كردستان في زمن المقاطعات

الا يرى "الاتحاديون" ان وجودهم في اقليم صغير محصور بين بغداد وطهران سيفقدهم استقلال قرارهم السياسي؟
هل اقلمة السليمانية هي الحل الامثل لعلاج الشعور بالتهميش لدى الاتحاد
الاتحاد اضطر للجنوح الى فخ ضبابية المواقف فيما يتعلق بالقضايا المصيرية لكردستان
هل يرى الاخوة في الاتحاد ان التوقيت الحالي مناسب لطرح موضوع اللامركزية في كردستان

في الوقت الذي كان ينتظر فيه مواطنو كردستان اخبارا سارة حول تشكيل وفد سياسي متكون من احزاب كردستان للتوجه الى بغداد بغية تثبيت مستحقات شعب كردستان ضمن الموازنة الاتحادية، وبعد ان بدأ الحزب الديمقراطي الكردستاني زيارة الى محافظة السليمانية للاجتماع باحزابها تمهيدا لتشكيل هذا الوفد، تفاجأ الكردستانيون بان الاتحاد الوطني حرف مسار المباحثات وسخرها للحديث حول تشكيل اقليم السليمانية الذي يبدو انه يشكل اولوية عند الاخوة في الاتحاد على حساب اولوية حقوق شعب كردستان في الموازنة الاتحادية.

ان من الطبيعي وجود اختلاف في الرؤى والاداء بين اي حزبين متنافسين، ولا ضير ان يراعي كل حزب مصالحه الحزبية التي يتحرك على ضوءها، لكن عندما تصل المنافسة الحزبية لتضع المصلحة الحزبية فوق مصلحة المجتمع الذي انبثقت منه تلك الاحزاب.. حينئذ يجب الاشارة الى حيثيات تلك المشاكل والوقوف بوجهها.. وانطلاقا من هذا المفهوم نريد ان نسأل الاخوة في الاتحاد الوطني الكردستاني جملة من الاسئلة نتمنى ان تكون لديهم اجوبة شافية لها وهي:

1- هل يرى الاخوة في الاتحاد ان التوقيت الحالي مناسب لطرح موضوع اللامركزية في كردستان وتشكيل اقليم السليمانية وكرميان خاصة وانه مطروح منذ سنوات؟ وهل ان الغاية من طرحه في هذا التوقيت هو لمساومة الديمقراطي الكردستاني عليه مقابل مشاركة الاتحاد في الوفد السياسي؟

يبدو ان مستحقات شعب كردستان هو موضوع مساومة عند الاتحاد الوطني للحصول على مكتسبات حزبية.

2- يبرر بعض قادة الاتحاد الوطني طرحهم لهذا الموضوع بما يسموه "تهميش" الديمقراطي الكردستاني لهم في ادارة الاقليم. ومع ان حجم مشاركة الاتحاد الوطني الكردستاني مقارنة بحجم مشاركة الديمقراطي في حكومة اقليم كردستان متوافق مع عدد الاصوات التي حصل عليها كل حزب في الانتخابات الاخيرة، لكن دعونا نفترض صحة ما يدعونه هؤلاء الاخوة من تهميش الديمقراطي للاتحاد في ادارة الاقليم، فهل ان اقلمة السليمانية هو الحل الامثل لعلاج هذا التهميش؟

ان حصر الاتحاد الوطني اسباب طرحه اقلمة السليمانية في نقطة التهميش السياسي له يشير الى امرين.

أولا، يثبت ان الاتحاد الوطني يهدف الى تحويل كردستان لاقليمين سياسيين ذات صلاحيات متناظرة (وليس ادارات لا مركزية كما يسوق له) لكي يتحقق هدفه في المشاركة الحقيقية بالحكم حسب وجهة نظره؟

ثانيا، ما يحاول الاتحاد الوطني التاكيد عليه في ان مطلبه يقتصر على القضايا الادارية هي محاولات للتسويق الاعلامي فقط، والا فلماذا تتركز مطالبته على المحافظة التي تعتبر منطقة نفوذ سياسي له دون بقية محافظات كردستان؟ مع ان كلها تدار ومنذ سنوات بشكل لا مركزي في الكثير من القضايا الادارية. ولماذا لا تنص المطالبة على زيادة الصلاحيات الادارية لكل المحافظات بدلا من اقلمة محافظة واحدة؟

3- ان اقتصار مطالبة الاتحاد بـ"اللامركزية الادارية" لمحافظة واحدة تظهر مدى المناطقية التي تقوقع عليه الاتحاد الوطني في اداءه السياسي. فهل يعني هذا ان الاتحاد الوطني بعد وفاة "مام جلال" تحول من حزب كان يعاني اصلا من المحلية المفرطة الى حزب مناطقي؟

4- من خلال متابعة الوضع الاداري لمحافظة السليمانية في الوقت الراهن، نلاحظ انها تفتقر لمستوى الامان الذي تتمتع به المحافظات الكردستانية الاخرى، وتحولت الى مقاطعات ومناطق نفوذ يديرها ساسة متنفذون في الاتحاد الوطني تحولوا الى امراء اقطاعات. افلا يرى الاخوة في الاتحاد ان اقلمة السليمانية سيفاقم هذا الوضع المؤسف للمحافظة ويحولها الى مدينة اشبه بتورابورا الافغانية او بيشاور الباكستانية؟

5- الا يرى "الاتحاديون" ان وجودهم في اقليم صغير محصور بين بغداد وطهران سيفقدهم استقلال قرارهم السياسي، ويحول محافظتهم الى منطقة تابعة لبغداد شانها في ذلك شان كركوك الحالي؟ الم يتعضوا من تجربة كركوك فيريدون تكرارها مع السليمانية؟

 هناك نقطة غاية في الاهمية يتناساها الاخوة في الاتحاد الوطني، وهي ان الاهمية التي توليها لهم بعض الاطراف في بغداد وطهران تتاتى عن كون الاتحاد هو المنافس التقليدي للديمقراطي الكردستاني في كردستان، وبما ان الديمقراطي معروف بمواقفه القومية الخالصة تجاه قضايا كردستان، فقد اضطر الاتحاد للجنوح الى فخ ضبابية المواقف فيما يتعلق بالقضايا المصيرية لكردستان ليحافظ على حضوره السياسي واهميته في العاصمتين. وفي حال تحولت السليمانية الى اقليم، فان الاتحاد سيفقد تلك الاهمية عند بغداد وطهران، صحيح انهم سينفردون بإدارة السليمانية، لكن في الوقت نفسه سيقفون بمفردهم امام مخططات ايران الداعمة للعراق، ولا نتصور ان بمقدورهم التصدي لتلك المخططات لوحدهم، بل سيقعون فريسة سهلة لها، ويفقدون تلك الادارة التي استقتلوا عليها مع حكومة اقليم كردستان.

من الضروري ان تدرك احزاب كردستان ان قرار تحويل اي محافظة كردستانية الى اقليم ليس شانا حزبيا ليتم مناقشته في اجتماعات خلف ابواب مغلقة، بل هو شان خاص بالشعب الكردستاني بعمومه، كردهم، اشورييهم، تركمانيهم، مسلميهم ومسيحييهم، وهم من لديهم الحق في اتخاذ هذا القرار وليست الاحزاب. وفي تصوري انه لا احد يرضى بهكذا قرار، لان الاقليم الاداري هذا، حسب التسويق الإعلامي، سيتحول بمرور الزمن الى اقليم مستقل اداريا وسياسيا، وهذا مرفوض من قبل عموم شعب كردستان باستثناء المغرر بهم.