لا استثناءات من العقوبات في زمن كورونا

واشنطن تتمسك بمقاربة الضغوط القصوى على خصومها ومن ضمنهم إيران حتى مع تأثير العقوبات على جهود مكافحة تفشي فيروس كوفيد 19 فهي غير مستعدة لمد طوق نجاة لنظام تعتقد أنه على حافة الهاوية.
واشنطن ترفض تعليق العقوبات الدولية على إيران
الدبلوماسية الأميركية تواصل استخدام العقوبات سلاحها المفضل

واشنطن - يبدو أن سيناريو 'لا استثناءات في زمن الكورونا' هو الأقرب في مقاربة العقوبات التي تعتمدها الولايات المتحدة في التعاطي مع خصومها وعلى رأسهم إيران وروسيا، فإلى حد الآن أبدت واشنطن تعنتا شديدا حيال هذا الخيار رغم محنة كورونا التي تعاني منها تلك الدول وحتى أميركا ذاتها.

وتبقى الولايات المتحدة غير آبهة للدعوات الموجهة إليها من جهات كثيرة طالبة منها تعليق العقوبات على الدول التي تعاني بشدة من تبعات فيروس كورونا المستجد بل تعمد في بعض

وقال الأستاذ في جامعة نورث إيسترن ماكس أبراهامز "حتى الدول التي لا نحبها تعيش على الكوكب ذاته مثلنا. علينا أن نعمل معها لمعالجة المشكلات المشتركة. ليس من مصلحة الأمن القومي الأميركي أن ينتشر فيروس كورونا المستجد".

ووجهت ثماني دول من أشدّ خصوم واشنطن رسالة إلى الأمم المتحدة لتطلب تعليق العقوبات المفروضة عليها حتى تتمكن من مكافحة وباء كوفيد-19 بطريقة "تامة وفعالة".

وبين الدول الموقعة على هذه الرسالة إيران، العدو اللدود لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، وفنزويلا وكوبا، عدوتا واشنطن في أميركا اللاتينية، وكوريا الشمالية.

كما تحمل الرسالة توقيع خصمي الولايات المتحدة الاستراتيجيين الرئيسيين الصين وروسيا، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح شخصيا "تعليق" العقوبات الاقتصادية.

ووجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مثل هذه الدعوة، طالبا الجمعة "تعليق العقوبات التي قد تقوض قدرة الدول على التصدي للوباء العالمي".

كورونا يتفشى في الولايات المتحدة
كورونا يتفشى في الولايات المتحدة

غير أن ذلك لم يؤثر على قرار الولايات المتحدة، بل أضافت في الأيام الأخيرة إلى قائمتها السوداء الطويلة خمس شركات اتهمتها بالالتفاف على الحظر الأميركي على النفط الإيراني، وعددا من المصالح الاقتصادية الإيرانية في العراق. وبشكل عام، تواصل الدبلوماسية الأميركية استخدام العقوبات سلاحها المفضل.

واتهمت إدارة ترامب هذا الأسبوع رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو الذي تود إقصاءه من السلطة بـ"الإرهاب المرتبط بالمخدرات"، كما قطعت المساعدة عن أفغانستان لإرغام قادة هذا البلد على الانخراط في عملية السلام التي ستسمح بانسحاب القوات الأميركية، غير أن الاهتمام يتركز بصورة خاصة على إيران، فالجمهورية الإسلامية هي من الدول التي تسجل أكبر انتشار لفيروس كورونا المستجد، مع وصول الحصيلة الرسمية إلى أكثر من 2300 وفاة و32 ألف إصابة وهي حصيلة تعتبرها الولايات المتحدة نفسها أدنى بكثير من الواقع.

كما أن إيران تخضع لأشد العقوبات الأميركية التي أغرقت البلاد في أزمة اقتصادية خطيرة، لا سيما وأنها تنطبق على أي بلد أو جهة تتعامل مع طهران، ما يردع باقي العالم عن تعاطي التجارة مع هذا البلد.

واشنطن تعرف جيدا ما الذي يحصل حين تتلقى أسوأ دولة داعمة للإرهاب سيولة. لا يصل شيء للشعب الإيراني

لماذا لا تعلق الولايات المتحدة العقوبات في وجه مثل هذا التحدي العالمي الجسيم؟ الاجابة تأتي من بهنام بن طالبلو من معهد الدفاع عن الديمقراطيات، قائلا "لأن سلوك إيران السيئ تفاقم، حتى خلال الوباء العالمي"، مؤيدا تمسك واشنطن بعقوباتها.

وتابع "واشنطن تعرف جيدا ما الذي يحصل حين تتلقى أسوأ دولة داعمة للإرهاب سيولة. لا يصل شيء للشعب الإيراني"، مرددا بذلك حجج ترامب.

ويشير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وهو من الصقور المعادين لإيران، إلى أن المساعدة الإنسانية والمواد الأساسية لا تنطبق عليها العقوبات، لكن هذا الخطاب لا يقنع البعض.

ولفت علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية إلى أن "الاستثناءات الإنسانية سبق أن أثبتت أنها غير كافية في الأوقات الطبيعية"، قائلا إن "العقوبات أضعفت قدرة إيران على احتواء الوباء وهذا لن يتسبب بخسائر في الأرواح للإيرانيين فحسب، بل كذلك لآخرين في المنطقة وما بعدها"، مضيفا "هذا الوباء العالمي يتخطى الحدود، تماما مثل العقوبات الأميركية".

وذكر ماكس أبرامز أن الإستراتيجية الأميركية نابعة من الهدف شبه المعلن لبعض الأعضاء النافذين في الإدارة الأميركية وهو الدفع باتجاه سقوط النظام الإيراني.

وأوضح أن "الإدارة ترى في فيروس كورونا المستجدّ فرصة ينبغي استغلالها لتشديد الضغط على النظام، لا بل إثارة ثورة"، مشيرا بصورة خاصة إلى بومبيو كأحد المهندسين الرئيسيين لـ"حملة الضغوط القصوى" هذه.

ويشاطره علي واعظ هذا الرأي، قائلا إن الدعوات إلى تعليق العقوبات لفترة "لا تلقى آذانا صاغية لأن الإدارة تثق في إستراتيجية الضغوط القصوى أكثر من أن تتساهل فيها الآن وتمنح سترة نجاة لنظام إيراني تعتقد أنه على شفير الهاوية".

لكنه حذر من أن "قلة الاكتراث الأميركية لمعاناة أمة برمتها" سوف "تعزز حجج المتشددين في النظام الذين يرون أن عداء واشنطن لا يستهدف القادة فحسب".