لاءات سعيد تُحصن الفخفاخ وتربك حسابات النهضة

الرئيس التونسي يرفض أي مشاورات حول تشكيل حكومة جديدة، مؤكدا أن النظام السياسي ينظمه الدستور ولا مجال تحت أي ظرف من الظروف حصول تجاوز له أو بروز نظام سياسي مواز له.
النهضة تفوض الغنوشي للتشاور مع سعيد حول عزل الفخفاخ
هل يُبعثر سعيد أوراق النهضة في معركة ليّ الأذرع بين الرئاسيات
تونس تنفتح على أزمة سياسية واقتصادية عميقة
شتائم ومواجهات في البرلمان ومعارك لم تعد صامتة بين الرئاسيات
النهضة ترفض انتخابات تشريعية مبكرة تراها أمرا سابقا لأوانه
قيس سعيد يرى أن لا موجب دستوري لمطالبة النهضة بمشاورات حول حكومة جديدة

تونس - أعلنت الرئاسة التونسية اليوم الاثنين في بيان على صفحتها الرسمية بفيسبوك أن الرئيس قيس سعيد لن يقبل بمشاورات تهم تشكيل حكومة جديدة طالما أن الحكومة الحالية (حكومة الياس الفخفاخ) قائمة وكاملة الصلاحيات، مضيفا أن المفاوضات أو المشاورات التي تطالب بها النهضة "مغالطات للرأي العام" وأن "ما يتم تداوله هراء وأضغاث أحلام".

ويأتي موقف سعيد ردا على تحرك تقوده حركة النهضة الإسلامية الشريكة في الائتلاف الحكومي لعزل الفخفاخ تحت عناوين وذرائع مختلفة منها قضية تضارب المصالح التي أثارها مؤخرا النائب ياسين العياري ووظفتها الحركة كورقة لابتزاز رئيس الحكومة سياسيا.

وبدأت معركة لي الأذرع بين النهضة والفخفاخ حين رفض الأخير توسيع الحزام السياسي للحكومة بإشراك حزب قلب تونس فيها وتمسكه بما وصفه بحكومة الرئيس.

وقبل تشكيل حكومة الفخفاخ كانت النهضة قد أعلنت على لسان رئيسها أنها لن تتحالف مع حزب قلب تونس الذي تحوم حول رئيسه نبيل القروي شبهات فساد. وكان القروي حينها يواجه اتهامات بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال وتم إيقافه لفترة في عهد حكومة يوسف الشاهد وخاض حزبه الانتخابات التشريعية والرئاسية وفاز في التشريعية بالمرتبة الثانية (بعد النهضة) وخسر القروي أمام المرشح المستقل قيس سعيد في الرئاسية.

لكن النهضة ولحسابات سياسية انقلبت على موقفها وأرادت توسيع الحزام السياسي للحكومة بإشراك قلب تونس فيها وهو ما رفضه الفخفاخ.

والاثنين التقى الرئيس التونسي بقصر قرطاج برئيس الحكومة بحضور نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر مركزية نقابية عمالية في تونس). وتمحور اللقاء حول عدد من الملفات أهمها الوضع الحكومي والحلول الدستورية المطروحة.

وجدّد قيس سعيد خلال هذا اللقاء تمسكه الكامل بالدستور، مؤكدا على أنه لن يقبل بأي مشاورات تهم تشكيل حكومة جديدة ما دامت الحكومة الحالية قائمة وكاملة الصلاحيات. وذكّر بأن المشاورات لا يمكن أن تحصل إلا إذا قدم رئيس الحكومة استقالته أو سحبت منه الأغلبية المطلقة بمجلس نواب الشعب الثقة، وفق بيان الرئاسة التونسية.

وأوضح أن "النظام السياسي ينظمه الدستور ولا مجال تحت أي ظرف من الظروف حصول تجاوز له أو بروز نظام سياسي مواز له".

ويشير لقاء سعيد برئيس الحكومة ورئيس أكبر مركزية نقابية عمالية في البلاد لها ثقلها سياسيا وشعبيا، إلى تحرك يهدف لافشال مخططات حركة النهضة ومساعيها للهيمنة على السلطة.

ولا يمكن النظر الى لقاء قصر قرطاج الاثنين بمعزل أيضا عن الجهود التي تقودها كتل برلمانية لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

ونقلت اذاعة 'شمس اف ام' المحلية عن النائب عن الكتلة الديمقراطية هيكل المكي قوله الاثنين، إن لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي تجاوزت 73 توقيعا المستوجبة من عدد من الكتل، مضيفا أن نواب الكتلة الديمقراطية لحزبي التيار وحركة الشعب وقعوا على اللائحة. كما أوضح أن كتلة الإصلاح وتحيا تونس والكتلة الوطنية وعدد من المستقلين وقعوا على هذه اللائحة.

لكن الحركة الاسلامية تحدت تلك المحاولات، مؤكدة أنها ستفشل في النهاية. واستبعدت يمينة الزغلامي النائبة عن كتلة النهضة  تماما في تصريح  لاذاعة 'اي اف ام' قدرة الكتل البرلمانية على جمع 109 صوتا لسحب الثقة من رئيس البرلمان (راشد الغنوشي). وقالت إن الغنوشي ليس متلهفا على الحكم أو على الكرسي، مضيفة "نحن مواقفنا واضحة نرفض تورط رئيس حكومة تونس في الفساد وشبهة تضارب المصالح".

وتشهد تونس أزمة سياسية على خلفية التجاذبات القائمة بين مكونات الائتلاف الحكومي إضافة إلى سجالات وشتائم في البرلمان بين حلفاء النهضة ومعارضيها، في الوقت الذي تستمر فيه مساع من عدة كتل برلمانية لسحب الثقة من رئيس البرلمان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.

وكان لافتا أن النهضة حركت حملتها لعزل رئيس الحكومة في الوقت الذي تحركت فيه كتل برلمانية لعزل رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

ويُعتقد أن هذا التكتيك إلى جانب الخلافات القائمة مع الفخفاخ ومحاولات الابتزاز السياسي، يأتي لإرباك محاولات سحب الثقة من الغنوشي الذي تقول مصادر من المعارضة ومن المجتمع المدني، إنه بات يثير انقسامات حادة وأنه تجاوز صلاحياته بالتعدي على صلاحيات رئيس الدولة، في إشارة إلى الدبلوماسية الموازية التي يقودها منذ فترة وإلى دفعه تونس دفعا لسياسة المحاور بالاصطفاف مع المحور التركي القطري وتأييده التدخل اعسكري التركي في ليبيا دعما لحكومة الوفاق التي يهيمن عليها الإخوان المسلمون.

كما تأتي هذه التطورات بالتزامن مع مسار آخر تقوده النهضة لتفكيك الحكومة ضمن سياق محاولات إعادة تشكيل المشهد السياسي بما يضمن لها الهيمنة على السلطة وهي تفصيلات تسلط الضوء على معارك لم تعد صامتة بين رئاستي الحكومة والرئاسة من جهة ورئاسة البرلمان بقيادة الحركة الإسلامية من جهة أخرى.

وباتت النهضة قوة سياسية لا يمكن تجاهل تأثيرها في المشهد السياسي التونسي، لكن تحركات رئيسها باتت تثير المزيد من الانقسامات في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أسوأ أزمة اقتصادية بسبب تراكمات سنوات ما بعد الثورة والتي قادت خلالها النهضة الحكومة في مناسبتين تولى فيهما الفخفاخ حقيبتين وزاريتين (السياحة والمالية). وكان يحظى بالقبول قبل أن تنقلب عليه الحركة.

سعيد: لا مشاورات فالحكومة الحالية قائمة بصلاحيات كاملة ولم تطلب الأغلبية في البرلمان سحب الثقة منها
سعيد: لا مشاورات فالحكومة الحالية قائمة بصلاحيات كاملة ولم تطلب الأغلبية في البرلمان سحب الثقة منها

وأعلن رئيس مجلس شورى النهضة في تونس عبدالكريم الهاروني الاثنين عن تكليف رئيس الحركة راشد الغنوشي، بإجراء مشاورات مع رئيس البلاد قيس سعيد للاتفاق حول تشكيل حكومة جديدة.

جاء هذا خلال مؤتمر صحفي عقده الهاروني في العاصمة تونس، للإعلان عن مخرجات الدورة الـ41 لمجلس شورى النهضة، التي عقدت الأحد.

وقال الهاروني في مؤتمر صحفي، إن مجلس الشورى كلف الغنوشي أيضا بـ"إجراء مشاورات مع الأحزاب والمنظمات في البلاد للاتفاق على مشهد حكومي بديل قائم على التوافق".

وأضاف "الوضع الاقتصادي صعب ووضع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لا يسمح له بمواجهة الأمر"، في إشارة إلى قضية تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة، مؤكدا على أهمية دور الرئيس سعيد للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد.

وأشار إلى أن مجلس شورى النهضة سيبقى في حالة انعقاد للخروج من الأزمة الحالية، معربا عن أمله في التوصل إلى اتفاق بعيدا عن "الحسابات السياسية الضيقة".

وردا على دعوة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، قال الهاروني إن هذا الأمر سابق لأوانه، مضيفا أن النهضة لا تخشى من مثل هذا السيناريو.

وتابع "في حال الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة، لا بد من تغيير النظام الانتخابي حتى لا ننتج نفس المشهد الحالي".

هل بدأ الخناق السياسي يضيق على الغنوشي
هل بدأ الخناق السياسي يضيق على الغنوشي

ويترأس الفخفاخ منذ 27 فبراير/شباط الماضي، ائتلافا حكوميا يضم 4 أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية هي النهضة (إسلامية- 54 نائبا من 217) والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي- 22) وحركة الشعب (ناصري- 14) وحركة تحيا تونس (ليبيرالي- 14) وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية- 16).

وفي 30 يونيو/حزيران الماضي، قالت هيئة مكافحة الفساد (دستورية مستقلة)، إنه توجد "شبهة تضارب مصالح للفخفاخ بشأن امتلاكه أسهما في شركات تتعامل مع الدولة تجاريا، وأبرمت معها صفقات وهو ما يمنعه القانون". ونفى الفخفاخ في جلسة بالبرلمان، صحة هذه الشبهات.

والثلاثاء الماضي، أعلن رئيس البرلمان (الغنوشي)، إحداث لجنة تحقيق برلمانية للبحث في شبهة تضارب المصالح المتعلقة بالفخفاخ.

وإلى جانب ملف "شبهة تضارب المصالح"، يتصاعد خلاف بين النهضة والفخفاخ، إذ رفض الأخير مقترحا من الحركة بتوسيع الائتلاف الحاكم، داعيا إياها إلى "الاقتناع بالائتلاف الراهن والاستثمار فيه".

وفي تطور على علاقة بالأزمة القائمة، أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس الاثنين، إحالة وثائق تتعلق بالتصريح بالمكاسب وشبهات تضارب مصالح متعلقة برئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، للقضاء ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.

وجاء ذلك وفق النشرة الإخبارية الأسبوعية التي تصدرها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على موقعها الإلكتروني.

وقالت الهيئة، إنها "أحالت الوثائق المتعلقة بالتصريح بالمصالح والمكاسب لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، إلى وكيل الجمهورية لدى القطب القضائي الاقتصادي والمالي (هيئة قضائية مختصة بمقاومة الفساد المالي والاقتصادي)".

وأضافت أنها "أحالت أيضا وثائق ومعطيات لها علاقة بشبهات تضارب مصالح في صفقة عمومية أحد أطرافها شركة يمتلكها الفخفاخ إلى الغنوشي بناء على طلبه بصفته رئيس البرلمان".

وقال محمد عبو وزير الدولة لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، إن نتائج التحقيق ستصدر خلال ثلاثة أسابيع.