كأنّما بأمر إيرانيّ: لا حكومات في المشرق إلاّ إذا…

بقلم: ياسمين ابراهيم

الدفعة الجديدة من العقوبات الأميركيّة على إيران تجعل إمساك طهران بالمشرق أكثر إلحاحاً: حياة أو موت. المساهمة في احتلال سوريّا لا تكفي ولا تشكّل بديلاً عن السيطرة الكاملة والمُحكَمة على باقي حكومات المنطقة، فإن لم تتحقّق لها هذه السيطرة كان الأفضل عدم تشكيل حكومات من أصله، أي إحداث فراغ يستحيل معه اتّخاذ أيّ قرار، وبالتالي ترك الفوضى تتدبّر الأمور…

في لبنان، قفز “حزب الله” بكلّ جبروته إلى حلبة تشكيل الحكومة. قال على لسان أمينه العامّ حسن نصر الله: لن نشارك إن لم يشارك سنّة 8 آذار. هذا السلوك غير مألوف، يخلّ بالقواعد المعروفة للنظام الطائفيّ، حيث لا تتدخّل طائفة في التمثيل الحكوميّ لطائفة أخرى. لكنّ غير المألوف ينبغي، في ظلّ أزمة إيران الراهنة، أن يصبح مألوفاً لأنّه يضعنا أمام احتمالين أحدهما مطلوب: إمّا لا حكومة بالمرّة، أو حكومة ملحقة كلّيّاً بحزب ولاية الفقيه، وتالياً بطهران.

في العراق، يحلّ محلّ سنّة 8 آذار مطلبُ تسليم فالح الفيّاض وزارة الداخليّة: إمّا فالح الفيّاض أو لا حكومة، أي: أن يعتذر عادل عبد المهدي عن المهمّة التي كُلّف بها.

لماذا وزارة الداخليّة؟ لأنّها تشرف على المعابر الحدوديّة، وعلى انتقال الأشخاص والسلع بين العراق وإيران. هذا يغدو أمراً بالغ الحيويّة والحساسيّة في ظلّ الحصار على الجار الشرقيّ. للتذكير، فإنّ الحدود العراقيّة – الإيرانيّة تمتدّ على 1460 كيلومتراً.

لماذا فالح الفيّاض؟ الرجل الذي انتسب في شبابه إلى “حزب الدعوة”، كان رئيس ومستشار الأمن الوطنيّ العراقيّ، كما كان رئيس “هيئة الحشد الشعبيّ”. انحيازه إلى نوري المالكي جعله رئيساً سابقاً، إذ أعفاه حيدر العبادي، رئيس الحكومة يومذاك، من مناصبه: فلأنّه مسؤول أمنيّ ينبغي أن لا يتولّى قيادة “الحشد الشعبيّ”. لكنّه أيضاً أزيح من منصبه الأمنيّ. كفُّ يد الفيّاض أثار زوبعة اعتراضيّة مصدرها المالكي والرموز الأقرب إلى طهران.

في العام الماضي، قبيل الانتخابات العامّة الأخيرة (2018)، شكّل الفيّاض “حركة عطاء” التي لم يحل تواضع حجمها دون مهمّات جليلة طرحتها على نفسها، من قبيل “خلق حالة من التوازن الفكريّ مع الشيوعيّة والعلمانيّة والقوميّة العربيّة”! بعد الانتخابات، بات الفيّاض أحد المرشّحين لرئاسة الحكومة العراقيّة. المالكي نفسه تنازل له ورشّحه.

الفيّاض معروف، بين أمور أخرى، بصلة وثيقة جدّاً تربطه ببشّار الأسد، بحيث وُصف بأنّه كان “همزة الوصل” بين المالكي والرئيس السوريّ. معروفٌ عنه أيضاً إصرارٌ يتكرّر في مقابلاته وتصريحاته على ضرورة بناء الحياة السياسيّة العراقيّة على قاعدة إلحاق الهزيمة بـ “داعش”. المعنى الفعليّ لذلك: مفاقمة وتكريس التفاوت السياسيّ – الطائفيّ في العراق. اعتراض مقتدى الصدر، الذي لا تثق به طهران خصوصاً في هذا الطرف العصيب، على تسليم الداخليّة للفيّاض، يزيد الثقة الإيرانيّة به والإلحاح على توزيره.

والمرء ليس بحاجة إلى نباهة مميّزة كيف يكتشف أنّ نظام طهران يستفيد من كلّ تفريغ سياسيّ أو أمنيّ يصيب منطقة المشرق العربيّ. يصحّ هذا في اغتيال رفيق الحريري، بوزنه السنّيّ والسعوديّ والغربيّ، عام 2005، أو بانفصال قطاع غزّة عن الضفّة الغربيّة وسلطتها في 2007. هذا من حيث المبدأ، وهو سابق على ترامب وإجراءاته العقابيّة، كما على الحضور الاحتلاليّ الإيرانيّ في سوريّا. المبدأ هذا يمكن أن نضربه اليوم بألف.

عن صفحة درج