كيدية أم جنائية.. الجزائر تلاحق مرشحين سابقين للرئاسة بتهمة الفساد
الجزائر – تثير محاكمة مرشحين سابقين للرئاسة في الجزائر بتهمة الفساد الانتخابي (شراء تزكيات في الانتخابات الرئاسية 2024 التي فاز فيها الرئيس عبدالمجيد تبون بولاية ثانية)، تساؤلات عميقة حول دوافعها وأبعادها وما إذا كانت قضايا جنائية بحتة أم تحمل في طياتها دوافع سياسية وكيدية.
ومن بين المتهمين في القضية المرشحة الرئاسية سعيدة نغزة والمرشحان بلقاسم ساحلي وعبدالحكيم حمادي. وقد وطالبت النيابة العامة لدى المحكمة الاقتصادية والمالية في سيدي أمحمد بتسليط أقصى العقوبات بحق هؤلاء في قضية تعتبر الأكبر من نوعها في السنوات الأخيرة التي أعقبت حراكا شعبيا طالب برحيل النظام الحالي باعتبارها امتدادا لنظام الرئيس الأسبق الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وراهن الجزائريون بعد تخلي بوتفليقة عن الترشح ولاية رئاسية خامسة واستقالته لاحقا، على احداث تغيير جذري يخلص الجزائر من نظام حكم الحزب الواحد، حزب جبهة التحرير الوطني الذي يهيمن على السلطة منذ الاستقلال، لكن الحراك الشعبي الذي بدأ في العام 2019 وامتد لفترة بعدها أخمدته السلطات بالقوة مراوحة بين القمع واعتقال أبرز نشطائه.
ويواجه المتهمون في القضية التي يعتبرها كثيرون كيدية وتصفية حسابات مبكرة مع أبرز خصوم الرئيس تبون، اتهامات خطيرة قد تنهي أي أمل لهم في البقاء مستقبلا في المشهد السياسي أو حتى مجرد التفكير في مواجهة النواة الصلبة للسلطة القائمة. وتطالب النيابة العامة في قضية الحال بالسجن عشر سنوات لهؤلاء وبتغريمه مالية بتهمة شراء تزكيات انتخابية في رئاسية 2024.
وذكرت تقارير إعلامية نقلا عن مصادر محلية أن النيابة العامة طالبت كذلك بتسليط عقوبة السجن لمدد تتراوح بين خمس وثماني سنوات بحق آخرين بينهم منتخبون محليون وأعضاء في الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية.
ومن بين هؤلاء الملاحقين نجل المرشحة الرئاسية السابقة سعيدة نغزة المتهمة بدورها بتزوير وشراء تزكيات انتخابية، لكنه لا يزال في حالة فرار، فيما تطالب النيابة العامة بتثبيت مذكرة اعتقال دولية بحقه.
وتأتي هذه المحاكمات في سياق سياسي واجتماعي متوتر في الجزائر، عقب الحراك الشعبي الواسع الذي طالب بالتغيير السياسي ومحاربة الفساد. وقد يُنظر إلى هذه المحاكمات على أنها استجابة جزئية لمطالب الحراك بمحاسبة رموز النظام السابق.
ويمكن أن تُفسر هذه المحاكمات، خاصة إذا طالت شخصيات سياسية بارزة كانت لديها طموحات رئاسية، على أنها محاولة لإقصاء المنافسين المحتملين وتهيئة الساحة السياسية لمرشحين آخرين.
تعزيز سلطة النظام الحالي
وينظر البعض إلى هذه المحاكمات على أنها وسيلة لتعزيز سلطة النظام الحالي وإظهار قوته وقدرته على محاسبة أي شخص، بغض النظر عن منصبه السابق. ومن الممكن أيضا أن تكون هذه المحاكمات محاولة من النظام لكسب شرعية شعبية من خلال إظهار مكافحة الفساد، وهو مطلب شعبي قوي.
وغالبا ما ترتبط هذه المحاكمات بتهم تتعلق بالفساد المالي والإداري واستغلال النفوذ وتبديد المال العام. وإذا كانت الأدلة قوية وثابتة، فإن المحاكمات تأخذ طابعا جنائيا بحتا.
ويبقى السؤال حول مدى توفر ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين، بما في ذلك حق الدفاع وحياد القضاء. وإذا شاب المحاكمات أي تجاوزات أو انتهاكات لحقوق المتهمين، فإن ذلك يثير الشكوك حول نزاهتها ودوافعها.
وتعتبر استقلالية القضاء عن أي تأثير سياسي أو تنفيذي عنصرا أساسيا لضمان عدالة المحاكمات. وإذا كان هناك تدخل من السلطة في عمل القضاء، فإن ذلك يرجح كفة الطابع الكيدي للقضية.
ويمكن أيضا القول إن هذه المحاكمات قد تحمل رسالة قوية لجميع الفاعلين السياسيين على مستويين أولها الطابع الانتقامي ممن تجرأ على مواجهة النظام أو محاولته الدفع لتغييره حتى لو كان الأمر يتعلق بحراك سياسي ديمقراطي طبيعي.
وثانيها أنه لا أحد فوق القانون وأن المساءلة قادمة لا محالة وهي رسالة تخدم النظام سياسيا وتظهره بمظهر من يسعى لمكافحة الفساد السياسي والمالي وتطبيق القانون على الجميع بغض النظر عن موقع ومركز الشخصية المتهمة.
تأثير الملاحقات على المشهد السياسي
ونتائج هذه المحاكمات قد يكون لها تأثير كبير على المشهد السياسي في الجزائر، خاصة في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة. ويمكن أن تؤثر طريقة إدارة هذه المحاكمات وشفافيتها على صورة البلاد ومصداقيتها لدى المنظمات الدولية والرأي العام العالمي.
ويبقى الأهم هو مدى استجابة هذه المحاكمات لتطلعات الشعب الجزائري نحو تحقيق العدالة ومكافحة الفساد بشكل حقيقي وشفاف ومدى ابتعادها عن التسييس.
ولتحديد ما إذا كانت هذه القضايا كيدية أم جنائية، من الضروري مراقبة شفافية الإجراءات القضائية وهل تجري المحاكمات بشكل علني ووفقا للقانون؟ وهل الأدلة قوية ومقنعة وتثبت التهم الموجهة للمتهمين؟ وهل القضاة مستقلون ويتخذون قراراتهم دون أي ضغوط؟ وهل يتمتع المتهمون بحقوقهم الكاملة في الدفاع عن أنفسهم؟
وبالعودة إلى تفاصيل القضية، تشير التحقيقات إلى أن أحد المتهمين يدعى بلعباس، كان قد أقرّ بتسلمه 67 استمارة من المرشحة سعيدة نغزة لجمع توقيعات ناخبين في ولاية الجلفة، لكنه تراجع لاحقا عن تلك الاعترافات، مؤكدة تعرضه لضغوط خلال التحقيق معه، بينما يحيل ذلك إلى فرضية القضية الكيدية.
وويحاكم في هذه القضية نحو 80 شخصا بينهم مرشحون سابقون للرئاسة ورؤساء بلديات وأعضاء في المجالس المحلية. وقد نفى هؤلاء صحة الاتهامات المنسوبة إليهم، مشيرين إلى عدم توفر أدلة موثوقة على صحة تلك المزاعم.