كيف ساهمت الطقوس الدينية في نشر فيروس كورونا؟

المؤمنون بأي دين ليسوا محصنين من أي مرض أو وباء فأمراض القلب والسرطان والسكر وغيرها تصيب المسيحي والمسلم والملحد والبوذي والهندوسي بدون تفرقة.

بقلم: ماهر جبره

رغم التحذيرات المتكررة من خطر التجمعات، ورغم قرارات غلق مقار العبادة سواء كنائس أو مساجد في بلدان كثيرة، إلا أن البعض يصر على التحايل عليها وتحديها. ففي مصر بعض المساجد والزوايا الصغيرة ما زالت تقيم صلاة الجماعة. فضلا عن مسيرات الدعاء التي حدثت في بعض مدن المغرب مثل طنجة وفاس، وبعض محافظات مصر مثل الإسكندرية.

البعض يفعل ذلك معتقدا أن وجوده في دور العبادة يحميه من المرض. ولكن للأسف الحقيقة هي العكس تماما. فأحد أسباب انتشار كورونا في عدة دول حول العالم بشكل واسع هو إصرار كثيرين على إقامة الشعائر الدينية الجماعية رغم تحذيرات الأطباء والحكومات منها ليل نهار. والحقيقة فإن هناك أمثلة عديدة على ذلك، وهذا اثنان منها:

ماليزيا:

أقام أحد المساجد في كوالالمبور عاصمة ماليزيا احتفالا دينيا لمدة 4 أيام من 27 فبراير حتى 1 مارس، وقد حضر هذا الاحتفال حوالي 16 ألف شخص، في وقت كانت السلطات تفكر فيه بالفعل في غلق المساجد لكنها كانت مترددة ومتخوفة من رد فعل الناس.

وبعد هذه الأيام الأربعة زاد عدد الإصابات بشكل واضح في ماليزيا. وكنتيجة لذلك اضطرت ماليزيا إلى غلق الحدود وإغلاق المدارس والجامعات والكثير من الشركات والمساجد أيضا.

بعدها اكتشفوا أن مئات الإصابات قادمة من نفس المكان وهو المسجد الذي تحدثنا عنه، وقد توفي يوم 17 مارس، أول شخص (مواطن ماليزي عمره 34 عام) من الأشخاص الذين أصيبوا في هذا التجمع الديني.

كوريا الجنوبية:

ربما تكون قد سمعت عن المريضة 31 التي تسببت وحدها في آلاف الإصابات في أربع ساعات بالضبط هي مدة اجتماعين حضرتهم بإحدى الكنائس، كلا منهما مدته ساعتين.

فقد كان الوضع تحت السيطرة في كوريا الجنوبية حتى منتصف فبراير وكان هناك فقط 30 مصابا في كل البلد، حتى قامت سيدة مصابة بحضور اجتماعين كان فيهم آلاف الأشخاص في إحدى الكنائس، يوم الأحد 9 فبراير والأحد 16 فبراير.

استجابة مصر لفيروس كورونا

يمكن لتفشي فيروس كورونا في بلد يتجاوز عدد سكانه المئة مليون نسمة، حيث تعيش نسبة 95 في المئة منهم على حوالي 4 في المئة من الأراضي، أن يؤدي إلى نتائج كارثية وأعداد كبيرة من الوفيات، لا سيما في السجون المصرية لأنها مكتظة بالسجناء وتشكل بؤرة خطرة.

الملفت للانتباه أنها لم تكن تعلم أنها مصابة، وقد علمت يوم 17 فبراير أي بعد يوم واحد من حضور الاجتماع الثاني في الكنيسة، بعدها قفزت أعداد الإصابات بشكل مرعب في كوريا الجنوبية.

عند تتبع الإصابات وجد المسؤولون أن آلافا منها تعود إلى هذه الكنيسة التي حضرتها السيدة المصابة في الأيام السابق ذكرها. وبسبب هذه السيدة وحدها فقد اضطرت السلطات لتتبع 9300 شخص، هم عدد من حضروا الاجتماعين، وقد وجدوا أن هناك 1200 شخص منهم عانوا من بعض أعراض المرض.

قدرت السلطات أن أكثر من 60 في المئة من الإصابات في كل كوريا الجنوبية مرتبطة بهذه الحادثة. وعلى إثر ذلك قدم القس المسؤول عن الكنيسة "لي مان هي" اعتذارا علنيا طلب فيه الصفح من الشعب الكوري الجنوبي قائلا: "لم أكن أتصور أن هذا يمكن أن يحدث".

وهو الآن متهم مع 11 شخص آخرين من قادة الطائفة الدينية التي تنتمي لها هذه الكنيسة، بالقتل وانتهاك قانون مكافحة الأمراض المعدية، علما بأن كوريا الجنوبية الآن بها (حتى لحظة كتابة المقال) 9661 مصاب، منهم 158 لقوا حتفهم بسبب فيروس كورونا.

وعلى الرغم من تفهمي الشديد للحاجة إلى الصلاة والتعبد في هذه الأوقات بالذات، إلا أن الصلاة ممكنة في البيوت أيضا. فالله موجود في البيت كما هو موجود في المسجد أو الكنيسة أو المعبد.

كما أن الله الذي نلجأ إليه خلق لنا عقولا. وبالتالي فتجاهل العقل والعلم وما ينصحنا به الأطباء من تفادي التجمعات لتجنب نشر العدوى لن ينتج عنه إلا مزيدا من الإصابات والوفيات. سواء حدث هذا التجمع في كنيسة أو في مسجد أو في شارع أو في عربة مترو الأنفاق، فالفيروس لا يفرّق.

في النهاية علينا أن ندرك أن المؤمنين بأي دين ليسوا محصنين من أي مرض أو وباء. فأمراض القلب والسرطان والسكر وغيرها تصيب المسيحي والمسلم والملحد والبوذي والهندوسي بدون تفرقة. كما أن التاريخ يعملنا أن الأوبئة السابقة قد فتكت بالمسلمين والمسيحيين مثلما فتكت بغيرهم، فتجاهل العلم وقوانين الطبيعة تحت مسميات دينية لم ولن يحمي أحدا.

نُشر في شبكة الشرق الأوسط للإرسال