قمع المعارضة في روسيا يخرج رجال الدين عن صمتهم

سابقة تاريخية تكسر التحالف التقليدي بين الكنيسة والسلطة في روسيا، مما يؤشر على ثورة صامتة يقودها جيل جديد من كهنة لا يخشون مسؤوليهم داخل الكنيسة.
كهنة الكنائس يرفضون تدخل السلطة الروسية في أعمالهم التبشيرية

موسكو - دافعت عشرات الشخصيات النافذة في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية هذا الأسبوع عن المتظاهرين المعارضين الذين أدانهم القضاء، في مبادرة أخذت السلطات في البلاد على حين غرة وشكلت كسراً للتحالف التقليدي بين الكنيسة والسلطة في روسيا.

ويرى خبراء في الشؤون الدينية أن هذه الخطوة مؤشر على ثورة صامتة داخل الكنيسة الروسية الغامضة، وهي أيضاً مؤشر على وصول جيل جديد من الكهنة، لا يخشون انتقاد مسؤوليهم.

و طلب اليوم الثلاثاء نحو 150 رجل دين من المحاكم، إعادة النظر في الإدانات القمعية التي أصدرتها بحقّ ستة أشخاص اتهموا خصوصاً بممارسة العنف ضد الشرطة خلال تظاهرات في موسكو هذا الصيف.

واعتبروا في رسالة مفتوحة، أن تلك العقوبات بالسجن لسنوات عديدة "أشبه إلى أسلوب لتخويف الروس"، مؤكدين أنهم يريدون التعبير عن أملهم في أن يعيش المواطنون الروس وهم على ثقة بالنظام القضائي.

ونشر الموقعون رسالتهم بدون موافقة قيادتهم وبدون موافقة البطريرك كيريل النافذ والداعم الوفي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويؤكد الأب قسطنطين موموتوف راعي كنيسة فولغوغراد (جنوب)، على أن المبادرة هي ببساطة عبارة عن دعم مسيحي لأشخاص هم بحاجة إليه.

وقال "إذا رأيت أن أحداً ما بحاجة للمساعدة، فأنا كرجل دين أريد المشاركة بذلك"

من جهته يقول الأب يفغيني لاباييف من تيومين في سيبيريا إن "الإجراءات التي اتخذتها السلطات والمحاكم تفرط في قسوتها".

ورحب العديد من الروس بهذه الرسالة التي تمت مشاركتها بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أن البعض اعتبر أنها جاءت متأخرة.

واعتبرت صحيفة 'فيدوموستي' أنها "خطوة شجاعة ومسيحية بعمق، انتظرها المجتمع منذ وقت طويل".

وقالت كسينيا لوتشينكو المتخصصة بشؤون الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إن "المبادرة لم تكن متوقعة على الإطلاق"، موضحةً أن البلاد "لم تشهد خطوة مماثلة منذ سنوات".

وأضافت أن "نجح رجال الدين الموقعين على الرسالة في التوحد بدون توجيهات الكنيسة".

رجال دين روسيون يعلنون دعهم للمتضاهرين
رجال دين روسيون يعلنون دعهم للمتضاهرين

ولم يعلق أي مسؤول كبير في الكنيسة على الرسالة، لكن المجمع الكنسي، نشر بياناً أكد فيه أن موقعي الرسالة لا يملكون معرفة كافية في القانون تسمح لهم بالتعليق على الأحكام الصادرة بحق المعارضين.

وما يميز هذه الرسالة هو تنوع خلفيات الموقعين وإلى جانب رجال دين ليبراليين معروفين من موسكو وآخرين من الخارج، وقع الرسالة العديد من رجال الدين المنخفضي الرتب من كافة المناطق الروسية.

وبحسب الخبير الديني الروسي رومان لوكين، فإن هؤلاء الكهنة الذين يخاطرون بمناهضتهم للنظام، محبطون من التوجه الذي تتخذه الكنيسة منذ عدة سنوات.

ورأى لوكين أنها ثورة في الكنيسة يقودها بشكل رئيسي، رجال دين تراوح أعمارهم بين الأربعين والخمسين.

وأوضح أنهم "لا يحبذون كون الكنيسة مقربة جداً من السلطات. ويقولون إن ذلك يضر بمهمتهم التبشيرية عند الشباب".

ولفت بعضهم الأنظار هذا الصيف في موسكو بسماحهم للمتظاهرين بالاختباء في الكنائس هرباً من الشرطة.

ويؤكد ديميتري سفيردلوف وهو كاهن سابق فقد رتبته بعدما تحدث ضد قيادة الكنيسة في 2012، على أن موقعي الرسالة سيدفعون حتما الثمن.

ويضيف أن "النظام الكنسي يتطلب طاعة تامة"، كما أن للكنيسة موارد هائلة تتيح لها إسكات المنتقدين في صفوفها الذين يطلق عليهم البطريرك كيريل اسم "خونة بملابس الرهبان".

ورأى سفيردلوف أنه يمكن أن يتم خصوصاً تخفيض المخصصات المالية لهؤلاء الكهنة إلى الحد الأدنى للمعيشة.

من جهتها ترى كسينيا لوتشينكو أن البطريرك كيريل ينتظر رد السلطات على الحراك الاحتجاجي الحالي ضد القمع والذي تقوده العديد من شخصيات المجتمع المدني والثقافي، قبل أن يقرر موقفه.

وأيا تكن العواقب يشكل خروج أولئك الكهنة عن صمتهم تغييراً هاماً في بلد يؤكد 71 بالمئة من مواطنيه أنهم تابعون للكنيسة الأرثوذكسية، بحسب دراسة لعام 2017 لمركز 'بيو' للأبحاث.

وقالت لوتشينكو إن "هذا الموقف يثبت أن رجال الدين "مستعدون للمخاطرة من أجل الناس".