كتاب اطميزة يعاين أدب الرحلة

الناقد يلخص أدب الرحلة بأنه ينتمي إلى درس "الصورولوجية" ودراسة العادات والتقاليد وتأثيراتها الإقليمية.
أدب الرحلات قديم عند العرب، بل ارتبط مع فجر التاريخ
الحضارة العربية في الأندلس لا تزال مجهولة بالنسبة للعرب

عمّان ـ يعاين الناقد د. عبدالمجيد اطميزة في كتاب "سميح مسعود .. على دروب الأندلس" الرحلة التي قام بها الأخير إلى الأندلس، متوقّفا عند سيميائية العنوان والعلامات التي ضمنها للكتاب، ومنها الإهداء الذي أزجاه مسعود لمناضليَن فلسطينيين هما نجاتي صدقي وعلي عبدالخالق قاتلا في إسبانيا لمواجهة دكتاتورية فرانكو.
ويتوقف د.اطميزة في إطار قراءته لكتاب "سميح مسعود.. على دروب الأندلس" الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان عند كلمة الشكر التي تضمنها كتاب الرحلة، لافتا إلى دلالتها، فهي ليست مجرد كلمة للمجاملة، بل تلقي الضوء على جهود المستعربين الإسبان لإبراز مكانة الحضارة العربية في الأندلس، وفضلهم في نقل العلوم إلى أوروبا، ويركز على قيم التسامح التي تمثلتها الحضارة العربية وقتذاك.
وينتقل المؤلف اطميزة إلى وضع الكتاب في إطاره التجنيسي الذي ينتمي فيه لأدب الرحلات، مبينا تاريخ هذا النوع من الأدب الذي يقع بين التاريخ والأدب وينطوي على جملة من المعارف التي تتصل بالذاكرة البصرية والتدوينية، وأن المؤلف يحوز على ثقافة واسعة، ومثابرة، وعين يقظة وانتباه لكل شارة وعلامة تعمق فكرة الرحلة ومغزاها.
ويلخص د. اطميزة أدب الرحلة بأنه ينتمي إلى درس"الصورولوجية" ودراسة العادات والتقاليد وتأثيراتها الإقليمية، وأدب الرحلات قديم عند العرب، بل ارتبط مع فجر التاريخ.
وتوقف عند دوافع الرحلة التي تنكب عناءها الكاتب والشاعر والاقتصادي د. سميح مسعود إلى بلاد الأندلس التاريخ وإسبانيا الجغرافيا، مستدركا أن الحضارة العربية في الأندلس لا تزال مجهولة بالنسبة للعرب في الماضي بالحجم الذي أسست فيه للحضارة الأوروبية، وفي الحاضر لجهة جهود المستعربين الإسبان ودراساتهم لتأثير الحضارة العربية على الإسبان ولغتهم وثقافتهم وفنونهم وقيم التسامح لديهم.
وهو بحسب اطميزة، فإن الرحلة تلبي فضول المؤلف وحبه للاطلاع والمعرفة، وهو فضول لمعرفة ظلال التأثير الجيوسياسي على الثقافي، وبحسب مسعود فإن تأسيس الصالون الثقافي الذي حمل اسم "الصالون الثقافي الأندلسي" الذي أسسه في مغتربه بكندا كان الشرارة التي لمعت وأضاءت للرحلة، كما يقول مسعود: "قرّبني الصالون من الأندلس، أخذت أشعر من خلاله بنداء يحثني بين الفينة والفينة للكتابة عنها".
الناقد اطميزة الذي وصف أسلوب الكاتب ولغته بالسرد القصصي الجميل الذي يقوم على الوصف والسيرة الذاتية والاقتباسات، ونقل الصور التي تثير انفعال القارئ ودهشته، يعود إلى إلقاء الضوء على خصائص أدب الرحلة، مبينا جهود مسعود في تدوين رحلته ومشاهداته التي اتسعت وامتدت لعدد من المدن، ومنها: غرناطة، أشبيلية، طليطلة، قرطبة ومنها عمارة المساجد والقصور والقلاع التي لا تزال تحمل ملمحها العرب من خلال الزخرفة والخط العربي والنخيل.

الرحلة تلبي فضول المؤلف وحبه للاطلاع والمعرفة، وهو فضول لمعرفة ظلال التأثير الجيوسياسي على الثقافي

ويقول: "وقفنا أمام نصب تذكاري من الرخام الأبيض من أجمل ما رأيت في حياتي، تحيط به أربع نخلات باسقة وأشجار برتقال وليمون، لامسته عيناي بإحساس صادق بالفرح، لأن مدينة قرطبة أقامته للشاعر الأندلسي ابن زيدون"، وفي أسفل النصب نقشت بحروف نافرة أبيات شعر باللغتين العربية والإسبانية ملقيا الضوء على قصة عشق ابن زيدون للأميرة الولادة بنت الخليفة المستكفي".
وهو لا يتوقف في سرد المشاهدات بل يربطها بمخزونه التاريخي ومعارفه التي يستحضرها من الفن السابع (السينما) وشعراء إسبانيا ومنهم فيدريكو لوركا الذي حمل شعره روح الشرق وملامح من ذاكرة عربية في المكان، والفنون التشكيلية في جرنيكا بابلو بيكاسو، ورائد الرواية العالمية سرفانتس دون كيخوته ومتصلاتها مع تاريخ إسبانيا وامتزاج التاريخ القديم والحديث.
ويلقي مسعود الضوء على فن الفلامنكو الإسباني وارتباطه بالحكاية العربية عن أبي عبدالله الصغير أو كما يسمى "عبديل" حيث يشاهد مع مضيفه الإسباني لحفل فلامنكو الذي ترافقه أغنية بعنوان "من أجلك بكى أبو عبدالله الصغير"، ومنها: 
"غرناطة مقطوعة تنشد تحت السماء الأندلسية
سحب من الشتاء تمنحك إشراقا وضياء
غرناطة مسلمة ومسيحية، من أجلك بكى عبدالله
ومن أجلك أموت غما عندما أكون بعيدا عنك".
ويلتقي مسعود مع عدد من المستعربين والطلبة الذين يدرسون الحضارة العربية وتاريخها في إسبانيا، ومنهم: بيدرو مارتينث، وخوسيه بويرتا، وينقل عن المستعرب بيدرو اقتباسه عن المستعرب الإسباني خوليو سامسو الذي قال: "لولا ما فعله العرب، أو الإسبان عندما كانوا عربا في مختلف العلوم، لما كان هناك احتمال بحدوث النهضة الفكرية والعلمية التي نراها اليوم". 
وإذا كان الإنسان في الرحلة يبحث من خلال الآخر عن الذات، فإن مسعود في رحلته لم يتوقف عند الجغرافيا والتاريخ بما هي مدونات من الماضي، بل فيما هي حياة متواصلة، وهو ما دفعه للنبش في التاريخ المعاصر حول حياة عشرات العرب الذين قاتلوا مع الجمهوريين، ومنهم من استشهد ومنهم من روى ذلك في كتاب، وينتقل مسعود من الإحساس بالفضول إلى جغرافيا النكبة وتفرق أبناء فلسطين في الشتات والمنافي ليلقي الضوء على النشاط الثقافي والنضالي في إسبانيا، ممن حاربوا لحرية إسبانيا، ومنهم: نجاتي صدقي وعلي عبدالخالق، ويبرز الحس الإنساني لدى عدد من الإسبان في مناصرة القضية الفلسطينية.
ويقول الكاتب حسين نشوان في الغلاف الأخير: "إن المؤلف د. عبدالمجيد اطميزة في كتابه هذا لا يتوقف عند تصنيف الحقل الموضوعي لكتاب على دروب الأندلس لمؤلفه د. سميح مسعود على أنه أدب رحلات، وإنما يذهب في قراءة الكتاب بوصفه نصا أدبيا توثيقيا معرفيا تحليليا للتاريخ".