لا التنين الصيني ولا الدب الروسي يمكنه إنقاذ إيران من مخالب ترامب

مفاقمة الولايات المتحدة لأزمات طهران الاقتصادية ستدفع الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة في إيران إلى الانتفاضة لإسقاط النظام، في ظل عجز روسيا والصين مساعدة طهران لللإلتفاف على العقوبات.
مصالح الصين في إيران كبيرة لكن مخاطرها أكبر 
بوتين يلعب دور الناصح والوسيط أكثر من دور الحليف القوي لإيران

طهران - تحشد الولايات المتحدة الأميركية مزيدا من قواتها الضاربة حول إيران، بشكل يشبه إلى حد ما بداية حرب الخليج الثانية قبل اندلاعها مطلع 1991، رغم تأكيدات واشنطن وطهران بأنهما لا تريدان الحرب.
وإن كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدي تشددا في التعامل مع إيران، فإنه يفضل خنقها اقتصاديا إلى الدرجة التي يجبرها فيه على الاتصال به للتوقيع على اتفاق نووي جديد.

وينتظر ترامب عبر تكثيف العقوبات والضغوطات على إيران إعلان استسلام لا يكلف خزينة واشنطن مليارات الدولارات في حال خاضت حربا ضد طهران، ناهيك عن آلاف الخسائر البشرية المتوقعة.
فترامب، رجل أعمال لا يحب الخسارة، وأعلنها في حملته الانتخابية أنه لا يريد أن تخوض واشنطن مزيدا من الحروب في الشرق الأوسط، لكنه مع ذلك يحب استعراض قوة الولايات المتحدة أمام الأمم، وأفضل سيناريو بالنسبة له قرار الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، التخلي طواعية عن برنامج بلاده النووي في 19 ديسمبر/كانون الأول 2003، حتى لا يلقى نفس مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي أطيح بنظامه قبل هذا التاريخ بأشهر.
أما النظام الإيراني، الذي يواجه أصلا أزمات اقتصادية خانقة تجلت في تراجع عملته المحلية إلى أدنى مستوياتها، وارتفاع مستويات البطالة والفقر، فيقف أمام تحدٍ مصيري بعد قرار الولايات المتحدة تصفير صادراته النفطية، التي تمثل أكبر مورد مالي له بالعملة الصعبة.

وستدفع مفاقمة العقوبات الأميركية لأزمات طهران الاقتصادية الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة في إيران إلى الانتفاضة لإسقاط النظام.
وبالنظر إلى فارق القوة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن الأخيرة تحاول الاعتماد على حلفائها الدوليين وعلى رأسهم روسيا والصين، للإفلات من الحصار الاقتصادي الذي تحاول واشنطن فرضه عليها، في ظل عدم قدرة شركائها الأوروبيين على الإيفاء بالتزاماتهم معها في مواجهة التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على الشركات التي تخرق العقوبات.
لكن الصين التي تخوض حربا تجارية مع الولايات المتحدة وروسيا التي تسعى لإعادة فرض نفوذها إقليميا لمنافسة واشنطن لا يمكنها أن تضمن منع التهديدات الأميركية عن طهران على حساب مصالحها.

واشنطن جاهزة للحرب وقواتها متأهبة على السواحل الإرانية
واشنطن جاهزة للحرب وقواتها متأهبة على السواحل الإرانية

روسيا التي تعتبر أكبر مصدر للأسلحة لإيران، لا تنظر للأخيرة كحليف استراتيجي، بالرغم من شراكتهما العسكرية في الدفاع عن النظام السوري، غير أن مستوى التبادل التجاري بين البلدين جد متواضع ولم يتجاوز 1.741 مليار دولار في 2018، منها 1.208 مليار دولار صادرات روسية، وأقل من 533 مليون دولار صادرات إيرانية.
ويعتبر كلا البلدين من كبار مصدري النفط والغاز الطبيعي، وهما اقتصاديا متنافسين على أسواق الطاقة أكثر منهما شريكين، لذلك من المستبعد أن تلعب موسكو دورا جوهريا في تخفيف الحصار الاقتصادي على إيران، رغم ارتفاع المبادلات بينهما 2 بالمئة في 2018، وإعلان موسكو مواصلة تطوير تجارتها بالنفط الإيراني، الذي تبيعه إلى بلدان أخرى، وفق اتفاق النفط مقابل البضائع مع طهران.
وأدانت روسيا العقوبات الأميركية، وحثت الدول الأجنبية على عدم تقييد علاقاتها الاقتصادية مع طهران، مؤكدة مواصلتها بناء محطة الطاقة النووية في مدينة بوشهر الإيرانية، ومواصلة العمل على تحويل مشروع تخصيب اليورانيوم في "فوردو" بمحافظة قم.

ورغم أن الخارجية الروسية، أعلنت في بيان، أنها "تتفهم" قرار إيران وقف بعض التزاماتها في الاتفاق النووي، إلا أنه بعد أيام من ذلك نصح الرئيس فلاديمير بوتين، إيران بالبقاء في الاتفاق النووي، بل ذهب أبعد من ذلك عندما قال "روسيا ليست فرقة إطفاء، ونحن غير قادرين على إنقاذ كل شيء، خاصة ما لا يعتمد على إرادتنا بالكامل".
ويحاول بوتين لعب دور الناصح والوسيط أكثر من دور الحليف القوي لإيران، فقد اتهم الأوروبيين بالعجز عن إنقاذ الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، قائلا "خرج الأميركيون والاتفاقية تنهار، فيما لا تستطيع الدول الأوروبية فعل أي شيء لإنقاذها، وعاجزون (الأوروبيون) عن القيام بعمل فعلي مع إيران للتعويض عن خسائرها في القطاع الاقتصادي".
وقال الرئيس الروسي إن "الأمر لا يعتمد علينا فقط، بل يعتمد على جميع الشركاء، جميع اللاعبين، بما فيهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإيران" وهو اعتراف يؤكد عدم قدرته على إنقاذ "الاتفاق النووي" من الانهيار أو فك الخناق الاقتصادي عن طهران. وتعكس تصريحات بوتين مدى افتقاد موسكو لكثير من الأوراق لحماية الاقتصاد الإيراني من الانهيار تحت ضغط العقوبات الأميركية، أو حتى إمكانية منع أي تدخل عسكري في إيران، لكنها في الوقت ذاته تبقى داعما دبلوماسيا مهما لطهران في مجلس الأمن، ومصدرا رئيسيا للأسلحة، وشريكا لا غنى عنه في إنتاج الطاقة النووية.

مصالحنا أولا
النصيحة لا تكلف بوتين شيئا 


أما الصين أكبر شريك اقتصادي لإيران بإجمالي 37 مليار دولار، فهي أكثر المتضررين من فرض عقوبات على طهران، خاصة وأنها تستورد منها أكثر من نصف مليون برميل نفط يوميا.
كما أن إيران تمثل سوقا يتجاوز 80 مليون مستهلك، مما يجعل الصين، الباحثة عن أسواق جديدة لاستيعاب صادراتها الضخمة، غير مستعدة للتخلي عن مصالحها مع طهران بسهولة.
وهو ما يفسر الموقف الصيني المعارض للعقوبات الأميركية، وتأكيد بكين أن علاقاتها بطهران "إستراتيجية"، لكن ليس واضحا إلى أي مدى يمكن للتنين الصيني تحدي النمر الأميركي.
ففي 17 مايو/أيار الماضي، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن بلاده تعارض فرض الولايات المتحدة عقوبات أحادية على إيران، وتقف ضد ما أسماه بـ"الصلاحيات الأميركية العابرة للحدود".
وشدد على أن "الصين وإيران، شريكان استراتيجيان، وينبغي على البلدين تعزيز التنسيق بينهما، سيما مع تطور الأوضاع الدولية والإقليمية بوتيرة سريعة".
وقبل توقيع الاتفاق النووي في 2015، كانت الصين اللاعب الرئيسي في الاقتصاد الإيراني، لكنها واجهت، بعد هذا التاريخ، منافسة قوية من شركات أوروبية دخلت السوق الإيرانية المتعطشة للمنتجات الغربية ذات الجودة العالية مقارنة بنظيرتها الصينية.
ويشكل انسحاب العديد من الشركات الأوروبية مؤخرا من الاستثمار في إيران تحت ضغط أميركي، فرصة للشركات الصينية للاستحواذ على مزيد من الحصص في هذا السوق الخصب، خاصة وأن إيران شريك رئيسي في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
لكن الصين، المعروفة بطابعها المهادن، تواجه مخاطر اقتصادية عالية في حال تمسكها بـ"شريكها الاستراتيجي"، فتهديدات ترامب جدية، ومصالح بكين مع واشنطن أكبر، فإن كانت الأولى "مصنع العالم"، فالثانية سوقه، وحجم المبادلات التجارية بينهما تصل لنحو 600 مليار دولار، قرابة 500 مليار دولار منها صادرات صينية إلى الولايات المتحدة.
وضغوط واشنطن على بكين كبيرة، خاصة بعد فرضها رسوم جمركية على الصادرات الصينية إلى أسواقها لتقليص الفجوة في الميزان التجاري، لكن أخطر من ذلك تحرش الولايات المتحدة بالشركات الصينية ذات الانتشار العالمي، والتي يسهل فرض عقوبات عليها، على غرار شركة "هواوي" للاتصالات.
ويظهر أثر الضغوط الأميركية على الشركات الصينية، إعلان شركة الصين الوطنية للبترول، ومجمع "سينوبك" الناشط في القطاعين النفطي والمصرفي ومجالات أخرى "تجميد الواردات النفطية من إيران وجميع العمليات هناك لفترة غير محددة"، وذلك في يناير/كانون الثاني 2018.
فالتنين الصيني، ورغم أنه يملك مصالح إستراتيجية مع إيران، إلا أن حسابات الربح والخسارة تجعله يعيد تقييم أولوياته، والبحث عن خيارات أخرى للالتفاف على العقوبات الأميركية، خاصة وأن بكين تتميز بمرونة في الدفع من خلال مقايضة السلع أو استعمال العملات المحلية في المبادلات التجارية.
وعلى عكس الدعم الروسي لإيران في مواجهة عقوبات ترامب والذي طالما كان براغماتيا، حيث ترفض طهران أن تكون مجرد تابع لحلفائها الروس، فإن الاقتصاد الصيني يعد تكامليا مع الاقتصاد الإيراني.
وبين الدعم الروسي الغير مضمون وارتباط الصين بمصالحها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، قد تتحول إيران إلى ساحة صراع وسوق للمزايدات والمراهنات بين العمالقة الكبار، في ظل سياسة ترامب التصادمية مع القوى المنافسة في العالم.