قوى اللادولة بين الانفلات والامر الإلهي

مقابلة مع قيس الخزعلي تكشف الحاجة الفورية إلى تغيير وضع الحشد الشعبي في العراق بعد انتفاء الحاجة إليه.
مقاوم للوجود الاميركي وصديق لإيران ويفتقر للحكمة السياسية
ان كانت فصائل الحشد تخضع فعلا لأوامر الكاظمي فلماذا يعاديها وهي طوع امره؟
آن الاوان لمراجعة القرار الذي شرعن وجود الفصائل المسلحة بعد انتهاء تهديد داعش

تابع الكثيرون اللقاء الذي اجرته فضائية عراقية مع الامين العام لميليشيا عصائب اهل الحق قيس الخزعلي، والذي حاول فيه القاء الضوء على الكثير من المستجدات في الساحة العراقية وابداء رايه حولها. ولقد حاولت طوال اللقاء التجرد من ارائي المسبقة حول تلك الفصائل، لا بل وتقمصت افكارهم وتوجهاتهم واضعا نفسي في موقعهم لارى الامور من نفس الزاوية التي ينظرون اليها كي يكون تقيمي لما يقول حياديا. 

وبصراحة احسست بارهاق شديد وهو يتنقل بي وبالمشاهد بين الشخصيات التي كانت تسيطر عليه طوال اللقاء، فهو المقاوم للوجود الاميركي، المسلم الشيعي، الولائي الصميمي، الصديق المقرب من ايران، المشكك لكل ما هو غير ولائي، الا انه افتقر الى الحكمة السياسية التي يجب ان يتمتع بها السياسي، فلم ينطق الرجل باي موقف ايجابي تجاه اي شيء او اي طرف.

وهنا سنتناول بعض النقاط التي طرحها الخزعلي خلال اللقاء الذي امتد لما يقارب الساعتين:

1- بدا الخزعلي باتهام رئيس الوزراء صراحة بعدائه للحشد الشعبي معللا ذلك العداء بموقف الحشد الرافض لبقاء القوات الاميركية في العراق، الذي وصفه بان وجوده ضد الدستور وضد قرار البرلمان.

ان اتهام رئيس الوزراء بمعاداة طرف معين هو اتهام خطير يحتاج الى ادلة بدلا من القائه على عواهنه لأسباب هي اصلا غير دستورية.. فقرار البرلمان (الذي هو سلطة تشريعية) باخراج القوات الاميركية من العراق لا يعد ملزما للحكومة (التي هي الجهة التنفيذية) من الاساس، ولا يتعارض هذا التواجد مع اي بند دستوري طالما انه يخضع للاتفاقية الامنية بين الطرفين والتي تحاول الحكومة العراقية مراجعته حسب المستجدات الامنية. اذا لا علاقة للموضوع بالدستور او بالبرلمان لا من قريب ولا من بعيد.

ومن جهة اخرى دعونا ندقق في هذا المشهد الذي رأيناه في اللقاء لنعرف مدى خضوعه للدستور. مجاهد (كما فضل هو ان يسمي نفسه) يمتلك كتلة في البرلمان، وفي نفس الوقت يمتلك ميليشيا مسلحة خارجها، هذه الميليشيا المسلحة تنضوي تحت مسمى الحشد الشعبي الذي يفترض انه تابع للمؤسسة العسكرية العراقية، ويخضع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة، الذي هو رئيس الوزراء، الذي يتهمه "المجاهد" بانه يعادي الحشد. هل انتبهتم الى كم الخروقات الدستورية في هذا المشهد؟

*/ كيف يمكن لميليشيا تم انضواءها تحت مسمى هيئة الحشد الشعبي بقرار من البرلمان لتكون تحت سلطة المؤسسة العسكرية وقائدها رئيس الوزراء، ان تستمر بارتباطها بـ"مجاهد" يتدخل في السياسة وفي الاتفاقيات الامنية بين العراق ودول العالم ويفرض رأيه على كل المؤسسة العسكرية والسلطة التنفيذية. اين الدستور من هذا المنطق؟

*/ كيف يمكن لميليشيا مسلحة ان تكون لها كتلة برلمانية، مع ان الدستور العراقي يرفض ذلك جملة وتفصيلا بفقرة واضحة لا تقبل التأويل؟

 */ ان كانت فصائل الحشد الشعبي تخضع فعلا لأوامر القائد العام للقوات المسلحة فلماذا يعاديها وهي طوع امره كما يفترض لها ان تكون؟

2- انتقد الخزعلي القوى التي تصف نفسها (مثلما قال) بانها قوى الدولة بانها لو كانت قد ادت واجباتها بشكل صحيح منذ 2003 لما كان هناك حاجة لوجود قوى اللادولة. ورغم ان هذا الكلام صحيح بعمومه الا ان الامور لا تقاس بهذا المنطق، فوجود الفوضى لا يبرر اضافة فوضى اخرى اليها.

3- اكد الخزعلي خلال اللقاء بان الفصائل المسلحة سوف تلقي السلاح حال خروج القوات الاميركية من العراق، وبهذا يكون الخزعلي قد نزع من الحشد (دون ان يقصد) شرعية وجوده المكتسبة في محاربة داعش من خلال فتوى الجهاد الكفائي، واصبح مبرر استمرار وجودها في محاربة الوجود الاميركي الذي ليس هناك فتوى دينية بمحاربته.

4- وقع الخزعلي خلال اللقاء في تناقضين كبيرين وهما:

اولا.. في معرض حديثه عن وجود اسرائيلي في العراق، اكد الخزعلي على تواجد اسرائيلي في مدن عراقية معينة مثل اربيل وبغداد والانبار والنجف والبصرة. ورغم عدم امتلاكه لدليل حول هذا الادعاء، الا انه مطالب (كمجاهد) بالتصدي لهذا التواجد الاسرائيلي (الذي يدعيه) خاصة في المدن الشيعية التي تعتبر مناطق نفوذ لهم، وان تكون لهذه القضية اولوية بالنسبة اليهم على قضية التواجد الاميركي في العراق، لكن ما نلاحظه ان التركيز هو فقط على التواجد الاميركي في العراق، مما يوضح الاسباب والجهات التي تقف وراء هذا الاصرار.

ثانيا.. في رده على اتهام البعض لهم بتبعيتهم لايران، ذكر الخزعلي بان هذه اتهامات مجردة، وعلى من يتهمونهم تقديم ادلتهم والا فسيكون اتهاما باطلا، بينما اتهم هو في نفس اللقاء اربيل بايواء اسرائيليين دون ان يقدم اي دليل، وبذلك فان اتهامه ايضا هو اتهام باطل.

5- في رده على الاتهامات الموجهة اليهم بتبعيتهم لايران، ذكر انه قد عرض في هذا اللقاء التفاوض مع اميركا اذا ما قرروا الانسحاب من العراق، قائلا لو كنا تابعين لايران لما استطعت الاعلان عن التفاوض دون اخذ راي ايران... متناسيا ان ايران نفسها تتفاوض اليوم بشكل مباشر ودون وسيط مع اميركا حول ملفها النووي، لذلك فلن تمانع ايران من ان تتفاوض الميليشيات مع اميركا اذا ما قررت سحب قواتها من العراق، خاصة وان هذا هو ما تهدف اليها ايران، عليه فهم يعرفون مسبقا ان ايران لن تمانع من دخول الميليشيات في هكذا مفاوضات.

6- نفى الخزعلي اية علاقة لهم بقتل النشطاء والمتظاهرين، بل اتهم جهات حكومية وجهات خارجية مثل اسرائيل وبريطانيا والامارات واميركا بالتورط بعمليات القتل هذه. ولو سلمنا جدلا بصحة اتهام الخزعلي فسنقف امام السؤال التالي: لماذا لا تفضح هذه الميليشيات الجهات المتورطة بهذه الجرائم، وتعلن نتائج التحقيقات مع المتهمين، على الاقل ليبرئوا ساحتهم من التهم الموجهة اليهم بتورطهم في عمليات القتل وتجريمهم؟ خاصة وان الخزعلي قد اتهم في هذا اللقاء قادة التظاهرات بانهم يعملون لصالح اجندات اميركية وبريطانية واسرائيلية واماراتية، الامر الذي يبرر قتلهم من وجهة نظر "جهادية"، مما يعزز التهم الموجهة لهم بوقوفهم وراء عمليات القتل هذه.

7- من اقوى "الاكشنات" التي اثارها في اللقاء هو قول الخزعلي بان الحشد هو من حرر مناطق وزير الدفاع ورئيس البرلمان واكثرية الوزراء والنواب والنشطاء الذين يسيئون للحشد اليوم. وهنا يجب على السيد الخزعلي ان يسأل نفسه: ما الذي يدعو هؤلاء الى مهاجمة الحشد رغم ان الحشد هو من حرر مناطقهم؟ الا يمكن ان يكون بسبب تصرفات هذه الميليشيات؟ خاصة وانه اعترف بان هناك عناصر مسيئة في الحشد. والسؤال هنا: لماذا لا تتم محاسبة المسيئين في الحشد من قبل الحشد نفسه؟ لماذا تنتظر الفصائل المسلحة ان يتم القاء القبض على عناصرها المسيئة من قبل اجهزة اخرى في الدولة دون ان يكون لهم السبق في تأديب من اساءوا، كي لا يتمكن احد من اتهام الحشد كله بما يقوم به بعض من عناصره المسيئة خاصة وان هناك قضاء وامن تابع للحشد يستطيع محاكمة ومحاسبة هؤلاء؟

8- هناك طرح سارٍ بكثرة في اوساط الفصائل المسلحة واكده الخزعلي في لقاءه من جديد، وهو ان هذه الفصائل قاومت الاميركان منذ احتلالها للعراق، وهم من اجبروا الاميركان على قرار الانسحاب في 2012. والحقيقة ان من اجبر الاميركان على الانسحاب هي العمليات الارهابية التي كانت تنفذها القاعدة في مناطق الوسط وبغداد وحينها كانت الاحزاب الشيعية كلها تقف ضد هذه العمليات وكلنا نتذكر ما حصل من هجوم اميركي على الفلوجة آنذاك على مرأى ومسمع من الحكومة العراقية آنذاك. ومعروف من كان يدعم هذه المنظمات حينها ويمدهم بالسلاح والاموال ويفتح لهم الحدود.

ما لاحظته على السيد الخزعلي خلال المقابلة انه لم ينطق بجملة ايجابية واحدة حيال اية جهة موجودة في العراق، فهو ناقم على كل شيء واي شيء. فالجميع من وجهة نظره عملاء باستثناء من يتبنون نفس ما يتبناه من افكار، كيف لا والفصائل هذه هي ارادة الهية مثلما ذكر في اللقاء.

ما يستنتجه المتابع للقاء السيد الخزعلي الذي امتد قرابة الساعتين هو انه قد آن الاوان لمراجعة القرار الذي شرعن وجود الفصائل المسلحة، خاصة بعد انتهاء تهديد داعش وانتفاء الحاجة لوجود مثل هكذا فصائل، وبعد ان اصبح استمرارها يمثل اشكالية تكاد ان تكون لها تداعيات خطيرة على مستقبل الدولة. اما الوجود الاميركي الذي يعتبرونه مبررا لوجودهم كفصائل، فيمكن حسمه من خلال استفتاء شعبي يجرى في كل العراق، لأخذ رأي كل الشارع حول هذه القضية وليس فصيلا واحدا او "مجاهدا" نرجسيا واحدا.