كيف للدبلوماسية الجزائرية المربكة أن تساهم في حلّ أزمة النيجر؟

العسكريون الحاكمون في النيجر يوافقون على المبادرة الجزائرية الرامية إلى بلورة حل سياسي، في الوقت الذي يقترب فيه اتفاق السلام في مالي من الانهيار.

نيامي - وافق المجلس العسكري في النيجر على مبادرة الوساطة الجزائرية التي تأتي بعد فشل عدة وساطات سابقة بما فيها المبادرة التي توجت باتفاق سلام بين السلطة في مالي والطوارق والذي بات على حافة الانهيار، فيما يعتبر هذا القبول أول اختراق عملي في الأزمة، لكن ذلك لا يحجب تحديات تواجه الدبلوماسية الجزائرية التي تبدو مرتبكة وغير مستقرة بعد أن توالى على المنصب ثلاثة وزارء في نحو 3 سنوات.

وتأتي هذه الخطوة تتويجا لمساع محمومة بذلتها الجزائر لتفادي أي تدخل عسكري في البلد الذي تشترك معه في حدود بنحو ألف كلم به وتعتبره تهديدا لأمنها.

وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية اليوم الاثنين في بيان أن قادة الانقلاب أرسلوا إلى الحكومة الجزائرية "عبر وزارة خارجية جمهورية النيجر مراسلة رسمية تفيد بقبول الوساطة الجزائرية الرامية إلى بلورة حل سياسي للأزمة القائمة في هذا البلد الشقيق".

ويرى مراقبون أن التوصّل إلى اتفاق سلام في النيجر بوساطة الجزائر لا يعني إنهاء الأزمة في جارتها الجنوبية، في الوقت الذي فشلت في ضمان صمود اتفاق سلام سابق بين المجلس العسكري في مالي والطوارق. 

ويعكس تعيين 3 وزراء خارجية جزائريين في الفترة بين 2019 و2023 من صبري قادوم إلى رمطان العمامرة ثم أحمد عطاف حاليا، ارتباكا وعدم استقرار في الدبلوماسية الجزائرية. 

وتكثّفت الجزائر منذ مدة مساعيها للتوسط في إنهاء عدد من النزاعات الأفريقية والعربية ونظّمت اجتماعات للفصائل الفلسطينية وقبلها للفرقاء الليبيين، لكنها لم تتمكن من إحداث أي اختراق في مختلف الأزمات على خلاف الدبلوماسية المغربية التي نجحت في تصفير العديد من المشاكل في المنطقة بما فيها الملفات التي تحاول الجزائر معالجتها.

وطرحت الجزائر في 29 أغسطس/آب خطة سياسية لحل الأزمة في النيجر تقوم على إمهال الانقلابيين ستّة أشهر للعودة إلى "النظام الدستوري والديموقراطي"، مع رفض أيّ تدخّل عسكري في الجارة الجنوبية.

وأوضح البيان أن الرئيس عبدالمجيد تبون كلّف وزير الخارجية أحمد عطاف "بالتوجه إلى نيامي في أقرب وقت ممكن بهدف الشروع في مناقشات تحضيرية مع كافة الأطراف المعنية حول سبل تفعيل المبادرة الجزائرية".

وأضاف أن "هذا القبول بالمبادرة الجزائرية يعزز خيار الحل السياسي للأزمة في النيجر ويفتح المجال أمام توفير الشروط الضرورية التي من شأنها أن تسهل إنهاء هذه الأزمة بالطرق السلمية، بما يحفظ مصلحة النيجر والمنطقة برمتها"

وكان عطاف أكد خلال إعلان خطة الحل السياسي أن قائد الانقلاب الجنرال عبدالرحمن تياني "يطالب بمرحلة انتقالية تستمرّ ثلاث سنوات كحدّ أقصى"، لكن الجزائر اعتبرت أن العملية الانتقالية يمكن أن تتم في ستة أشهر حتى لا يصبح الانقلاب "أمراً واقعاً".

وفي تفاصيل الخطة الجزائرية أوضح عطاف أن "هدف هذا المسار هو صياغة ترتيبات سياسية بمشاركة وموافقة جميع الأطراف في النيجر بدون إقصاء لأيّ جهة مهما كانت، على أن لا تتجاوز مدّة هذه الترتيبات ستّة أشهر".

وأوضح أنّ هذه الترتيبات "تكون تحت إشراف سلطة مدنية تتولاها شخصية توافقية تحظى بقبول كل أطياف الطبقة السياسية في النيجر وتفضي إلى استعادة النظام الدستوري في البلاد"، رافضاً الإفصاح عن اسم الشخصية التوافقية المقترحة.

ومنذ الانقلاب فرضت الجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (إكواس) عقوبات سياسية واقتصادية على النيجر، وهددت ايضا بتدخل مسلح.

ولجأ محمد بازوم المحتجز في مقره الرئاسي منذ الانقلاب والذي لا يزال يحظى بدعم فرنسا إلى محكمة العدل التابعة لإكواس لتأمين الإفراج عنه.

وقام عطاف في نهاية أغسطس/آب بجولة أفريقية قادته إلى كلّ من نيجيريا وبنين وغانا حيث عرض تفاصيل المبادرة الجزائرية.

وكشف أن الجزائر ستدفع بمبادرتها في ثلاثة اتجاهات "داخلياً مع جميع الأطراف المعنية والفاعلة في النيجر، وإقليمياً مع دول الجوار والدول الأعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وخصوصاً نيجيريا كونها تترأس الجماعة حالياً ودولياً مع البلدان التي ترغب في دعم المساعي الرامية لإيجاد مخرج سلمي للأزمة".

والسبت أعلن رئيس المجلس العسكري المنبثق من الانقلاب الجنرال عبدالرحمن تياني الذي لم يعلن تخليه عن طلب مرحلة انتقالية من ثلاث سنوات أنه "لا يحق لنا أن نمضي خمسة أعوام في الحكم. يجب أن يكون (المرء) منتخبا للقيام بذلك".

وذكّر بأنه يريد تنظيم "حوار وطني" لصوغ نصوص جديدة تحكم الحياة السياسية في النيجر، مشيرا إلى أن "المشكلة لا تكمن في الديموقراطية. فالشخصيات المنتخبة تعمد أحيانا الى خنق النصوص لتنفذ فقط ما يجول في ذهنها".

وعزا في مقابلتين تلفزيونيتين الانقلاب إلى "إهدار المال العام" من جانب القادة السابقين. وكان النظام السابق اعلن تشكيل لجنة لمكافحة الفساد.

وبعد تعرضه لانتقادات من الدول الغربية والإفريقية عمد المجلس العسكري النيجري إلى ابرام تحالفات جديدة مع مالي وبوركينا فاسو اللتين يقودهما العسكر كذلك.

وأشار تياني إلى أنه وقع ميثاق دول الساحل الذي يهدف إلى إنشاء هيكلية للدفاع المشترك موضحًا أن "اتفاقاً اقتصادياً سيعقب ذلك".