كيف انتصرت ليلى الحريّة.. على ذئب المنع!

المسيحيّون يثورون على مَن يسيء إلى رموز المسيحيّة لكنّهم يصمتون أمام الاضطهادات التي يتعرّض لها إخوتهم من الفقراء والأرامل واليتامى والنازحين والمهجّرين تثور ثائرتهم على مَن يسيء بالكلام إلى المسيح لكن لا مشكلة إنْ انتخبوا قادةً لهم مَن لوّثوا أيديهم بالدم.

بقلم: مايا العمّار

انتصر “مشروع ليلى” على المنع. فقد عرّى مُعارضي الحفل واكتسى بشهرة أوسع في صفوف المسيحيّين اللبنانيين المُقيمين بعد نفق “نهر الكلب”. فضحت الفرقة الموسيقيّة التي لم تُرحّب بها أبرشيّة جبيل المارونيّة ولا المركز الكاثوليكي للإعلام ولا ذوو الإيمان المسيحيّ القلق، ضعفَ المجتمع الرافض لها والمحرّض ضدّها، وركاكة ما يدّعون الدفاع عنه، لا قوّته.

اتّبع الرافضون المسيحيّون نهج شريحة من زملائهم المسلمين في أنحاء البلاد، وفي مصر والأردن حيث مُنعت فرقة “مشروع ليلى” من إحياء الحفلات سابقاً. لم يحافظوا على شيء من التمايز الذي طالما افتخروا وجاهروا به، ظنّاً منهم أنّه يُظهرهم بحلّة المنفتح المتحضّر الحرّ الداعي إلى تقبّل التنوّع والتعدّديّة وتقدير الفنون. تخلّوا عن هامش الاختلاف هذا، لصالح التماهي مع بعض ممارسات “الطوائف الأخرى” التي كانوا بالأمس يشجبونها وباتوا اليوم يستقوون بها. خلعوا الحلّة المزيّفة ليلبسوا حلّةً أكثر تعبيراً عن الحقيقة المرّة خلف غضبهم المفتعل. حقيقة أنّهم خائفون، وبائسون، ومُفلسون.

 “دعوا المسيح يدافع عن نفسه”. قالها الكاهن الراحل جورج مسّوح في مناسبة مشابهة. واليوم، لا كلام أرقى وأفصح ممّا كتبه الأب مسّوح ردّاً على نسخةٍ أخرى ممّن سمّوا أنفسهم اليوم، إثر التحريض المنظّم لمنع حفلة “مشروع ليلى” في مهرجانات مدينة جبيل/بيبلوس في لبنان، بـ “جنود الربّ”. والمقصود بهم الجنود المدافعون عن الدّين المسيحي ورموزه ومقدّساته، ضد الخطر المحدق بها الذي يجسّده صوت الفرقة، حامد سنّو.

 “يثور المسيحيّون، أو معظمهم، على مَن يسيء إلى رمز من رموز المسيحيّة، لكنّهم يصمتون أمام الاضطهادات التي يتعرّض لها إخوتهم من الفقراء والأرامل واليتامى والنازحين والمهجّرين (…). تثور ثائرتهم على مَن يسيء بالكلام إلى المسيح، لكن لا مشكلة لديهم إنْ انتخبوا قادةً لهم مَن لوّثوا أيديهم بالدم أو مَن لوّثوا أيديهم بالمال… يعتبرون هذا السلطان الجائر حاميهم وضامن ديمومتهم في هذا الشرق البائس (…). المسيحيّون، أو معظمهم، يريدون دائماً أن يثبتوا أنّهم في تعارض تامّ مع سيّدهم وربّهم. يحيون في ازدواجيّة قاتلة تجمع ما بين نقيضين لا يمكن أن يلتقيا. هذه الازدواجيّة التي تأخذ شرعيّتها من طغيان الفكر الطائفيّ على الفكر الكنسيّ، لا بل على غياب كامل للفكر الكنسيّ في سبيل الدفاع عن مصالح الطائفة وماسكي أمورها من الزعماء وذوي الأموال”.

يجوز إعادة نقل مقالة الأب مسّوح كاملةً هنا، لشدّة دقّتها وقدرتها الفريدة على العبور بخفّة من سياق إلى آخر ومواءمة حفلة الجنون الراهنة. والأمثلة عن أقوال وردود صدرت عن كهنة ومفكّرين مسيحيّين يعارضون تصرّفات القمع والمنع هذه لا تنتهي.

نُشر في صفحة درج