لا بديل عن الحريري ولا قبول به في الشارع اللبناني

رئيس الوزراء المستقيل يبدو الأوفر حظا لتسميته رئيسا لحكومة جديدة لكن مع بقاء الخلافات السياسية على حالها بشأن تشكيلة الفريق الوزاري.

بيروت - من المتوقع تسمية سعد الحريري لرئاسة وزراء لبنان الاثنين لكن الخلافات السياسية ستعرقل فيما يبدو الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة تشتد الحاجة إليها لإنقاذ البلاد من أزمة اقتصادية مروعة.
وتجمع آلاف من المتظاهرين مجدداً مساء الأحد في وسط بيروت، غداة مواجهات أوقعت عشرات الجرحى وتُعدّ الأعنف مع قوات الأمن منذ انطلاق الاحتجاجات غير المسبوقة ضد السلطة السياسية قبل شهرين.
ويعارض المتظاهرون، الذين يطالبون بحكومة اختصاصيين مستقلة عن الطبقة السياسية، إعادة تسمية الحريري، الذي يبدو الأوفر حظًا، بعدما تعثّر التوافق على أسماء بديلة تم تداولها في الأسابيع الماضية.
وينظر الساسة إلى الحريري على أنه المرشح الوحيد للمنصب. واستقال الحريري من رئاسة الوزراء في أكتوبر/تشرين الأول تحت وطأة الاحتجاجات على النخبة السياسية التي شابها الفساد وسوء الحكم لعشرات السنين.
لكن الحريري على خلاف مع جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران وحلفائها بمن فيهم الرئيس ميشال عون بشأن تشكيل الحكومة المقبلة.

سيتم اختيار الحريري على الأرجح إلا إذا حدثت أي مفاجأة في اللحظات الأخيرة

ولبنان في حاجة ماسة إلى حكومة جديدة لإخراجه من الأزمة الاقتصادية الأسوأ منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. ويقول المانحون الأجانب إنهم لن يقدموا مساعدات إلا بعد أن تشكل البلاد حكومة يمكنها تطبيق الإصلاحات.
ويريد الحريري تشكيل حكومة من الخبراء يقول إنهم ستكون لديهم القدرة على التعامل مع الأزمة وجذب المساعدات الأجنبية بينما يريد خصومه مزيجا من الخبراء والسياسيين.
ورغم الخلاف، فمن المقرر أن تجرى مشاورات عون الرسمية مع النواب لاختيار رئيس الوزراء الاثنين بعد تأجيلها من الأسبوع الماضي.
وقال مصدر مقرب من الحريري لوكالة رويترز للانباء "يجب أن يكون واضحا لأي شخص يرشح الحريري غدا أنه سيشكل حكومة خبراء فحسب".
وعون بحاجة لاختيار مرشح يحظى بأكبر دعم من نواب البرلمان البالغ عددهم 128.
وبرغم أنه من غير الواضح كم عدد النواب الذين سيدعمون الحريري، قالت مصادر سياسية إنه سيتم اختياره على الأرجح باستثناء إذا حدثت أي مفاجأة في اللحظات الأخيرة.
وفشلت المحاولات السابقة للتوصل لاتفاق على مرشحين آخرين لمنصب رئيس الوزراء وهو المنصب الذي يجب أن يشغله سني بموجب نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان.

ساحة حرب في بيروت قبيل مشاورات تسمية رئيس الحكومة
ساحة حرب في بيروت قبيل مشاورات تسمية رئيس الحكومة

ورغم الاحتجاجات غير المسبوقة والنداءات الدولية للإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ تحظى بثقة الشارع، تبدو السلطة السياسية بعيدة من تحقيق مطالب المتظاهرين، فيما تعاني البلاد من انهيار مالي واقتصادي يُهدد اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم.
وتجمّع الآلاف تدريجياً في ساحتي رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت الاحد، وفي مناطق عدة أبرزها طرابلس شمالاً، وسط انتشار كثيف لقوات الأمن ومكافحة الشغب. وحملوا الأعلام اللبنانية ورددوا هتافات مناوئة للسلطة ومنددة بالقوة المفرطة التي استخدمتها قوات الأمن ليلاً.
وتسببت الصدامات ليل السبت الأحد بإصابة أكثر من خمسين بجروح تمّ نقلهم إلى المستشفيات بينما تمت معالجة أكثر من تسعين آخرين في وسط بيروت، وفق الصليب الاحمر اللبناني والدفاع المدني. وتنوّعت الإصابات بين مشاكل في التنفّس وحالات إغماء وإصابات جراء الرشق بالحجارة.
وأعلنت قوى الأمن الداخلي من جهتها اصابة العشرات في صفوفها.
ورغم ان قوات الأمن والجيش سبق أن استخدمت القوة للتصدي للمتظاهرين، إلا أن حصيلة جرحى السبت هي الأعلى على الاطلاق.
وبعد ساعات من مطالبة وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن قيادة قوى الأمن الداخلي بـ"إجراء تحقيق سريع وشفاف لتحديد المسؤولين" عما جرى ليلاً، جال المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في وسط بيروت بين المتظاهرين.

رجال بلباس مدني بعضهم ملثم انضموا لقوات الأمن في مهاجمة واعتقال المتظاهرين بعنف 

وقال للصحافيين "جئت أقف أمام العسكر حتى أنبّههم الى أن الموجودين هنا هم أهلنا.. ولا نتعرض لهم بأي أسلوب عنفي".
وتوجّه للمتظاهرين الذين صافحه عدد منهم وعاتبه آخرون عما جرى "عليكم أن تحافظوا على سلميتكم، حتى نتمكن نحن رجال القانون من أن نقوم بواجباتنا" مضيفاً "المطلوب منا جميعاً أن نكون سلميين".
وبدت شوارع وسط بيروت ليلاً أشبه بساحة حرب، وشهدت كراً وفراً بين المتظاهرين وقوات الأمن استمر حتى ساعات الفجر الأولى.
وبدأت المواجهات مع تصدي حرس البرلمان التابع لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وقوات مكافحة الشغب لمتظاهرين، حاولوا اختراق حواجز موضوعة عند شارع يؤدي إلى ساحة تضم مقر البرلمان، بالضرب المبرح. وردّ المتظاهرون برشق عناصر الأمن بالحجارة وإطلاق هتافات معادية لها ولبري والحريري.
واستقدمت قوات مكافحة الشغب آلية لاطلاق قنابل مسيّلة للدموع، تساقطت كالمطر على المتظاهرين. وأطلقت الرصاص المطاطي لتفريقهم، وفق ما بثّته شاشات تلفزة محلية.
وتداول متظاهرون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر أشخاصاً مقنعين أو بلباس مدني وهم يضربون المتظاهرين بوحشية.
ونبهت وزيرة الداخلية في بيانها الأحد المتظاهرين "من وجود جهات تحاول استغلال احتجاجاتهم المحقة أو التصدي لها بهدف الوصول الى صدام بينهم وعناصر القوى الأمنية، من أجل أهداف سياسية"، متحدّثة عن "دخول عناصر مندسة" في صفوفهم.
وندّدت الباحثة في منظمة العفو الدولية ديالا حيدر عبر تويتر بـ"استخدام قوات الأمن الليلة الماضية للقوة المفرطة" لتفريق المتظاهرين، معتبرة أن ظهور "رجال بلباس مدني، بعضهم ملثم انضموا إلى قوات الأمن في مهاجمة المتظاهرين بعنف واعتقال عدد منهم وسحب بعضهم عبر الشوارع، أمر مقلق للغاية".
ويجري الرئيس عون صباح الإثنين استشارات نيابية لتسمية رئيس الحكومة، بعد تأجيل لأسبوع جراء عدم تمكن القوى السياسية الرئيسية من التوافق.
وقبل يومين، أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أبرز خصوم الحريري سياسياً أنه لا يعارض ترؤسه للحكومة المقبلة أو من يسميه، على أن يشكل حكومة لا تقصي أي فريق سياسي رئيسي، في حين يقول المتظاهرون إنهم يريدون حكومة مستقلة عن الطبقة السياسية.
وفي ساحة الشهداء وسط بيروت، ردّد متظاهرون هتافات رافضة لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة بينها "مش راجع، مش راجع، سعد الحريري مش راجع"، و"نحن الشعب توحّدنا، كل هالطاقم ما بدنا" في اشارة الى مطلبهم برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.
ويحمل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية التدهور الاقتصادي الكبير وتراجع قيمة الليرة اللبنانية وخسارة الآلاف وظائفهم وجزءاً من رواتبهم خلال الأسابيع الأخيرة، مع عجزهم عن تشكيل حكومة انقاذ.