كارثة الامل بين منتجيها وضحاياها

غابت الوطنية عن قوى "ثورية" عربية فصارت تثغو بالفارسية.

في حياتنا العربية هناك جهات توحي بأنها قادرة على صنع الامل عن طريق قتله باعتباره كذبة.

حزب الله على سبيل المثال يحارب عدوا وفي الوقت نفسه فإنه يضع كل خدماته القتالية في خدمة عدو آخر. إنه يصنع الامل في نفوس من تمكنت منهم آلته الدعائية وغسلت أدمغتهم وفي المقابل فإنه يسعى إلى قتل الأمل في نفوس كل من مكنته نزاهته من اكتشاف خبث وظلامية وعنصرية وانحطاط المشروع الإيراني.

تلك الميليشيا لم تعد منذ حرب 2006 قادرة وفق حسابات الواقع المتاح أن تحارب إسرائيل. لذلك صار كل همها أن تكرس وجودها المسلح الفالت على حساب الدولة اللبنانية لتكون من خلاله قوة عسكرية إقليمية تحارب في كل مكان، تشير إليه إيران باستثناء إسرائيل.

صارت "فلسطين" كلمة السر التي يمكن من خلالها معرفة حقيقة ذلك الحزب.  

ما تلهو به الميليشيات في العراق يكاد أن يكون أسوأ.

تلك الميليشيات وبالرغم من أنها أسست لتكون قوة حماية للحكم الشيعي الذي يستظل كذبا بنظام محاصصة اقامه الأميركان من أجل أن لا يسترجع العراق دولته الوطنية فإنها لا تخفي استعدادها للانقلاب على ذلك الحكم في أية لحظة، يجدها الحرس الثوري الإيراني مناسبة لإلحاق العراق بإيران.

أمل الشيعة "المتحزبين" في إقامة دولتهم في العراق هو عبارة عن وهم يمكن أن ينسفه لغم اسمه الحشد الشعبي. وهو لغم لا يقوى "حكماء" الشيعة على الاقتراب منه لئلا ينفجر بهم.

على الجانب نفسه فإن حركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة باعتباره غنيمة حرب لم تكن نزعتها الاخوانية لتسمح لها إلا في الظهور من خلال سلوك مزدوج. فهي من جهة تتحدث عن فلسطين كما لو أنها املها الوحيد في النجاة وهي من جهة أخرى لا ترى في فلسطين إلا قضية صغيرة في طريق الدعوة الاخوانية. الامل في تحرير فلسطين دفع ثمنه سكان غزة حين هُدمت بيوتهم غير مرة ومات مرضاهم على المعابر وانحطت سبل عيشهم إلى الدرجة التي تحولوا فيها إلى متسولين.

جماعة الاخوان التي ورطت حركة حماس في محاولة غزو مصر في سنة حكمها المشؤومة لا تزال تراهن على تدخل مخابراتي دولي يمحو عنها الظلم الذي تعرضت له حين اعتبرت ظاهرة إرهابية. لا أبالغ إذا ما قلت أن هناك في العالم العربي بشرا لا يستهان بأعدادهم ترنوا عيونهم إلى الأفق الذي ستشرق منه شمس الإخوان. إنهم ضحايا الأمل الذي سيعيدهم إلى العصر الحجري كائنات بدائية لا يليق بها سوى أن تُعرض في المتاحف.

لقد سعى إخوانيو تونس إلى أن يصنعوا من وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي مناسبة للإعلان عن ذلك الأمل الكاذب. ولولا وقفة النائبة فاطمة المسدي الشجاعة لكان مجلس النواب التونسي قد تحول إلى مجلس عزاء، يكتشف من خلاله الشعب التونسي نهاية الأمل.

هناك كارثة أسمها الأمل.

كان القذافي يسخر من شعب ليبيا وحين كان على مقربة من النهاية شتم ذلك الشعب. غير أن الرجل لم يصنع أملا إلا في ما يتعلق برؤاه الامبراطورية. كانت آماله مضحكة حتى بالنسبة لمَن سايره من الزعماء الافارقة بغية الحصول على مكافآت مالية كريمة.

اما دعاة الوحدة العربية فإنهم كانوا نتاج الهام نخبوي قاد الشعوب إلى ممارسة نوع هجين من الرقص الشعبي. لا يزال الكثيرون يشعرون بغصة وجودية حين يستمعون إلى انشودة محمد عبدالوهاب "وطني حبيبي وطني الأكبر".

كانت الوطنية هي أساس ذلك الأمل الذي انطفأ.

اما وقد غابت الوطنية عن قوى "ثورية" عربية صارت تثغو بالفارسية فإن كل أمل تنادي به تلك القوى هو عبارة عن تمهيد لوقوع كارثة عظمى تصيب الأمة بمقتل جديد.