كتاب يرصد الصلات الأدبية والثقافية بين مصر والصين

كتاب حسانين فهمي حسين في أصله أُطروحة الدكتوراه، التي تقدَّم بها إلى كلّية الأدب المقارَن والعالميّ بجامعة اللّغات ببكِين عام 2008.
الباحث يتناول أهمّ الدراساتِ التي قدَّمها الباحثون الصينيّون حولَ الأدب المصريّ
حسانين يتناولَ بشيءٍ من التفصيل دراساتِ الأدبِ الصينيّ الحديث والمعاصر في مصر

تأتي أهمّية هذا الكتاب "عناق النيل واليانجستي.. موجز تاريخ التفاعلات الأدبية بين مصر والصين" للدكتور د.حسانين فهمي حسين انطلاقًا من رَصدِه للصلات الأدبيةَ والثقافيةَ بين مصر والصين، والتركيز علي دراسات الأدب الصينيّ الحديث والمعاصر وترجماته في مصر، إضافةً إلى دوره في دفع جمهور الباحثين المصريّين والصينيّين إلى الاهتمام بالتعريف بالموروث الثقافي لمصر والصين، انطلاقًا من إيمان المؤلف بدور مثل هذا النوع من الدراسات في تعميق جسور التواصل بين الأدب والثقافة المصريّة والعربية عامّة والأدب والثقافة الصينيّة، تماشيًا مع التطوّر الكبير الذي تشهدُه العَلاقات الصينيّة العربية في مختلف المجالات، وعلى رأسها التواصلُ الثقافيُّ بين الأمَّتَين العريقتين، وهو ما ظهر جليًّا في النشاط الذي تشهدُه حركةُ الترجمة الأدبية بين اللُّغتَين العربية والصينيّة، التي كان للإبداع الأدبي نصيبٌ كبيرٌ منها.
الكتاب الصادر عن دار صفصافة في أصله أُطروحةَ الدكتوراه، التي تقدَّم بها د.حسانين فهمي حسين إلى كلّية الأدب المقارَن والعالميّ بجامعة اللّغات ببكِين عام 2008، الرسالةُ التي كانت الأولى من نوعها في تناولِها بالدراسةِ والتحليلِ التفاعلات الأدبيّةَ بين الأدبَين الصينيّ والمصريّ والعربيّ عامّة. حصل بها على درجة الدكتوراه من جامعة اللّغات ببكِين، كأوّل باحثٍ عربيّ يحصلُ على هذه الدرجة في الآداب من هذه الجامعة الصينيّة المرموقة. 
يشمل الكتابُ تقديمًا للبروفيسور شويه تشينغ قوه (بسام) أستاذ الدراسات العربية، وعميد كلّية اللغة العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكِين؛ وأربعة أبواب رئيسة يتكوّنُ كلُّ بابٍ منها من عددٍ من الفصول. ثم ملحق من جزأين، الأول: يتناولُ صورةَ مصرَ في الإبداع الأدبيّ الصينيّ الحديث والمعاصر، والثاني: يتناولُ بالدراسة والتحليلِ صورةَ الصين في الإبداع الأدبيّ المصريّ الحديث. ثم قائمة بأهمّ الأعمال الأدبية الصينيّة التي صَدَرَت لها تَرجَمَاتٌ عربيّةٌ (حتّى 12/2018).

تأثير الأدب الصيني على القراء والكتاب في مختلف الدول العربية بما فيها مصر، يبقى محدودًا مقارنة بغيره من الآداب الأجنبية الأخرى، مثل الأدب الأميركي والأوروبي بل والأدب اللاتيني

ناقش حسانين أحوالَ دراسات الأدب المصريّ في الصين وتَرجماته، وأهمّ الدراساتِ التي قدَّمها الباحثون الصينيّون حولَ الأدب المصريّ. كما تناولَ بشيءٍ من التفصيل دراساتِ الأدبِ الصينيّ الحديث والمعاصر في مصر، وبالتحديد في قسم اللّغة الصينيّة بكلّية الألسن جامعة عين شمس، وقدَّم قائمةً بالرسائل العلميّة لمرحلَتَي الماجستير والدكتوراه اللّتين قدّمهما الباحثون المصريّون حول الأدب الصينيّ. وحلل أهمّ التحدّياتِ التي تواجه دراسات الأدب الصينيّ في مصر وترجماته وآفاق تطوّرها في ظلّ التقدّم الكبير الذي يشهده التواصل الثقافي بين البلدَين.
اهتمَّ الباحث بإلقاء الضوء على رائد الأدب الصينيّ الحديث لوشون (1886-1936)، إذ ركّز على رصد آراء عددٍ من الأدباء والمثقَّفين والدبلوماسيّين العرب حول لوشون وفكره وإبداعاته الأدبية. وأيضا أهمَّ الدراساتِ التي أعدَّها الباحثون المصريّون والعرب حول لوشون وإبداعاته، مع الإشارة إلى المكانة الكبيرة التي يتمتّع بها لوشون وأعماله لدى جمهور الباحثين في الأدب الصينيّ في مصر والعالم العربيّ أجمع.
وتناول د.حسانين من وجهة نظر مقارنة وانطلاقًا من منهج المدرسة الفرنسية في الأدب المقارن، التي تقوم على وجود تأثير مباشر لكاتب أو عمل من أدب أمَّة ما في إبداع كاتب ينتمي لأمّة أخرى، تناول تأثيرَ الكاتب الصينيّ لوشون في بعض إبداعات الكاتب المصريّ عبدالغفّار مكَّاوي، الذي يُعدُّ أولَ كاتبٍ عربيّ يتأثّر مباشرة بلوشون، سواء في موضوعات قصصه أو الأسلوب الفنّيّ لأعمالِه أو مصائر أشخاصِ الكثير من أعماله القصصية، وذلك انطلاقًا من قراءات مكَّاوي وترجماته لعددٍ من قصص لوشون، وكذا قراءاته في الفلسفة الصينيّة وتأثّره بها في إبداعاته المسرحية.
كما تناول أهمّ الترجمات والدراسات التي تناولت أعمال الكاتب الروائي والمسرحي لاوشه (1899- 1966) في مصر؛ إذ اهتم بدراسة الترجمة العربية لرائعة لاوشه المسرحية "المقهى"، التي صدرت عن المشروع القوميّ للترجمة بوزارة الثقافة المصريّة. وكذا تناول الدراسات التي أعدَّها الباحثون المصريّون حول لاوشه وأعماله الروائية والمسرحية.
وقدم د.حسانين دراسة مقارنة لوجهة نظر كلٍّ من الكاتب الصينيّ لاوشه والمصريّ نجيب محفوظ الأدبية، والنزعة القومية والثقافة المحلّية في إبداعاتهما، وأيضا دراسةً مقارنةً موجزةً حول رائعة لاوشه الروائية "الجمل شيانغ تسي" ورائعة الكاتب المصريّ توفيق الحكيم الروائية "يوميّات نائب في الأرياف"؛ إذ إنّ العملين كليهما يتفقان في اهتمامهما بتوجيه النقد الساخر للمجتمع والتعاطف مع فئة المهمّشين في المجتمع، إضافةً إلى دراسة صورة المرأة في الإبداع الروائيّ لكلٍّ من لاوشه ونجيب محفوظ، وأخيرًا صورة العَلاقة بين الغرب والشرق انطلاقًا من دراسة روايتَي "عُصفور من الشرق" للكاتب للمصريّ توفيق الحكيم والسيد ما وابنه" للصينيّ لاوشه، وذلك انطلاقًا من منهج المدرسة الأميركية في الأدب المقارن؛ إذ لم يثبت وجود تواصل أو تأثير مباشر بين لاوشه والكاتبين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وإن كانت هناك إشارةٌ في أحد المصادر حول قراءة محفوظ لرواية "الجمل شيانغ تسي" للاوشه في ترجمتها العربية التي صدرت في وقتٍ مبكّر في القرن العشرين. 
ورصد د.حسانين لدراسات عدد من الباحثين المصريّين وترجماتهم في مجال الأدب النسوي الصيني الحديث والمعاصر، وتعرض بشيء من التفصيل إلى الكاتبة الصينيّة المسلِمة هودا (1945) وروايتها "جنازة إسلامية" أو كما تُرجِمَت إلى العربية وعنوانها "عاشق اليشم". إذ تناول السمات الفنّية والفكرية التي تميّز الرواية، تلك السماتُ التي كانت سببًا لأن تكونَ على رأس الأعمال الأدبية الصينيّة المعروفة في العالم العربي وتحصل بها صاحبتُها على جائزة ماودون "نوبل الأدب الصينيّ"، كما قدم دراسة مقارنة بين رواية "الباب المفتوح" للمصرية لطيفة الزيات، ورواية "أنشودة الشباب" للصينيّة يانغ موه (1914- 1995). 

وألحق د.حسانين الدراسة بملحقٍ يشملُ جزأين رئيسَين، يتناول الجزء الأول منه صورة مصر والمصريّين في أعمال عدد من الكُتّاب الصينيّين؛ إذ يرصدُ البحثُ صورةَ مصر وحضارتَها العريقة في أشعار الكُتّاب قوه مو روه، شيو جه موه ووانغ مينغ، ويركّز البحث على دراسة أعمال كلٍّ من الكاتب يانغ شوه(1913- 1968)والكاتبة الشاعرة بينغ شين (1900-1999)، ويلقي الفصل الأول الضوء على أعمال الكاتب الصينيّ يانغ شوه النثرية التي تناولت شخصيّاتٍ وأماكنَ مصريةٍ وعربية، ويهتمُّ الفصل الثاني بأعمال الكاتبة الصينيّة بينغ شين حول مصر والمصريّين. بينما يهتمّ الجزء الثاني من الملحق بتناول صورة الصين والصينيّين في كتابات الكُتّاب المصريّين، وتحديدًا في أعمال الكاتبَين محمود البدوي وأنيس منصور.
وفي تقديمه أشار شويه تشينغ قوه (بسام) إلى أن التواصل الأدبي الصيني الأجنبي شهد خلال السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا، وذلك في إطار الاهتمام المتواصل بهذا المجال من قبل المتخصصين في الأوساط الأكاديمية الصينية والأجنبية، إلا أنه لم ينتج عن ذلك ثمة دراسة شاملة حول انتشار وتأثير الأدب الصيني في العالم العربي. ليأتي هذا العمل المهم للدكتور حسانين فهمي في التوقيت المناسب ليمثل إضافة مهمة في مجال الدراسات المقارنة بين الأدبين الصيني والعربي، ويساعد في التعرف على أحوال انتشار وتأثير الأدب الصيني في مصر كمركز مهم للأدب والثقافة العربية.
ورأى أن الكتاب يقدم صورة بانورامية لأحوال دراسات وترجمات الأدب الصيني في مصر، إلى جانب دراسات لتأثير أعمال الكاتبين الصينيين الكبيرين لوشون ولاوشه في إبداعات الكتاب المصريين، بالإضافة إلى عدد من الدراسات المقارنة لأعمال مختارة لكتاب من الصين ومصر. فقد استطاع المؤلف من خلال جهده المتواصل لسنوات طويلة تقديم هذا المحتوى في هذه الزاوية الجديدة في مجال الدراسات الأدبية الصينية العربية، وأتاح لنا الفرصة للتعرف على هذا الكم الكبير من المعلومات الجديدة، وطرح العديد من التساؤلات. 
وأشار شويه تشينغ إلى أنه بعد قراءة شاملة لمحتوى الكتاب يمكن الوقوف على ما حققه الأدب الصيني الحديث في مصر كنافذة ثقافية وأدبية مهمة في العالم العربي، وذلك من خلال الجهود المشتركة لأجيال متعاقبة من الباحثين والمترجمين العرب والصينيين. وقد تجلى انتشار الأدب الصيني الحديث في مصر في النقاط الثلاث التالية: أولًا: ترجمة عدد لا بأس به من الأعمال الأدبية الصينية إلى اللغة العربية؛ حيث قدم الدكتور حسانين ملحقًا بما يزيد على خمسين عملًا من الأعمال الأدبية الصينية التي تُرجمت إلى العربية، ووفق معلوماتي فإن هذه القائمة تبدو غير مكتملة، ولم تذكر عددًا من الترجمات التي صدرت على مدار فترات متعاقبة وفي دول مختلفة.
ثانيًا: ظهور فريق لا بأس به من الباحثين والمترجمين المتخصصين في دراسات وترجمة الأدب الصيني، من بينهم عدد كبير من الباحثين والمترجمين المصريين، معظمهم من جيل الشباب، هذا إلى جانب الباحثين الصينين، وهو ما يعبر عن المستقبل المشرق الذي ينتظر دراسات وترجمة الأدب الصيني في مصر. 
ثالثًا: استطاع الأدب الصيني أن يحظى باهتمام القراء في مصر، إلى جانب عدد من الكتاب والمثقفين المصريين، بجانب تأثيره في إبداعات عدد منهم، من بينهم جمال الغيطاني، جابر عصفور، عبدالغفار مكاوي، سلوى بكر، شوقي جلال وغيرهم من الكتاب والنقاد المؤثرين في الساحة الأدبية المصرية، والذين عُرف عنهم اهتمامهم ودعمهم لدراسة وترجمة الأدب الصيني في مصر. 
واستدرك لافتا إلى أن تأثير الأدب الصيني على القراء والكتاب في مختلف الدول العربية بما فيها مصر، يبقى محدودًا مقارنة بغيره من الآداب الأجنبية الأخرى، مثل الأدب الأميركي والأوروبي بل والأدب اللاتيني، فلا تزال هناك ندرة إلى حد ما للأعمال الأدبية الصينية في المكتبات العربية مقارنة بالأعمال التي تنتمي لتلك الآداب الأجنبية. مع التأكيد على أن لذلك علاقة بمكانة الأدب الصيني عالميًّا، إلى جانب حداثة دراسات وترجمات الأدب الصيني في العالم العربي، وقلة عدد المترجمين المتخصصين في ترجمة الأدب الصيني وما يتعلق بمستوى الترجمة، بالإضافة إلى أسباب تاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية وغيرها من العوامل التي كان لها تأثيرها في ذلك. ولكن بالرغم من ذلك كله، تبقى أهمية تعزيز التواصل الثقافي والأدبي بين الصين والعالم العربي؛ لأن ما بلغه هذا التواصل حتى الآن لا يتناسب مع حجم العلاقات الوثيقة التي تربط بين الصين والعالم العربي في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، وكذلك مع المكانة التي تحتلها الأمَّتان الصينية والعربية في تاريخ الحضارة البشرية. ومن ثم فإنه ينبغي على المعنيين في الأوساط الأكاديمية الصينية والعربية العمل سويًّا من أجل تعميق التواصل الثقافي والأدبي الصيني العربي.