كورونا.. وتجار الأزمات الإسلامويون

الوباء لا يجب أن يؤثر على العقيدة والفروض الدينية كما أتحفنا أحد الإسلامويين بموقفه المعترض على إغلاق المساجد في الخليج لكنه صمتَ عندما فعلت تركيا ذلك.

بقلم: هيلة مشوح

لو قيل لك قبل خمسة أشهر فقط: إن مظاهر الحياة ستتعطل على كوكب الأرض.. فالمدارس والبنوك والمتاجر والمطاعم والمسارح والمراكز التجارية ودور السينما ستغلق أبوابها، وسوف تتهاوى البورصات والعملات، وسوف تغلق المساجد والكنائس وباقي دور العبادة، وسوف تتوقف الرحلات والأسفار، وتتعطل كل القطاعات في معظم أنحاء العالم، وسوف يعمّ الهدوء بعض العواصم والمدن الكبرى، ويفرض حظر التجول في بعضها.. فهل كنت لتصدق كل ذلك، أو ستصنفه ضرباً من الخيال العلمي لأفلام هوليود؟

هذا ما يحدث تقريباً هذه الأيام؛ استنفار عالمي، وحجر صحي وعزل لمدن بأكملها، وفيروس يجتاح العالم بتسارع مقلق، ولو قيل لي سابقاً إن أمراً كهذا سيحدث فلن أصدق، لكن وقع الوباء وحل القلق، وكل ما علينا اليوم هو التعامل مع الواقع، فلا شيء أمامنا سوى الحذر والوقاية من هذا الفيروس (كورونا) الذي اجتاح العالم، وأصبح التهديد الأخطر لحياة البشرية جمعاء، وعدوها الآني الذي أفضى إلى تغييرات متسارعة، وإجراءات سارعت على إثرها كبرى دول العالم الأول لعقد المؤتمرات الطبية، وضخ المليارات دعماً للبحوث وتحفيزاً للمختبرات لإنتاج لقاح يقي البشرية شرور هذا الوباء، ولقطع الطريق على فيروس مجهري لا يُرى بالعين المجردة، لكنه أصبح الآن خطراً يتفاقم ويقتل المزيد من البشر، ويهدد حياة البقية على كوكب الأرض!

وفي ظل هذه الظروف تنشط الآن تجارة من نوع متدن جداً، وهي تجارة الأزمات، وكما نعرف فإن لكل أزمة تجارها، ولكل تاجر شنطة مليئة بالأكاذيب والإرجاف والدجل، فهناك من يتاجر بتخويف الناس من أمور وهمية، ويضخ المزيد من الرعب والتهويل لترويج بضاعته، وهناك من يروج للمسابقات والسحب على مبالغ مالية مستغلاً حاجة البعض، وهناك مشاهير تافهون يتسلقون على كل حدث لكسب المزيد من الشهرة والانتشار، بإفراز السخافات عوضاً عن نشر الوعي، وهناك من يمرر أفكاراً تقلل من مخاطر الحدث، والحث على الاكتفاء بالتحصن بالأدعية، وممارسة الحياة بشكل طبيعي، دون الاكتراث بالتحذيرات الرسمية بالتزام البيوت، وتجنب المخالطة والتجمعات.. لكن الفئة الأخطر هم مَن يسيسون الأحداث ويمزجونها بالدين لتمرير أفكارهم بوساطة برامج التواصل، كالواتساب، ونشر ما يخالف تحذيرات المؤسسات الرسمية، إذ يحثون الناس على عدم التوقف مؤقتاً عن التوجه إلى المساجد، وما تقتضيه صلاة الجماعة فيها من اختلاط وتجمع، ويوهمونهم بأن الوباء لا يجب أن يؤثر على العقيدة والفروض الدينية، كما أتحفنا أحد هؤلاء الإسلامويين بموقفه المعترض على إغلاق المساجد في دول الخليج، لكنه صمتَ عندما فعلت تركيا ذلك.

ورغم خطورة الأمر، فإن هؤلاء يسعون لتأصيل الانفلات، ونشر الأفكار السلبية في المجتمعات، والتحريض على الحكومات، ومحاولة زعزعة ثقة الشعوب بحكامها، وبالتالي التشكيك في الإجراءات الوقائية التي تتخذها، والزعم بأنها تنافي العقيدة وتؤدي لتمييع الدين.. ليحققوا بذلك مرادهم الخبيث وأحلامهم التاريخية في الخلافة والتمكين!

ويبقى وعي الشعوب هو الضمان الوحيد للانفكاك من الفيروسات التي تهاجم صحة البشر، واللقاح المؤكد في مواجهة فيروسات الإسلامووين، وتجار الأزمات التي تهاجم العقول!

تُشر في الاتحاد الإماراتية