قيس سعيد يبحث في قضية فساد تتعلق بأحد وزراء النهضة المقالين

قيس سعيد يعيد فتح ملف قضية أثارت جدلا في تونس تتعلق بحادث سير قامت به ابنة وزير النقل المقال والمنتمي لحركة النهضة أنور معروف بعد ان اختفى من أروقة المحكمة وتم تغيير محتواه.
الرئيس التونسي يشدد على ضرورة تطبيق القانون على الجميع
اتهامات لنورالدين البحيري بالسيطرة على القضاء منذ حكم الترويكا
عبير موسي تتهم النهضة باختراق وزارة العدل ووزراة الداخلية
اتحاد الشغل يصف تعيينات وإقالات قام بها أنور معروف بـ"الفضيحة"

تونس - طالب الرئيس التونسي قيس سعيد اليوم الأربعاء بتطبيق القانون على وزير سابق محسوب على حركة النهضة الإسلامية بشأن حادث سيارة تسببت فيه ابنته واختفى الملف القضائي الخاص يه خلال الأيام الماضية، مؤكدا خلال استقباله غازي الشواشي وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية أنه لن يتسامح أبدا في استخدام أي مليم من أموال الشعب بغير وجه حق.

وقال بيان أورته الرئاسة التونسية إن سعيد استقبل الأربعاء في قصر قرطاج غازي الشواشي وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية "لبحث آخر المستجدات المتعلقة بملفات أملاك الدولة والأموال التي تم استرجاعها إلى حد الآن في إطار تسوية وضعيات عدد من رجال الأعمال".

وأضاف البيان إن سعيد "أثار في هذا السياق قضية تتعلق بحصول حادث سيارة إدارية وقد تمت معاينة الحادث وفتح محضر بحث أمني بشأنه، لكن بدل أن تأخذ القضية مجراها الطبيعي تم تغيير المحضر وتوجيهه إلى المحكمة قبل أن يختفي الملف هذه الأيام من أروقة المحكمة الابتدائية بتونس".

وذكّر الرئيس التونسي "بوجوب تطبيق القانون تطبيقا كاملا على الجميع دون استثناء أي كان مهما كان موقعه أو منصبه داخل الدولة أو خارجها"، مؤكدا "مواصلته الاستماتة في الدفاع عن الحق والعدل وفقا لما يمليه القانون والمسؤولية التي يتحملها".

ويتحدث سعيد عن حادثة تسببت فيها ابنة وزير النقل المُقال أنور معروف وأثارت جدلا كبيرا في تونس خلال شهر مارس الماضي، حيث نشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صور سيارة إدارية تابعة لوزارة النقل قيمتها 270 ألف دينار (90 ألف دولار) وهي محطمة بعد أن استخدمتها ابنة الوزير الذي ينتمي لحركة النهضة دون أي صفة تسمح لها بقيادتها.

واستنكر الرأي العام في تونس تسليم معروف سيارة الوزارة ذات الاستخدام الشخصي لابنته التي تولت قيادتها والتسبب في حادث مرور ثم اتهم بمحاولة التستر على الحادثة عبر تزوير المحضر لدى الشرطة للإيهام بأن السائق الخاص بالوزارة هو من تسبب بالحادثة.

وكشفت مصادر إعلامية تونسية آنذاك أن “الوزارة لملمت الموضوع ووضعت السيارة المحطمة في أحد المستودعات التابعة لوزارة النقل”.

ودعا التونسيون آنذاك إلى التدخل والحد من مثل هذه التجاوزات ومحاسبة المسؤولين.

وأكد قيس سعيد لدى لقائه وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية غازي الشواشي على "وجوب وضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار مجددا حرصه على المحافظة علی المال العام والملك العمومي".

وأضاف الرئيس التونسي أنه "لن يتسامح لن يتسامح أبدا في أي مليم من أموال الشعب يتم استعماله بغير وجه حق".

ويبدو أن سعيد بدأ يضيق ذرعا بتصرفات حركة النهضة الإسلامية التي حاولت بكل الطرق في الفترة الأخيرة سحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ قبل أن يقدم استقالته بنفسه الأربعاء الماضي متحججة بأن شبهات الفساد تحوم حوله.

وغازي الشواشي محامي وقيادي بحزب التيار الديمقراطي الذي أصبح يمثل تهديدا آخرا لحركة النهضة بعد أن اتهمها في الفترة الأخيرة بممارسة الابتزاز داخل الحكومة لفرض هيمنتها عليها.

واتهم الأمين العام للتيار محمد عبو، النهضة بابتزاز حكومة الفخفاخ بعد أن فتحت ملفات فساد تهم مقربين من الحركة الإسلامية وقال عبو في وقت سابق إنه “ليس بالإمكان الحكم مع حركة النهضة فهي منذ البداية قررت إسقاط الحكومة”.

يذكر أن صحفيون ونشطاء تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي سبق وأن انتقدوا تصرفات معروف حين رفض تسليم البيت الوظيفي الذي يسكن فيه في قرطاج عندما كان وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي حيث بقي متمسكا به إلى حين إعادة تعيينه على رأس وزارة النقل.

كما تعرض معروف لانتقادات بسبب قيامه بإقالات عديدة لمسؤولين في الوزارات التي أشرف عليها حيث أثارت شكوكا حول أهدافها وكان آخرها إقالة المدير العام لشركة الخطوط التونسية.

 واستنكرت شخصيات نقابية وسياسية قرار الوزير المحسوب على النهضة حيث تم اعتباره غير قانوني ويأتي في سياق تجاذبات سياسية.

ووصف نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في تونس) ما ورد في وثيقة إقالة إلياس المنكبي من منصبه بـ”الفضيحة” .

يذكر أن إلياس الفخفاخ أقال على إثر تقديم استقالته الأربعاء الماضي، جميع وزراء حركة النهضة من الحكومة التي ستبقى لتسيير الأعمال إلى حين تعيين الرئيس قيس سعيد رئيس حكومة جديد.

وأصبح القضاء في تونس خلال السنوات الماضية يمثل فعلا مشكلا حقيقيا في وجه محاربة الفساد، حيث أثارت عدة ملفات قضائية جدلا واسعا بسبب عدم محاسبة المتورطين في قضايا فساد أو قضايا أخرى منها قضايا تتعلق بالحريات وأخرى تتعلق بالاغتيالات السياسية أهمها ملف اغتيال السياسيين اليساريين شكري بالعيد ومحمد البراهمي الذي لا يزال عالقا في المحاكم منذ سنوات دون كشف منفذيه.

وعرضت هيئة الدفاع في قضية اغتيال بلعيد والبراهمي عديد المرات معطيات خطيرة جداً بالوثائق والأسماء، عن وجود تنظيم أمنيٍّ سرّيٍ خاصٍ لحركة النهضة واتهمتها بالضلوع بشكلٍ مباشرٍ في الاغتيالات السياسيّة التي شهدتها تونس منذ 2013، عبر هذا التنظيم، وبسرقة آلاف الوثائق من وزارة الداخليّة التونسيّة.

وقالت لجنة الدفاع إن "النهضة تمكّنت إثر فوزها في انتخابات 2011 من تعيين مقرّبين منها في أجهزة الدولة، بخاصّة في الجهاز الأمني ووزارة العدل أيضا وهو ما مكّنها من التدخّل في عديد الملفات الحسّاسة من بينها الاغتيالات".

ويشن نشطاء وحقوقيون وسياسيون تونسيون من وقت لآخر حملات ضد النهضة وخاصة القيادي فيها والنائب الحالي في البرلمان نورالدين البحيري الذي كان على رأس وزارة العدل خلال حكم الترويكا (2013-2014).

وتتهم النهضة بالتلاعب بالترقيات والمناصب والانتدابات داخل إدارات وزارة العدل تحت قيادة البحيري الذي يرأس الآن كتلة حركة النهضة في البرلمان، ما أتاح لها السيطرة عليها وهي الوزارة التي يريدها التونسيون أن تكون بمنأى عن التجاذبات السياسية.

واتسمت المرحلة التي تولى فيها البحيري وزارة العدل بأزمات متعددة وعاصفة هزت الوزارة بعد إقالات وعزل لقضاة وغيرهم من كفاءاتها خاصة الذين يديرون مصالح السجون.

وكانت زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي قد فتحت مؤخرا ملف هيمنة النهضة على وزارة العدل بعد أن رصدت وجود اتصالات بين نواب عن الحزب الإسلامي وإرهابيين في السجون في وقت عاد فيه شبح الاغتيالات يخيم على الأجواء في تونس بعد تلقي موسي تهديدات جدية بالتصفية الجسدية.

وفي يونيو الماضي، اتهمت موسي التي تطالب كتلتها وكتل أخرى بالبرلمان بسحب الثقة من راشد الغنوشي والإطاحة به من رئاسة البرلمان، قيادات من النهضة باختراق مصلحة السجون التابعة لوزارة العدل من خلال تنظيم لقاءات مع إرهابيين قادمين من ليبيا.

وخلال تشكيل جميع الحكومات التي شاركت فيها النهضة بعد 2011 تمسكت بطريقة شرسة بعدم تمكين معارضيها أو شخصيات غير متحزبة من قيادة وزارة العدل بسبب تخوفها من فتح ملفات تكشف التجاوزات التي  شهدتها في وقت سابق عندما كان البحيري يديرها.

والنهضة التي طالما تشدقت لناخبيها بسعيها لمحاربة الفساد خلال مشاركته في جميع الحكومات التي تلت سقوط نظام زين العابدين بن علي في 2011، لم تتجرأ على فتح حتى مجرد ملف واحد يتعلق بمحاسبة المسؤولين الفاسدين بل تحالفت مع حزب "قلب تونس" الذي يواجه رئيسه تهم فساد فور حصولها على الأغلبية في البرلمان بعد الانتخابات التشريعية في نوفمبر الماضي.

ورغم تأكيد كل القيادات في النهضة وحتى رئيسها راشد الغنوشي منذ بداية الانتخابات وحتى بعدها لناخبي الحركة الإسلامية على عدم مشاركة حزب "قلب تونس" الذي يتزعمه قطب الإعلام نبيل القروي، في الحكم أو التحالف معه، فإنها أصبحت تعول عليها اليوم في جمع أغلبية الأصوات وتمرير القوانين في البرلمان كما حاولت مرارا فرض مشاركته في حكومة إلياس الفخفاخ الذي استقال الأربعاء الماضي.

عمدت الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين إلى بناء تحالف برلماني قوي مع ائتلاف الكرامة الشعبوي (19 نائبا) وحزب قلب تونس (27 نائبا) يستهدف الإطاحة بحكومة الفخفاخ، وكرست كل الضغوط من أجل تحقيق ذلك.

وأكد الاتحاد التونسي للشغل أن الحزب الإسلامي كان على علم بتضارب المصالح وشبهات الفساد بشأن رئيس الحكومة المستقيل لأنها أرادت الضغط عليه والرضوخ لمطالبها لكنه لم يرضخ لها وخير الاستجابة للرئيس قيس سعيد بتقديم استقالته.