قيس سعيد يحذر من استدراج الجيش إلى صراعات سياسية

الرئيس التونسي يتهم جهات دون ذكرها بالسعي إلى تفجير الدولة من الداخل، عبر ضرب مؤسساتها ومحاولات تغييب سلطتها بعدد من المناطق في وقت تتصاعد خلافاته مع حركة النهضة.
قيس سعيد دخل في خلاف حاد مع حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي
النهضة مصرة على التخلص من الفخفاخ في ظل الازمة الحالية وتدعوه للاستقالة
نواب يؤكدون ان سعيد قصد مجموعات ارهابية تدعمها تركيا في ليبيا

تونس - حذر الرئيس التونسي قيس سعيد الخميس من خطورة محاولة الزج بالجيش في صراعات سياسية داخلية على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها ولاية تطاوين جنوبي البلاد.
ونبه سعيد- خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي- من خطورة ما يجري "بخصوص سعي البعض إلى تفجير الدولة من الداخل، عبر ضرب مؤسساتها ومحاولات تغييب سلطتها بعدد من المناطق".
ويأتي تصريح الرئيس في أعقاب الاحتجاجات التي شهدتها مدينتا تطاوين ورمادة في ولاية تطاوين جنوب البلاد ليل الأربعاء- الخميس، ردا على مقتل شاب برصاص الجيش أثناء مطاردة لعملية تهريب.
وشهدت مدينة رمادة بالأساس مواجهات بين محتجين ووحدات عسكرية وعمليات كر وفر فيما قال سعيد "إن من بين المخاطر الموجودة اليوم، هي محاولة الزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية، واستدراجها بهدف الدخول معها ومع بقية المؤسسات الأخرى في مواجهة".
وأضاف "ما حصل في اليومين الأخيرين في الجنوب غير مقبول بكل المقاييس".
وفي المقابل عبر الرئيس التونسي عن استعداده لاستقبال وفود من رمادة وتطاوين ومن كل مكان للحديث معهم وحل مشاكلهم.
ووجه سعيد رسالة الى اهالي تلك المناطق " أقول لأهالينا في رمادة وتطاوين وفي كل مكان، أنني على استعداد لاستقبال من يريدون إرساله للحديث معه قبل الحديث إليه، وقد حصل ذلك في عديد المناسبات، وأعلم جيدا أنهم شرفاء وأعلم جيدا أنهم وطنيون مخلصون، كنت في تطاوين وفي عديد المناطق، إذا عاهدوا فهم أهل لا ينكثوا العهد ولا يتراجعوا في ميثاق".

وتشهد ولاية تطاوين حالة من الاحتقان واحتجاجات منذ أسابيع يقودها عاطلون يطالبون الحكومة باستكمال تنفيذ اتفاق موقع منذ 2017 لتشغيل نحو ألفين من العاطلين.
ودخلت الولاية التي تضم أعلى نسبة بطالة في البلاد، في إضراب مفتوح منذ يوم الجمعة الماضي شمل المؤسسات العمومية وحقول النفط والغاز في الصحراء القريبة.

ويرى النائب في البرلمان حاتم المليكي في مداخلة عبر اذاعة "اي اف ام" الخاصة ان الرئيس يقصد المجموعات الارهابية الموجودة على الحدود الليبية التونسية التي تسعى الى تهديد الامن القومي خاصة مع وجود جحافل من الارهابيين والدواعش بينهم تونسيون ارسلتهم تركيا الى ليبيا ويتمركزون في قاعدة الوطية الجوية.

وذكر النائب بما تعرضت له البلاد من هجمات ارهابية عبر الحدود الشرقية خاصة محاولة تنظيم داعش اجتياح مدينة بن قردان الحدودية قبل سنوات.

ولا يعرف تحديدا الجهة التي قصدها الرئيس التونسي بانها تحاول زج الجيش في اتون الصراعات لكن علاقة سعيد بحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي قد تدهورت في الفترة الاخيرة.
ورغم ان تنسيقية اعتصام الكامور تحمل الحكومات المتعاقبة التي تهيمن عليها حركة النهضة الاخوانية مسؤولية عدم تنفيذ الاتفاق المتعلق بالشركات النفطية في المنطقة لكن الحركة تستغل تلك التحركات لضرب مصداقية كل من رئيس الحكومة الياس الفخفاخ والرئيس سعيد.
وفق أرقام رسمية، تساهم حقول المحافظة بـ40 بالمئة من إنتاج تونس من النفط وبـ20 بالمئة من إنتاج الغاز.
وينص اتفاق الكامور على رصد 80 مليون دينار (27 مليون دولار) للاستثمار، وامتصاص البطالة، وانتداب 1500 عاطل عن العمل في الشركات البترولية و500 شخص في شركة البيئة والغراسات والبستنة.
ووقعت حركة النهضة الاسلامية الحاكمة آنذاك حين كانت أغلبية في حكومة يوسف الشاهد، اتفاق الكامور مع المحتجين ووعدت سكان المحافظة بالالتزام بنص الاتفاق، إلا أنها أخلت بوعودها بعد ذلك.
ومع اقتراب الحملة الانتخابية التشريعية والرئاسية في 2019، عادت النهضة إلى تدوير الاتفاق وجدّدت وعودها السابقة، في سياق حشد أصوات انتخابية في منطقة  يتباهى زعيم الحركة راشد الغنوشي بأنها خزان انتخابي مضمون  لحزبه.
وتشير الاحصائيات الانتخابية الرسمية إلى أن أغلب سكان الجهة (تطاوين) صوتوا خلال الانتخابات الماضية لحركة النهضة وحليفها الاسلامي "ائتلاف الكرامة" بعد أن وعدتهم بتحسين ظروفهم الاجتماعية وبررت التفافها على وعودها السابقة بأنه ناجم عن خلافات سياسية صلب الائتلاف الحكومي وليس تقصيرا من جانبها.

رئيس الحكومة التونسي الياس الفخفاخ
النهضة تريد السيطرة على الحكومة بالضغط على الفخفاخ

وبعد فوزها بالانتخابات التشريعية في 2019 وحلولها في المرتبة الأولى، استقبل الغنوشي، الذي يترأس البرلمان حاليا، بمقر البرلمان في يناير/كانون الثاني الماضي وفدا عن تنسيقية الاعتصام  حيث انتهى اللقاء دون نتائج باستثناء تجديد الوعود التي أطلقت في 2017. 
وفي وقت تشهد فيه المحافظات الداخلية وحتى المحافظات التونسية الساحلية موجة من التململ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي عمقتها تداعيات وباء كورنا، تنكب حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي على تسميم المناخ السياسي، ما يربك حكومة الفخفاخ التي تواجه تحديات جمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
وتتالت مواقف الحركة المناوئة للفخفاخ وكان أخرها تهديدها بالانسحاب من الحكومة ما لم يستجب الفخفاخ لمطالبها بتوسيع الائتلاف الحكومي بهدف ادخال "حليفها غير المعلن" حزب قلب تونس صلبه، ما يسمح لها بتمرير أجنداتها التي تقف كل من حركة الشعب والتيار الديمقراطي أمام تحقيقها.
والخميس قدم رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني،، النصح لرئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ بالاستقالة بحجة تورطه في ملف تضارب المصالح.
لكن هذا النصح يندرج في اطار محاولات الحركة الضغط على الفخفاخ لتوسيع الحزام السياسي وضم حزب قلب تونس الذي يقوده نبيل القروي وليس في اطار خطة اقتصادية واجتماعية للمرحلة الصعبة التي يعيشها التونسيون.
واقترحت حركة النهضة على التونسيين منذ 2011 برامج انتخابية اقتصادية واجتماعية فضفاضة توحي بالازدهار الاجتماعي، لكن بعد 10 سنوات تقريبا لم يتحقق شيء من هذه الوعود.
وتواصل الحكومات المتعاقبة، التي كانت فيها حركة النهضة أغلبية، اتباع الخيارات الاقتصادية التي اعتمدها النظام السابق وأدت في النهاية إلى سقوطه.
ويؤسس التفاف حركة النهضة على وعودها الاقتصادية والاجتماعية إلى انحسار شعبيتها وتآكل منسوب الثقة فيها، في أحد أبرز معاقلها الانتخابية (الجنوب التونسي)، كما في بقية المحافظات التونسية التي سئمت بدورها الوعود الانتخابية وباتت تبحث عن بديل سياسي قادر على تلبية طموحاتها.