كيف لرئيس لم يحترم دستورا قائما أن يصيغ دستورا جديدا لتركيا

المعارضة التركية تشكك في دوافع اردوغان من كتابة دستور جديد قبل سنتين من الانتخابات الرئاسية، معتبرة أن ذلك محاولة لضمان بقاء أطول على رأس السلطة، فيما يدرك الرئيس التركي أنه يمشي في مسار خاسر في ظل تآكل قاعدة مناصريه وتراجع شعبيته.
دستور اردوغان الجديد محاولة لصرف الانتباه عن أزمات عميقة
اردوغان يسعى لكتابة دستور جديد يكرس قبضته على السلطة

أنقرة - انتقدت المعارضة التركية الخميس دعوة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى صياغة دستور جديد، مشيرة إلى أنه لا يمكن لرئيس لا يحترم الدستور القائم أن يكتب دستورا جديدا، معتبرين أن ذلك محاولة منه لفرض مشروع آخر يعزز نزعته السلطوية.  

وفاجأ اردوغان الطبقة السياسية بدعوته إلى صياغة دستور جديد في إطار إصلاحات يقول إنه يريد تطبيقها، لكن معارضيه يشككون في دوافعه الفعلية قبل سنتين من انتخابات حاسمة.

هكذا رد زعيم "حزب الشعب الجمهوري" وهو أبرز حزب معارض، كمال كيليتشدار أوغلو، قائلا إن "حكومة لا تحترم الدستور المعتمد، لا يمكنها صياغة نص أكثر ديمقراطية، أخشى أن يؤدي هذا المشروع الى تعزيز النزعة السلطوية".

حكومة لا تحترم الدستور المعتمد لا يمكنها صياغة نص أكثر ديمقراطية

وأجرى اردوغان عام 2017 مراجعة معمقة للدستور الحالي العائد إلى 1982 والذي وضع اثر انقلاب عسكري. وبموجب التعديل الدستوري الذي خضع لاستفتاء انتقلت تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يمنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة ما جعل معارضيه يصفونه بأنه سلطوي.

لكنه أثار مفاجأة على الساحة السياسية في 1 فبراير/شباط عبر قوله إنه يؤيد صياغة دستور جديد بالكامل مشيرا إلى أن كل الدساتير التركية منذ الستينيات صاغتها حكومات منبثقة عن انقلابات عسكرية.

وقال في خطاب "من الواضح انه في صلب مشاكل تركيا دساتير صاغها انقلابيون".

وأعلن وزير العدل التركي عبدالحميد غول أن الدستور الذي يدعو إليه اردوغان سيكون "مدنيا وديمقراطيا"، ملمحا إلى انه سيؤدي، على الأقل نظريا، إلى توسيع الحريات.

لكن معارضي اردوغان يشككون في رغبته في تطبيق إصلاحات حقيقية، فيما يبدي المدافعون عن حقوق الإنسان قلقهم من تصاعد القمع وتدهور دولة القانون منذ عدة سنوات.

اردوغان يثير مسألة تجديد الدستور لشق صفوف المعارضة عبر إرغامها على اتخاذ موقف مخالف ثم اتهامها بمناوئة تركيا
اردوغان يثير مسألة تجديد الدستور لشق صفوف المعارضة عبر إرغامها على اتخاذ موقف مخالف ثم اتهامها بمناوئة تركيا

دورة واحدة

كما تخشى المعارضة أن تكون النقاشات حول الدستور الجديد مجرد تحويل للأنظار يتيح لاردوغان صرف الانتباه عن آثار الوباء والركود الاقتصادي.

وقال ادريس شاهين نائب رئيس حزب الديمقراطية والتقدم الذي أطلقه السنة الماضية علي باباجان (المسؤول السابق عن تنسيق الشؤون الاقتصادية في الحكومة) الحليف السابق لاردوغان، "هذه مناورة لتجنب الحديث عن الوضع الاقتصادي، ومشاكل الفلاحين أو التجار وكذلك انتهاكات الحقوق".

ويرى مراقبون أنه من خلال دعوته إلى دستور جديد سيكون المهندس الرئيسي له، يمكن للرئيس التركي أن يلتف على مبادرات أخرى للإصلاح تروج لها المعارضة التي تطالب بالعودة إلى نظام برلماني.

قبل عامين من انتخابات 2023 العامة التي قد تكون معقدة بالنسبة إليه، يمكن أن يحاول اردوغان أيضا وبموجب دستور جديد، وضع نظام انتخابي يسهل إعادة انتخابه.

وقالت أيسودا كولمن الخبيرة السياسية في بارد كوليدج في ألمانيا إن "القاعدة الناخبة للائتلاف الحاكم في طور الذوبان"، مضيفة أنه لم يعد من المضمون بالنسبة لاردوغان آن ينال أكثر من 50 بالمئة من الأصوات يحتاجها لكي ينتخب من الدورة الأولى في عام 2023، ولا حتى أن يتم انتخابه في الدورة الثانية.

وأضافت "في مواجهة هذا الخطر، يمكنه أن يلجأ إلى خيار نظام بدورة واحدة يمكن أن ينتخب فيها المرشح الذي ينال أغلبية بسيطة من الأصوات".

ويبدو أن الرئيس التركي يسعى في ظل تراجع شعبيته وتآكل قاعدة مناصريه، صياغة دستور جديد يضمن له بقاء أطول على رأس السلطة في تركيا خاصة وانه يتوجس خسارة الانتخابات القادمة لاسيما بعد انشقاق أبرز مناصريه على غرار علي باباجان ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو اللذان يمتلكان قاعدة جماهيرية كبيرة في حزب العدالة والتنمية وهو ما سيؤدي حتما لامتصاص زخم كبير من مؤيدي اردوغان.

إدراكا منه أنه يسير في مسار خاسر يبحث اردوغان عن صيغة رابحة

شق صفوف المعارضة

وقال غاليب دالاي الباحث في أكاديمية روبرت بوش في برلين ومركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن "إدراكا منه أنه يسير في مسار خاسر، يبحث اردوغان عن صيغة رابحة".

ويمكن أن تقوم هذه "الصيغة الرابحة" على أساس اللعب على وتر التوترات الداخلية في صفوف المعارضة التي يمكن أن تتفاقم عبر نقاشات حول مواضيع حساسة مثل المسألة الكردية وكيفية التعامل معها في إطار دستور جديد.

وبحسب دبلوماسي غربي فإن هدف اردوغان قد يكون "شق صفوف المعارضة عبر إرغام الأحزاب على اتخاذ موقف" ومن ثم تصنيفها إما على أنهم "مدافعة" أو "مناوئة" لتركيا.

ويتهم اردوغان أحزاب المعارضة بـ"التغاضي" عن تنظيم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد والذي يعتبره الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني، رأس حربة التمرد الكردي والذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون بانه "إرهابي".

وقالت كولمن المحللة في بارد كوليدج إن "الحكومة لا تزال تستخدم هذا التكتيك لتحييد المعارضة، والمسألة تكمن في معرفة ما إذا كانت الأحزاب ستقع في هذا الفخ عند مناقشة الدستور الجديد. حتى الآن، سقطوا دائما فيه".