كثر المترشحون لرئاسة تونس فحضرت حيرة الناخبين

عدد من المراقبين لاحظوا خلال زيارتهم إلى بعض مراكز الاقتراع صباح الأحد، تواجدا كثيفا للمتقدّمين بالعمر مقابل عدد قليل من الشباب بالرغم من أنّ مشاركتهم ستمثّل عاملا حاسما في الاقتراع.

التونسيون يبحثون عن "الأفضل بين السيئين" في الانتخابات الرئاسية
تونس تنتخب رئيسها على وقع أزمة اقتصادية واجتماعية
ستة رؤساء تعاقبوا على حكم تونس ثلاثة منهم بعد ثورة يناير
غياب لافت للشباب عن الاقتراع مقابل حضور مكثف للمتقدمين في السنّ

تونس - أقبل التونسيون بشكل متفاوت اليوم الأحد على مكاتب الاقتراع لانتخاب رئيسهم في استحقاق انتخابي مبكر عن موعده فرضته وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي في 25 يوليو/تموز، فيما تسود المشهد الانتخابي التونسي حالة من الضبابية في ظل تزاحم 24 مترشحا على كرسي قرطاج.

وأضفت كثرة المتنافسين في السباق إلى قرطاج وتقارب برامجهم الانتخابية حالة من الحيرة لدى معظم الناخبين، لاختيار من يمثلهم في الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن المترشحين الـ24، لا يمثلون تطلعاتهم ولا يعكسون في برامجهم شواغلهم، لكنهم مضطرون لاختيار "الأفضل من السيئ" في قائمة طويلة.

وخلال ساعات الصباح الأولى توافد المتقدمون في السنّ الذين عايشوا فترات حكمها ستة رؤساء بداية بأول رئيس بعد الاستقلال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة (يوليو/تموز 1957 إلى 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987) والرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (نوفمبر/تشرين الثاني 1987 إلى 13 يناير/كانون الثاني 2011) الذي وصل للسلطة بانقلاب أبيض على بورقيبة والذي أطاحت به ثورة شعبية (يناير/كانون الثاني 2011)، ثم تولى الرئاسة رئيس البرلمان التونسي فؤاد المبزع (15 يناير/كانون الثاني إلى 13 ديسمبر/كانون الأول 2014) لتنتخب تونس بعده محمد منصف المرزوقي (2011 - 2014) وصولا إلى انتخابات 2014 التي أزاح فيها قائد السبسي (21 ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى (24 يوليو/تموز 2019) منافسه المرزوقي. وبعد وفاة قائد السبسي تولى محمد الناصر رئيس البرلمان الرئاسة بشكل مؤقتا لتأمين المرحلة الحالية التي يفترض أن تنتهي بانتخاب رئيس جديد للبلاد.

ناخبون عايشوا فترات حكم خمسة رؤساء
ناخبون عايشوا فترات حكم خمسة رؤساء

وكان لافتا في الفترات الصباحية غياب الشباب عن الاقتراع، ما يعكس حالة الغضب واليأس والإحباط في صفوف هذه الفئة العمرية، إلا أن ذلك لم يشكّل عزوفا تاما عن المشاركة في الاستحقاق الرئاسي.

وجاءت هيفاء البكوش الثلاثينية للتصويت لـ "الأفضل من بين السيئين" في الانتخابات الرئاسية التونسية التي تجري الأحد، على غرار كثر غيرها يشاركون في الاقتراع بهدف تثبيت مسار الانتقال الديمقراطي في بلادهم برغم الشعور باليأس والاحباط وفقدان الثقة في الطبقة السياسية التي لا تنتهي تجاذباتها.

وتعمل هيفاء، الحاصلة على شهادة في علوم الأحياء، في مركز اتصالات لإخفاقها في الحصول على عمل يتماشى ومؤهلاتها. وتبدي عدم ثقتها "في طبقة سياسية سيئة"، لكن ذلك لا يثنيها عن أداء واجبها الانتخابي.

وتجسّد هيفاء صورة عن الشباب التونسي الذي ملّ من طبقة سياسية تنخرها التجاذبات والصراعات المحتدمة على السلطة ومن حكومة لم تجد حلولا للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم وسط تنامي نسب البطالة في صفوف الشباب.

الاعاقة لم تمنعه من الادلاء بصوته
الاعاقة لم تمنعه من الادلاء بصوته

وتوجه الناخبون الأحد إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في الدورة الأولى من الانتخابات التي يتنافس فيها 24 مرشحا بعد انسحاب مرشح مشروع تونس محسن مرزوق ومرشح الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي دعما للمرشح المستقل عبدالكريم الزبيدي المدعوم من حزبي نداء تونس وافاق تونس.

وقدم  المترشحون للرئاسة التونسية برامج انتخابية متشابهة تقريبا أو أخرى سطحية. وينص القانون الانتخابي على تنظيم دورة ثانية ما لم يحصل أي من المرشحين على نسبة 50 بالمئة.

وتقول أميرة محمد (صحافية 38 عاما) "صحيح أنّ الاختيار صعب، لكن لا يوجد قناعة مئة بالمئة بمرشح".

ولاحظ عدد من المراقبين خلال زيارتهم إلى بعض مراكز الاقتراع صباح الأحد، تواجدا كثيفا للمتقدّمين بالعمر مقابل عدد قليل من الشباب، بالرغم من أنّ مشاركتهم ستمثّل عاملا حاسما في الاقتراع.

ويتساءل عادل التومي الستيني الذي أتى للمشاركة بما وصفه بلاحتفال الوطني وانتصار الديمقراطية "أين الشباب؟ هذا وطنهم وهذا مستقبلهم. ما زالوا نائمين"، وفق ما كتب أحد المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي مبادرة لتشجيع الشباب على الانتخاب، عرضت حانات في منطقة قمرت بالضاحية الشمالية للعاصمة، تقديم زجاجات البيرة بنصف سعرها لكل من يأتي ويظهر إصبعه ملون بالحبر للتأكيد على مشاركته في الاقتراع.

ولكن بالنسبة إلى المتواجدين في مكاتب الاقتراع، فلا داعي لإغرائهم. ويبدى عبدالعزيز محجوب سعادته بقدومه للاقتراع، قائلا "أبلغ من العمر 81 عاما وأنا سعيد جدا بالمشاركة في الانتخابات الحرّة. بفضل الله اليوم هناك ديمقراطية".

أما مختار السالمي (76 عاما)، فيحثّ على "التوقف عن الانتقاد"، ويقول "كونوا على مستوى فرصة الانتخاب بكل حرية".

ومع فتح أبواب الاقتراع، بدأ المرشحون بالتوافد لتأدية واجبهم الانتخابي. وفي منطقة المرسى بالضاحية الشمالية للعاصمة، وضع عبدالفتاح مورو مرشح حزب النهضة الإسلامية ورقته في الصندوق وكانت الابتسامة تعلو محياه.

وغير بعيد عن ذاك المكتب، أدلى رئيس الحكومة والمرشح يوسف الشاهد بصوته وظهر واثقا أمام الحاضرين. وقال "اليوم يعيش التونسيون يوما كبيرا... أدعو كل التونسيين للانتخاب لكي لا يقرر أحد مصيرهم بدلا عنهم".

الرئيس التونسي محمد الناصر يختار رئيسه
الرئيس التونسي محمد الناصر يختار رئيسه

كما صوّت الرئيس محمد الناصر ليختار الرئيس الذي يفترض أن يخلفه في المنصب. وتولى الناصر الرئاسة خلفا للباجي قائد السبسي استنادا للدستور التونسي الذي ينص على تولي رئيس البرلمان الرئاسة مؤقتا في حالة الشغور بسبب العجز أو الوفاة، إلى حين اجراء انتخابات رئاسية في أجل أقصاه 60 يوما من حالة الشغور.

وتبدو الانتخابات مفتوحة على كلّ الاحتمالات، الأمر الذي زاد من ضبابيّة المشهد بين ناخبين لم يكن جزء كبير منهم حسم أمره مع حلول صباح الأحد، وبين مراقبين اختلفت توقّعاتهم للنتائج، علما أنّ القانون كان يحظر نشر نتائج استطلاعات الرأي خلال الحملة الانتخابيّة.

التونسيّون جرّبوا الإسلاميّين ثم الوسطيّين وربّما يخوضون مغامرات أخرى، لكن مكوّنات ومبادئ الديمقراطية لن تتغيّر

وقرّر القضاء التونسي توقيف المرشح ورجل الإعلام نبيل القروي قبل عشرة أيّام من انطلاق الحملة الدعائيّة، على خلفيّة تُهم تتعلّق بتبيض أموال وتهرّب ضريبي، فقرّر الأخير الدخول في إضراب عن الطعام من سجنه، بينما تولّت زوجته سلوى سماوي وعدد من قيادات حزبه "قلب تونس"، مواصلة حملته.

ويشرف على الانتخابات آلاف المراقبين بمن فيهم مكلفون من قبل هيئة الانتخابات بالإضافة إلى منظمات غير حكومية ونقابية تونسية وأجنبية، منها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والاتحاد الأوروبي ومركز "كارتر".

ويتولّى سبعون ألف رجل أمن تأمين مكاتب الاقتراع ومراكز الفرز، وفق ما أعلنت وزارة الداخليّة السبت.

واتّسمت الانتخابات في تونس بعد الثورة بالاختلاف في توجّهات التصويت. وقد فاز بها الإسلاميّون الذين حملوا شعار الدّفاع عن مكاسب ثورة 2011، قبل أن يتغيّر المشهد وتظهر ثنائيّة قطبيّة بين الداعمين للإسلاميّين والمناهضين لهم في انتخابات 2014 التي فاز بها حزب "نداء تونس" العلماني.

نبيل القروي مرشح رئاسي من وراء القضبان
نبيل القروي مرشح رئاسي من وراء القضبان

وطرح الصراع الانتخابي في 2019 معادلة جديدة تقوم على معطى جديد هو ظهور مرشّحين مناهضين للنظام الحالي، ما أفرز وجوها جديدة استفادت من التجاذبات السياسيّة، على غرار الأستاذ الجامعي المحافظ قيس سعيّد.

ويراقب الانتخابات الآلاف من الملاحظين بمن فيهم مكلفون من قبل هيئة الانتخابات بالإضافة إلى منظمات غير حكومية ونقابية تونسية وأجنبية منها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) والاتحاد الأوروبي ومركز "كارتير".

ولم تتمكّن تونس منذ الثورة من تحقيق نقلة اقتصاديّة تُوازي ما تحقّق سياسيّاً، فملفّ الأزمات الاقتصاديّة لا يزال مشكلة أمام الحكومات المتعاقبة وبخاصّة في ما يتعلّق بنسبة التضخّم والبطالة المتواصلة التي دفعت شبابا كثيرين إلى كره السياسة والنفور منها.

وبلغ تأزُّم الوضع الاقتصادي ذروته في حكومة يوسف الشاهد الأطول بقاء مقارنة بسابقاتها، ما دفع التونسيّين إلى الاحتجاج بشكل متواصل طيلة السنوات الأخيرة، مطالبين بمراجعة السياسيات الاقتصاديّة وتحسين القدرة الشرائيّة التي تدهورت وفي الوقت نفسه، لوحظ تحسّن في الوضع الأمني.

وأدّى الفراغ الذي تركته السُلطة في مسألة معالجة الأزمات الاجتماعيّة، إلى ظهور مَن يطرح البديل والحلول ويعتمد في ذلك على الاقتراب أكثر من الطبقات الفقيرة.

مجموعة الأزمات الدولية: حدّة الصراع الانتخابي تكشف حيويّة ديمقراطية، لكن في المقابل هناك خطر الانحراف عن المسار بسبب أزمة الثقة لدى التونسيين تجاه المؤسّسات وشراسة التنافس

ومن خلال سَعيه إلى توزيع إعانات وزيارته المناطق الداخليّة في البلاد، بنى المرشّح ورجل الإعلام ومؤسّس قناة "نسمة" نبيل القروي مكانةً لدى هذه الفئة سرعان ما تدعّمت وكوّنت له قاعدة انتخابيّة لافتة.

وقرّر القضاء التونسي توقيفه قبل عشرة أيّام من انطلاق الحملة الدعائيّة، على خلفيّة تُهم تتعلّق بتبيض أموال وتهرّب ضريبي، إثر شكوى رفعتها ضدّه منظّمة "أنا يقظ" غير الحكوميّة في العام 2017.

واشتدّ التنافس بين المرشّحين، خصوصا الذين يتحدّرون من العائلة السياسيّة الوسطيّة والليبراليّة.

ورأت مجموعة الأزمات الدوليّة في تقرير الخميس أنّ "حدّة الصراع الانتخابي تكشف حيويّة ديمقراطية"، لكن في المقابل هناك "خطر الانحراف عن المسار" بسبب "أزمة الثقة" لدى التونسيين تجاه المؤسّسات وشراسة التنافس.

ويؤكّد الكاتب الصحافي زياد كريشان أنّ "تونس لن تنقذ ولن تغرق في 2019"، مضيفا "جرّب التونسيّون الإسلاميّين ثم الوسطيّين، وربّما يخوضون مغامرات أخرى. أرى أنّ مكوّنات ومبادئ الديمقراطية لن تتغيّر".

ويمنح الدستور التونسي صلاحيات تتعلق بالأمن الوطني والدفاع والسياسة الخارجية للرئيس.

وتُغلق مراكز الاقتراع في الساعة 17:00 بتوقيت غرينيتش في كلّ المحافظات، باستثناء 245 مركزا التي ستُغلق قبل ساعتين لدواع أمنيّة بسبب وقوعها على الحدود الغربيّة.

وتشهد تونس انتخابات تشريعيّة في السادس من أكتوبر/تشرين الأوّل، ويُرجّح أن تكون قبل الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة في حال عدم فوز مرشّح من الدورة الأولى وبالتالي ستتأثر النتائج النهائيّة للانتخابات الرئاسيّة حتما بنتائج التشريعية.

وستُجرى عمليّات الفرز في كلّ مكتب اقتراع. ويُنتظر أن تنشر منظّمات غير حكوميّة ومراكز سبر آراء توقّعاتها الأوّلية ليل الأحد إلى الاثنين، على أن تُعلن الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات النتائج الأوّلية في 17 سبتمبر/أيلول.