تجدد المظاهرات في الجزائر ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة
الجزائر - تجمّع مئات من الأشخاص، اليوم الأحد، في محاولة للتظاهر في وسط العاصمة الجزائر بدعوة من حركة "مواطنة"، رفضاً لترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
وفي هذا اليوم الأول من أيام العمل الأسبوعي، كان التحرك ضعيفاً بالمقارنة مع احتجاجات يوم الجمعة الحاشدة عندما نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع في الجزائر، خصوصاً في العاصمة، التي يمنع فيها التظاهر تماماً، تلبيةً لدعوات أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي بدون إطار حزبي أو نقابي تحت شعار واحد هو "لا للعهدة الخامسة".
وتميزت تظاهرات الجمعة بطابع عفوي وسلمي ما يمكن أن يغير المعطيات قبل شهرين من الانتخابات، كما يرى مراقبون، لكن يبقى من الصعب التكهن بمستقبل الحراك ورد السلطات.
ومع ذلك، لا تزال المظاهرات التي تجددت الأحد وبدأت بحشد يضم حوالى خمسين شخصا، تتزايد في منتصف النهار.
ومنع مئات الأشخاص لاحقا من قبل الشرطة من التحرك في أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة، وفق لمصادر صحفية.
وردد المتظاهرون "الجزائر حرة" و"لا للعهدة خامسة"، فيما حاولت الشرطة تفريقهم بقنابل الغاز المسيل للدموع. وأوقف عدد من الأشخاص أيضا.
وأخلت الشرطة التي انتشرت عناصرها في وسط العاصمة الذي تحلق فوقه مروحية بشكل متواصل منذ الصباح، قبل الموعد المحدد للتجمع (11.00 ت غ) نقطة التجمع في ساحة أودين في حيث تجمّع حوالى 50 ناشطاً من حركة "مواطنة".
وانضمّ إلى الناشطين محتجون آخرون تجمعوا من شارع ديدوش مراد التجاري، حيث قطعت حركة السير.
وتأسست حركة "مواطنة" في يونيو 2018، لمعارضة ولاية خامسة لبوتفليقة. وهي تتألف من مثقفين (أحزاب معارضة، ناشطون من جمعيات، صحافيون، محامون).
ومنذ التظاهرات الكبرى في أكتوبر 1988 التي أفضت إلى تغيير النظام السياسي بالجزائر من الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، "حدثت مظاهرات شعبية بنسب متفاوتة من حيث الأهمية والتنظيم" كما ذكرت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر3، لويزة دريس آيت حمادوش.
وأضافت آيت حمادوش "لكن أن تشمل كل التراب الوطني بهذا الحجم وبهذا التزامن وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، أظن أنها غير مسبوقة".
وأكد دبلوماسي الموقف نفسه قائلا "يبدو لي أن التجنيد هذه المرة كبير وغير مسبوق بالنظر إلى المشاركة الكثيفة والشعبية".
التجنيد هذه المرة كبير وغير مسبوق بالنظر الى المشاركة الكثيفة والشعبية
وما ميز المشاركين في تظاهرات الجمعة التي امتدت إلى عدة محافظات جزائرية، أنهم من المراهقين أو الشباب البالغين عشرين سنة على الأكثر، ما يتناقض مع المعروف عن الشباب الجزائري بأنه بعيد عن السياسة.
وأوضحت لويزة آيت حمادوش أنه "بحسب الدراسات فإن الشباب (في الجزائر) لا يناضلون وغير متحزبين، فنسبة 1 بالمئة فقط ينتمون إلى أحزاب سياسية. ما يطرح تساؤلات" حول ما سينتج عن هذا الحراك "وهذا لا ينبئ ببروز خطاب سياسي" يرافقه في المستقبل.
كما تميزت مسيرات يوم الجمعة أنها لم تشهد أي حوادث تذكر باستثناء بعض الصدامات التي شهدتها العاصمة الجزائرية، حيث رشق المتظاهرون بالحجارة الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع.
وبحسب الشرطة فلم يتم توقيف سوى 41 شخصا على المستوى الوطني.
وعبرت آيت حمادوش عن ارتياحها قائلة إن "الجزائريين أظهروا أنهم يستطيعون التظاهر دون أعمال شغب". ومن جانب الشرطة "فإنه من المؤكد أنها تلقت تعليمات لتجنب أي تصعيد".
وفي العاصمة حيث تمنع كل أشكال المسيرات والمظاهرات ويتم تفريقها بسرعة فإن الشرطة لم تتدخل أمام الأعداد الكبيرة للمحتجين. حتى أنها لم تمنع تمزيق صورة كبيرة للرئيس كانت معلقة على واجهة حزب التجمع الوطني الديموقراطي، أحد أحزاب التحالف الرئاسي الحاكم.

وبالنسبة للأستاذة الجامعية "فإنه يبدو أن هناك إرادة في أعلى هرم السلطة لتجنب أي انزلاق لأن ذلك يسيء إلى صورة الدولة المستقرة التي تريد الجزائر إعطاءها ولأن السلطة واعية بأن العنف يولد العنف" مشيرة إلى أن هذا "ليس في مصلحة أحد".
وعاد الهدوء السبت إلى شوارع العاصمة الجزائرية ولم يتم تسجيل انتشار كثيف للشرطة.
وأوضحت آيت حمادوش أنه من الصعب معرفة إن كانت التعبئة ستستمر وما هو الرد الذي ستقدمه السلطات. وقالت "لا نعرف إن كانت هذه بداية لشيء ما أو سيبقى (الحراك) بلا تبعات كما لا تعرف إن كانت التعبئة ستتسع" في المستقبل القريب.
وتساءلت إن "كانت مختلف الحركات الاجتماعية التي لديها مطالب اقتصادية واجتماعية ستركب موجة هذه الاحتجاجات التي ليس لديها سوى مطلب سياسي وحيد وهو رفض الولاية الخامسة".
ما حدث هو دون شك أكثر ما كانوا يخشونه
وأضافت "لم يكن للأحزاب السياسية أي دور في ما حدث، لكن في المقابل لا يمكن أن نبني خطابا سياسيا بديلا بدون فاعلين سياسيين، وبدون أحزاب. غيابهم سيكون مشكلا في ما سيأتي".
وتابعت "كما أنه من الواضح أن هناك معارضة ضد ترشيح" الرئيس بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 1999 "فإن هناك أيضا شكوكا حول البديل عن هذا الترشيح" لأن "المتظاهرين حددوا ما لا يريدونه لكنهم لم يقولوا ما يريدون".
وقبل عشرة أيام من آخر مهلة لتقديم الترشيحات فان أنصار بوتفليقة البالغ 81 سنة والمريض منذ اصابته بجلطة في الدماغ في 2013، وجدوا أنفسهم أمام "معضلة"، بحسب الدبلوماسي الذي فضل عدم الكشف عن هويته: إما تعيين مرشح آخر أو "المرور بالقوة".
وأشار إلى أن "ما حدث هو دون شك أكثر ما كانوا يخشونه فالنظام كان على السكة التي تؤدي إلى تجديد ولاية الرئيس" لكن التعبئة الشعبية الجمعة "تغير المعطى السياسي".
وأكدت ذلك آيت حمادوش قائلة "بعدما لم يكن هناك أي شك حول الولاية الخامسة قبل بضعة أسابيع، تبدو اليوم غير مؤكدة".
وخلصت إلى القول "على هذا الأساس أصبحت الفرضيتان مطروحتان: إما أن السلطة تفرض الولاية الخامسة رغم الرفض، أو تجد توافقا يسمح لرئيس الدولة أن ينسحب لأسباب صحية".
يذكر أن الرئيس بوتفليقة يتجه اليوم إلى جنيف من أجل إجراء فحوصات طبية دورية حسب ما أعلن مكتبه الخميس.