كورونا... من السعودية الى الامارات الى المغرب

قيادات عربية تتحمّل مسؤولياتها ولا تخشى اتخاذ قرارات صعبة في ظلّ الازمات.

كشف انتشار وباء كورونا وجود قيادات عربية تتحمّل مسؤولياتها ولا تخشى اتخاذ قرارات صعبة في ظلّ الازمات. جعل ذلك انتشار الوباء، ضمن حدود المعقول، في دول مثل المملكة العربية السعودية التي استطاعت تفادي كارثة اكبر بفضل اعتماد الحزم. اتخذت المملكة إجراءات سريعة شملت اغلاق الحرم المكي وتقييد الحركة في مختلف انحاء السعودية. هذا يدلّ على شجاعة كبيرة من جهة وعلى فهم حقيقة ما يدور في العالم، بما في ذلك مخاطر كورونا من جهة أخرى. ليس سهلا اتخاذ اجراء من نوع اغلاق الحرم المكّي في بلد مثل السعودية. لكنّ حماية المملكة والمواطن اهمّ من أي شيء آخر. هذا ما اكّده الملك سلمان بن عبدالعزيز مجددا.

في الوقت ذاته، أظهرت دولة الامارات كم هي حريصة على مواطنيها وعلى المقيمين في اراضيها. لجأت الى إجراءات سريعة وفعالة حدّت من انتشار كورونا مستعينة بخبرات عالمية. وظفت القيادة الاماراتية كلّ إمكانات الدولة من اجل المشاركة في الحرب على الوباء. أظهرت الامارات مرّة أخرى ان هناك من لديه بعد نظر وجرأة اتخاذ القرار الصائب والصعب في آن، خصوصا عندما يتعلّق الامر بحماية كل من هو على الارض الاماراتية. فضلا عن ذلك، وضعت الامارات السياسة جانبا وارسلت مساعدات الى ايران. وضعت الانسان والتضامن الانساني فوق السياسة في وقت حاولت القيادة في ايران التعامي عن حقيقة ما حلّ بـ"الجمهورية الإسلامية" بسبب كورونا وتحولّها الى مصدر للوباء في المنطقة كلّها. كذلك، ساعدت الامارات باكستان من منطلق انساني وهي تبحث عن طريقة لمساعدة السوريين في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ فيها بلدهم الذي اصبح مصيره في مهبّ الريح.

لدى الحديث عن الاجراءات في مجال التصدّي لوباء كورونا، لا يمكن تجاهل الأردن الذي استطاع، على الرغم من ظروفه الصعبة والمعقّدة والازمة الاقتصادية التي يمر فيها الحدّ من انتشار كورونا. نزل الملك عبدالله الثاني شخصيا على الأرض واشرف بنفسه على الاجراءات في بلد لا يمتلك فيه كثيرون أي وعي لما يدور في العالم الحديث. اشرف العاهل الأردني بنفسه على تنفيذ التعليمات المطلوب تنفيذها معتمدا على القوات المسلّحة والأجهزة الأمنية المختلفة في وقت كانت أوروبا، بما في ذلك إيطاليا واسبانيا وفرنسا تعاني من حال ضياع بعدما فوجئت بكورونا وسرعة انتشاره. لا يزال كورونا يشكّل خطرا على الأردن، لكن الأكيد ان هذا الخطر كان يمكن ان يكون مضاعفا لولا الاجراءات السريعة المتخذة، وهي إجراءات أظهرت مدى الحرص على المواطن والمقيم على الرغم من الامكانات المحدودة للمملكة الهاشمية.

بالانتقال الى المغرب العربي، تبيّن بوضوح كم ان المملكة المغربية دولة عميقة الجذور بالفعل وذات مؤسسات راسخة من جهة وكم يمتلك الملك محمّد السادس رؤية طليعية من جهة أخرى. يحدث ذلك في منطقة لا مكان فيها سوى للفوضى، كما يحصل في ليبيا او للازمات الداخلية المستعصية كما في الجزائر او لمحاولات الإسلاميين من جماعة الاخوان الاستيلاء على السلطة، مستفيدين من كورونا، كما الحال في تونس.

اظهر المغرب مرّة أخرى انّه استثناء. يعود ذلك الى التواصل القائم بين محمّد السادس والمواطن العادي والثقة المتبادلة بينهما. يعرف المواطن ان الملك يمتلك همّا واحدا أساسيا هو الهمّ المغربي. اكثر ما يعرفه ان محمّد السادس يعرف ما يدور في كلّ منطقة مغربية، بل في كلّ حارة وحيّ وبلدة وقرية ومدينة وانّ واجبه، الذي يؤمن به، حماية كلّ مغربي، بما في ذلك المواطنون المقيمون في بلدان الاغتراب.

لذلك، اتخذ المغرب كلّ الاجراءات المطلوبة لقطع الطريق على كورونا بدءا باغلاق الحدود مع اسبانيا باكرا... وصولا الى اتخاذ كلّ التدابير اللازمة كي يبقى المواطنون في منازلهم. ترافق ذلك مع فرض استخدام الكمامة ومع خطوات استباقية عدة. شملت هذه الخطوات صنع أجهزة تنفّس في المغرب نفسه وإقامة مستشفيات ميدانية في غير منطقة كي يكون المغرب مستعدا لايّ طارئ. كلّف العاهل المغربي المؤسسة العسكرية وضع المستشفيات الميدانية التي امر باقامتها تحت الخدمة لدعم جهود القطاع الصحّي في البلاد. هناك استراتيجية مغربية كاملة ومتكاملة لمواجهة كورونا في المملكة. لم يترك الملك مجالا لثغرة الّا وسعى الى سدّها. اكثر من ذلك، هناك خليّة ازمة تعمل يوميا على متابعة كلّ التطورات المتعلّقة بكورونا. يشمل ذلك معرفة آخر ما توصل اليه المختصون من اجل إيجاد علاج آني او لقاح يضع حدا لانتشار الوباء تمهيدا للقضاء عليه.

ما يشهده المغرب ليس بالامر الغريب. ففي خطاب العرش الذي القاه في آخر تموز – يوليو الماضي قال محمّد السادس موجّها كلامه الى أبناء شعبه: "لقد مرت عشرون سنة، منذ أن حملني الله أمانة قيادتك. وهي أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة. وقد عاهدتك، وعاهدت الله تعالى، على أن أعمل صادقا على أدائها. ويشهد الله أنني لم ادخر ولن أدخر أي جهد، في سبيل الدفاع عن مصالحك العليا، وقضاياك العادلة. كما يشهد الله أنني جعلت من خدمتك شغلي الشاغل، حتى ينعم جميع المغاربة، أينما كانوا، وعلى قدم المساواة، بالعيش الحر الكريم.

وإننا نحمده سبحانه، على ما من علينا به، من نعمة الوحدة والتلاحم، والبيعة المتبادلة بين العرش والشعب، وروابط المحبة والوفاء بيني وبينك، والتي لا تزيدها السنوات إلا قوة ورسوخا. كما نحمده على الإجماع الوطني، الذي يوحد المغاربة، حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد وأولها: الملكية الوطنية والمواطنة، التي تعتمد القرب من المواطن وتتبنى انشغالاته وتطلعاته وتعمل على التجاوب معها. وثانيها: الخيار الديمقراطي والتنموي، الذي نقوده بعزم وثبات. وثالثها: الإصلاحات العميقة، التي أقدمنا عليها، والمصالحات التي حققناها، والمشاريع الكبرى التي أنجزناها.

بفضل كل ذلك، تمكنا والحمد لله، من مواصلة مسيرة بناء المغرب الحديث، ومن تجاوز الصعوبات، التي اعترضت مسارنا.

كما نشكره تعالى، على ما خصنا به من توفيق وسداد، في مبادراتنا ومساعينا، في سبيل خدمة شعبنا ووطننا. صحيح أننا لم نتمكن أحيانا، من تحقيق كل ما نطمح إليه، لكننا اليوم، أكثر عزما على مواصلة الجهود، وترصيد المكتسبات، واستكمال مسيرة الإصلاح، وتقويم الاختلالات، التي أبانت عنها التجربة".

يتأكد كلّ يوم ان هذا الكلام يصدر عن ملك يعني كلّ كلمة يقولها. جاءت كارثة كورونا وانتشار الوباء لتثبتا ان الاستثاء المغربي حقيقة لا اكثر ولا اقلّ وانّه لا يزال بين العرب من يعمل من اجل خدمة المواطن بشفافية وصدق.

لا مفرّ من البحث عن الامل في هذه الايّام الصعبة والكئيبة.