لاعب كرة يحكي خواطره بين مصر واليابان

إبراهيم السمني يقدم إضاءات حول مسيرته من كرة القدم إلى اليابان حيث أسس شركة تجارية وافتتح مطعما مصريا أسماه "ليالي مصر العربية".
اللاعب قرر اعتزال اللعب في نادي السكة الحديد عام 1976 فهبط النادي من الدوري الممتاز لدوري الدرجة الأولى
على الرغم من انشغال السمني بأسرته وبعمله في الشركة والمطعم إلا أنه استطاع توفير الوقت اللازم لإتمام دراساته العُليا في اليابان

في بداية 1976 عقب إصابة ركبته اليمني إصابة بالغة أثناء مباراة السكة الحديد مع الترسانة وتلكأ إدارة النادي في إرساله لإجراء جراحة بها، كان قرار اللاعب إبراهيم السمني الاعتزال من نادي السكة الحديد، وقد كان لهذا القرار أثره السيئ على كل زملائه، وبالفعل هبط النادي في هذه السنة من الدوري الممتاز لدوري الدرجة الأولى وقتها، وبعد ذلك - وطوال الأربعين عامًا المنُقضية - لم تقم قائمة لفريق كرة القدم في نادي السكة الحديد، وظل بين صعود وهبوط حتى الآن.
بعد 43 عاما يكتب د.إبراهيم السمني إضاءات حول مسيرته من كرة القدم إلى اليابان حيث أسس شركة "الإسكندرية للتجارة" وفِي نفس الوقت قام بفتح مطعم مصري أسماه "ليالي مصر العربية"، الإضاءات التي حملها كتاب بعنوان "خواطر مصري في اليابان.. ثلاث وأربعون سنة في اليابان.. وثمانية وستون عامًا في مصر" يلقي الضوء على الكثير من الفوارق بين مصر واليابان على مختلف المستويات الإنسانية والاجتماعية والثقافية والعلمية والعملية، وذلك من خلال خواطره عن مواقف وأحداث ومشاهدات كان شاهدا عليها في كلا البلدين وسجلها بموضوعية وحيادية تاركا للقارئ التقييم، واكتشاف هول وكارثية الخلل الذي وصل إليه المصري في شخصيته وتركيبته الإنسانية وحياته اليومية، في مقابل ذلك الياباني الذي يتمتع بشخصية تؤكد في كل سلوكها على رسوخ ثقافي راق وصلب.
على الرغم من انشغال السمني بأسرته وبعمله في الشركة والمطعم إلا أنه استطاع توفير الوقت اللازم لإتمام دراساته العُليا، وبعد الانتهاء من دراساته طلبت منه الجامعة التي درس فيها أن يعمل بها ضمن فريق هيئة التدريس، وأسندوا إليه تدريس مادة جديدة أدخلوها في برنامج الدراسة بالجامعة وهي مادة "الثقافة العربية الإسلامية"، ليكون سببًا في تعريف بعض اليابانيين بالإسلام والثقافة الإسلامية، وهنا ترك كل أعماله الأخرى وتفرغ للبحث والدراسة والتدريس في الجامعة.

فِي هذه الجزيرة وجدت الترحيب والطيبة والكرم من أهلها، الأمر الذي ساعدني كثيرًا على تضميد جراحي، خاصة أنني كنت لا أزال أُعاني من الجُرح النفسي الذي سببه لي نادي السكة الحديد

يتذكر السمني المباراة التي أصيب فيها، يقول "بدأت المباراة، ويبدو أن تقليدي للكابتن لطيف قد أخذ جزءًا من تركيزي في المباراة، فلم يمر سوى خمس دقائق على بداية المباراة إلا وسمعت صوت طرقعة غريبة في ركبتي اليمنى أثناء اشتراكي في كرة مع الكابتن الشاذلي، والحقيقة تُقال إن الكابتن الشاذلي لم يحتك بي مُباشرة، ولم يكن عنيفًا معي؛ فلقد كان لاعبًا مُهذبًا خلوقًا، بعد ذلك حاولت إتمام المباراة ولكني لم أستطع، فتم تغييري بصديق العمر الكابتن محمد القزّاز، وبعد ذلك قُمْت بعمل الفحوصات والأشعَّات اللازمة على ركبتي، ثم قضيت فترة علاج طبيعي، ولكن ركبتي لم تتحسن، وبناءً عليه؛ قرر الأطباء وقتها إجراء جراحة للركبة، وتقرر سفري إلى لندن في إنجلترا لإجراء هذه الجراحة أسوة بزميلي الكابتن مجدي كامل والكابتن سيد مسعد اللذين أجريا نفس الجراحة بنجاح في هذه الآونة أيضًا في لندن".
ويضيف "بعد ذلك انتظرت البدء في إجراءات سفري إلى لندن، ولكني لاحظت تحركات غير عادية بين أعضاء مجلس إدارة نادي السكة الحديد، ووقتها شعرت بأنهم لا يريدون إرسالي إلى لندن لإجراء الجراحة، وأنهم يفضّلون أن أُجري الجراحة في مصر، وفي هذه الآونة حدثت بعض التعديلات في أجهزة النادي، ونتيجة لذلك قرر مجلس إدارة النادي إجراء الجراحة لركبتي في مصر بصورة قاطعة، والحقيقة أنه في هذه الآونة كان من المُحبّذ إجراء مثل هذه الجراحة في لندن؛ حيث كانت مُتقدمة في هذا النوع من الجراحة، وفيها أشهر وأفضل أطباء وإمكانيات، بعد ذلك عبثاً حاولت أنا وزملائي اللاعبين وقتها إقناع مجلس إدارة النادي بالموافقة على سفري لإجراء الجراحة، لدرجة أنني عرضت أن أتحمل نصف نفقات السفر والجراحة، ولكن للأسف الشديد باءت كل المحاولات بالفشل، وهذا الأمر ترك في نفسي وفي نفس زملائي اللاعبين أثرًا سيِّئًا للغاية، وكان يمكنني وقتها الانتقال لنادي آخر، ولكني وقتها كنت صاحب إصابة أولا، وثانيًا أنني لم أكن أتخيل نفسي أرتدي فانلة غير فانلة نادي السكة الحديد الذي نشأت وترعرعت فيه مع نخبة من الزملاء والأخوة هم أفضل من قابلت في حياتي، ونظرًا لموقف إدارة النادي السلبي هذا قررت اعتزال كرة القدم والابتعاد عن نادي السكة الحديد".
وعبثًا حاول زملاؤه اللاعبون جميعًا وقتها إثناءه عن قرار الاعتزال، ولكنه كان جُرح جُرحًا عميقًا جرّاء موقف النادي الذي أخلص له سنوات طويلة، وساهم في رفع اسمه مع زملاء العمر، وفعلًا اعتزل كرة القدم في بداية 1976، وكان لهذا القرار أثره السيئ على كل زملائه، وبالفعل هبط النادي في هذه السنة من الدوري الممتاز لدوري الدرجة الأولى وقتها، ويشير السمني "بعد ذلك - وطوال الأربعين عامًا المنُقضية - لم تقم قائمة لفريق كرة القدم في نادي السكة الحديد، وظل بين صعود وهبوط حتى كتابة هذه السطور في 2018".
ويلفت السمني إلى أنه "بعد قرار الاعتزال بدأت في الشعور بالفراغ الشديد؛ فلقد كانت كرة القدم هي أهم شيء بل وكل شيء في حياتي، بالإضافة إلى أنه - بفضل الله - كان لدي ثروة ضخمة من أصدقاء الملاعب، الذين كان من بينهم عدد كبير أصدقاء دراسة أيضًا، هؤلاء الأصدقاء الذين كنت أتقابل معهم كل يوم دون انقطاع، وكنا نقضي أوقاتًا طويلة بحلوها ومُرها، وكنا نستمتع معًا بكل دقيقة نقضيها معًا، لم أكن أتخيل أن أبتعد عن هذه الصُحبة، أو يمر يومٌ دون مقابلتهم، أو أن أجلس أمام التليفزيون وأشاهد المباريات التي يشتركون فيها دون مشاركة فعلية مني، لقد كان شعورًا قاسيًا وصراعًا نفسيًا يؤلمني ويؤرقني، وهنا قررت الابتعاد أو الهروب من هذا الشعور بالخروج من مصر لفترة نقاهة نفسية، ثم أعود مرة أخرى بعد ذلك للعمل في مجال كرة القدم بأي صفة، سواء كانت في التدريب أو التحكيم أو الإدارة، حيث إنني لم أكن أتخيل نفسي بعيدًا تمامًا عن مجال كرة القدم، وبالفعل فكرت في الذهاب إلى ألمانيا أو إنجلترا للحصول على بعض الدراسات في كرة القدم، 

ويتذكر السمني أنه في هذا الوقت كان والده د.علي السمني مبعوثًا من الحكومة المصرية لليابان لتعليم اللغة العربية في الجامعات اليابانية، ووقتها – واحتراما ا لوالده - أرسل له خطابًا أخبره برغبته في الخروج من مصر لفترة نقاهة نفسية بعد اعتزاله كرة القدم، و"على الفور وصل رد والدي واقترح عليّ أن أقضي فترة النقاهة هذه معه في اليابان، وحتى يساعدني في التفكير فيما يمكنني عمله بعد اعتزالي كرة القدم، في بداية الأمر كانت دعوة والدي لليابان مفاجأة كبيرة لي، ولكن بعد التفكير والمشاورات قررت السفر لليابان لقضاء فترة النقاهة النفسية هناك ثم أعود بعدها لمصر، وحسب خطتي أعمل في مجال كرة القدم المصرية، وبناء عليه سافرت لليابان لقضاء من ثلاثة إلى ستة شهور مع والدي بعدها أعود لمصر ولمحبوبتي كرة القدم للعمل كمدرب أو إداري، وبالفعل سافرت لليابان في نوفمبر 1976 لقضاء هذه الشهور مع والدي، ولكن هذه الشهور القليلة طالت حتى يومنا هذا وأصبحت 42 عامًا".
ويضيف "عندما وصلت اليابان قام العديد من طلبة والدي - والذين كانوا يدرسون اللغة العربية - بالترحيب بي بكل حفاوة، وكذلك فعل كل أصدقاء والدي، سواء كانوا أصدقاء عرب أم يابانيين، وكان من بين أصدقاء والدي العرب الذين رحبوا بي رجل أعمال سوري الأصل ياباني الجنسية، وبعد أن رحب بي وتحدث معي عرض عليّ العمل في شركته التجارية، والتي كانت شركة كبيرة للتصدير والاستيراد، ومركزها طوكيو العاصمة، ولها عدة فروع في مختلف محافظات اليابان، وبعد موافقتي تم إرسالي إلى فرع هذه الشركة في جزيرة تُدعى أوكيناوا، التي تقع في أقصى جنوب اليابان. فِي هذه الجزيرة وجدت الترحيب والطيبة والكرم من أهلها، الأمر الذي ساعدني كثيرًا على تضميد جراحي، خاصة أنني كنت لا أزال أُعاني من الجُرح النفسي الذي سببه لي نادي السكة الحديد. وتجاه هذا الكرم وهذه الطيبة من أهل جزيرة أوكيناوا أحببت هذه الجزيرة وأهلها وكنت سعيدًا بالإقامة فيها، وامتد عملي في شركة صديق والدي السوري لمدة عشر سنوات، ووقتها كنت أُفكر في العودة لمصر ولكني في هذه الآونة كنت قد تقابلت مع زوجتي التي هي ابنة صديق أوكيناوي حميم لي، وبعد الزواج منها فكرت في تأسيس شركة خاصة بي والاستقلال بعملي الخاص، وبالفعل قمت بتأسيس شركة سميتُها "الإسكندرية للتجارة" وفِي نفس الوقت قمت بفتح مطعم مصري سميتُه "ليالي مصر العربية".