشحين للرئاسة.

وتتجه الأنظار الى الحراك القطري، بعد فشل المساعي الفرنسية في إيجاد حلٍ لأزمة الشغور الرئاسي، وتعلق بعض القوى على هذا الدور بعض الآمال بالنظر إلى العلاقات والاتصالات القطرية مع الدول الإقليمية المؤثرة في المنطقة، خصوصًا إيران والسعودية، معتبرين أنها ستسهم في تعزيز الدور القطري في لبنان، وترفع من إمكانية نجاح القطريين في تقريب المسافات بين القوى اللبنانية.

وينظر اللبنانيون إلى أن الإمكانات المالية الكبيرة لقطر، ودعمها ماليا للأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية وإمكانية زيادة هذا الدعم، يزيد من احتمالية تجاوب الأفرقاء السياسيين مع الوسيط القطري، وإنجاح مهمته أكثر من الدور الفرنسي الذي "ليس لديه حوافز النجاح التي تحظى بها الدوحة"، لكن هذه النقطة مشكوك بها أيضا.

ونقلت صحيفة "الأخبار " اللبنانية عن مصادر مطلعة قولها إن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي زار الدوحة قبل نحو شهر، تمنّى على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني استئناف الوساطة القطرية وإعادة إرسال موفد من الدوحة إلى بيروت، وتردّدت معلومات أن طلب رئيس الحكومة كانَ منسّقاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

واستجاب القطريون للطلب اللبناني خصوصا أن الوضع في لبنان مفتوحاً على كل الاحتمالات ومهدد بالانفجار في ظل الوضع الراهن جنوبا على الحدود مع إسرائيل.

ويجري التداول على نطاق ضيق عن وجود موفد قطري ينطلق في مقاربته من مبدأ الخروج من الخيارات الرئاسية التي كانت مطروحة على الطاولة والذهاب إلى أسماء توافقية، ممن اقترحتها سابقاً كالمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، لكنها في الموازاة تعمل أيضاً على حل أزمة قيادة الجيش بمحاولة إقناع القوى السياسية بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، الذي هو أحد مرشحيها للرئاسة.

وأفادت وسائل إعلام محلية بأن مشاورات قطرية تجري مع عدد من القوى السياسية، بعدما أوكلت اللجنة الخماسية لقطر مهمة إيجاد مخرج للأزمة الرئاسية.

واللجنة الخماسية تضم ممثلين عن مصر وفرنسا وقطر والسعودية والولايات المتحدة، وتهدف لإيجاد مخرج للأزمة السياسية في لبنان، وتم تشكيلها في فبراير/ شباط الماضي، بعد فشل البرلمان في انتخاب رئيس للبلاد.

لكن مصادر مطلعة تقول أن لدى بعض وسائل الإعلام اللبنانية ومن يقف خلفها، مغالاة في تقدير الدور القطري على خط أزمة الرئاسة اللبنانية، معتبرة أنه لا يجوز مقارنة المرحلة الراهنة مع حقبة سابقة اتسمت بتوافقات إقليمية ليست موجودة اليوم.

وتأتي زيارة الموفد القطري بالتزامن مع إشارة المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان في حديث مع "فرانس أنفو"، إلى أنه سيعود إلى لبنان قريباً ولفت إلى أنه ليس مطمئناً إلى الوضع في لبنان، نظراً إلى الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، "فالحرب تطرق أبواب لبنان ولا يوجد رئيس للجمهورية والمجلس النيابي لا يجتمع".

وأكد لودريان ضرورةَ التخلي عن عقلية المنافسة، وانتخاب رئيس للجمهورية. بينما ذكرت مصادر سياسية أن أي جهة رسمية في لبنان لم تتبلّغ حتى الآن بقدوم لودريان وليس على جدول أعمالها أي لقاءات في هذا الصدد.

وأشارت المصادر إلى أن العمل على تسوية رئاسية سيكون من الصعب جداً في هذه المرحلة أن يُكتب لها النجاح.

واعتبرت المصادر أن الظروف الحالية تستوجب انتخاب رئيس والذهاب إلى تسوية بين القوى السياسية، إلا أنها استبعدت أن تتراجع أيّ من القوى السياسية عن موقفها وإحداث خرق في المبدأ والقبول بالخيار الثالث، بينما تقف المنطقة برمّتها على صفيح ساخن والجميع ينتظر في أي اتجاه ستذهب الأمور، وسيكون كل طرف متمسّكاً بمطالبه ربما أكثر من أي وقت مضى.

وفي 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، أفادت قناة "الجديد" بوصول جاسم بن فهد إلى بيروت لاستكمال المساعي القطرية.

وأشارت إلى أن الموفد القطري "يجول على القوى السياسية وأبرز الأسماء هم العماد جوزيف عون (قائد الجيش) واللواء الياس البيسري (المدير العام للأمن العام بالإنابة)، والوزير السابق زياد بارود والنائب نعمة افرام (من دون أي تأكيد أو نفي رسمي)".

وفي 12 سبتمبر الماضي، أعرب مبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان، خلال زيارته لبنان عن أمله بأن تكون المبادرة التي أعلن عنها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بشأن إجراء حوار لانتخاب رئيس الجمهورية، "بداية مسار الحل".

وكان بري دعا نهاية أغسطس/ آب الماضي، الكتل النيابية والفرقاء السياسيين لإجراء حوار في سبتمبر الحالي، وعقد جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، في ظل تسمك الأطراف اللبنانية بمواقفها الرافضة للحوار للاتفاق على شخصية توافقية.