لا حرب مع إيران لكن الأيادي على الزناد

استهداف ناقلات نفط في خليج عُمان يلقي بظلال ثقيلة على الوضع في منطقة الخليج في مشهد يزداد قتامة منذرا بتصعيد أخطر ما لم توقف إيران أنشطتها التخريبية.

تشكيل جوي سعودي أميركي يحلق فوق أجواء الخليج
بومبيو: لا شك في أن إيران مسؤولة عن الهجمات في بحر عُمان
واشنطن لم تستبعد الخيار العسكري ضدّ إيران لكنها تفضل الدبلوماسية
ولي العهد السعودي: لا نرغب في حرب مع إيران لكننا مستعدون لها
تعهدات أميركية بضمان حرّية الملاحة عبر ممرات الشحن المائية الحيوية
موسكو تدعو إلى تقييم مسؤول للهجوم في بحر عُمان

الرياض/واشنطن - قالت الرياض وواشنطن إنهما لا تريدان حربا مع إيران لكنهما مستعدتان لها، فيما أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن الدبلوماسية مستمرة في التعاطي لكبح أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

وتأتي هذه التطورات بينما بدأت السعودية والولايات المتحدة اليوم الأحد تسيير دوريات جوية مشتركة فوق منطقة الخليج في مهمة تأتي على وقع تفاقم التوترات بين واشنطن وطهران وفي ظل تصعيد إيراني خطير استهدف إرباك الملاحة البحرية في خليج عمان باستهداف ناقلات نفط للمرة الثانية في غضون فترة قصيرة.

وأعلنت الرياض أن "طائرات القوات الجوية الملكية السعودية والقوات الجوية الأميركية من نوع ف-15 سي تحلق في تشكيل مشترك فوق منطقة الخليج العربي".

وأوضحت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أن الطائرات تساندها أخرى تزودها بالوقود جوا، قائلة إن التشكيل الجوي بمنطقة الخليج يأتي في إطار "مهمة تهدف إلى الاستمرار في تعزيز بناء العلاقات العسكرية والعمل المشترك بين الطرفين".

ولم يقدم المصدر السعودي تفاصيل أكثر حول طبيعة تلك المهمة ولم يصدر عن الجانب الأميركي بيانا بشأن مهام التشكيل الجوي.

لكن هذه المهمة تأتي في ظل التوترات التي تخيم منذ مدة على منطقة الخليج بين الولايات المتحدة وإيران وعلى ضوء اعتداءات إرهابية استهدفت ناقلات نفط في مناسبتين بمضيق هرمز وخليج عُمان اتهمت واشنطن الحرس الثوري بتنفيذها وأيضا هجمات نفذها الحوثيون المدعومون من طهران بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة إيرانية الصنع على أهداف في المملكة.

ودفعت إيران الوضع في المنطقة إلى حافة المواجهة العسكرية ضمن تكتيك يستهدف خلق حالة من البلبلة عالميا والتشويش على استقرار سوق النفط العالمية في رسائل مفادها أنها قادرة على زعزعة أمن المنطقة والاقتصاد العالمي.

لكن وزير الخارجية الأميركي أعلن اليوم الأحد أن الولايات المتحدة لا ترغب في حرب مع إيران وأن الدبلوماسية مستمرة في التعاطي مع التصعيد الإيراني.

وأكد بومبيو أنه على الرغم من أن إيران مسؤولة "بلا شك" عن الهجمات التي استهدفت ناقلتين الأسبوع الماضي إلا أن الولايات المتحدة لا تريد حربا مع طهران.

وفي مقابلة مع برنامج 'فوكس نيوز صنداي' قال "بذل الرئيس ترامب كل ما في وسعه لتجنب الحرب. لا نريد الحرب"، لكنه أضاف أن واشنطن ستضمن حرية الملاحة عبر ممرات الشحن الحيوية.

وتابع "ستتأكد الولايات المتحدة من اتخاذ كل الإجراءات الضرورية الدبلوماسية وغير الدبلوماسية لتحقيق تلك النتيجة".

وقال بومبيو الذي ترأس وكالة المخابرات المركزية قبل أن يصبح وزيرا للخارجية "أجهزة المخابرات لديها الكثير من البيانات والكثير من الأدلة. سيرى العالم الكثير منها"، مضيفا أنه لا يرغب في مناقشة الخطوات القادمة التي قد تتخذها الولايات المتحدة ردا على أحداث الأسبوع الماضي.

وعندما سئل عن احتمال إرسال ترامب المزيد من القوات الأميركية والعتاد العسكري إلى المنطقة قال "إيران لن تحصل على أي سلاح نووي. هذا هو الهدف".

وأضاف "أجريت عددا من الاتصالات مع مسؤولين في أنحاء العالم أمس (السبت). أنا واثق أنه سيكون لدينا شركاء يتفهمون هذا الخطر".

ولم تستبعد الولايات المتحدة الخيار العسكري للرد على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة لكنها لاتزال تقدم الحل الدبلوماسي للأزمة متمسكة في الوقت ذاته بإبقاء الضغوط العسكرية والاقتصادية على طهران لجرّها لتفاوض جديد أشمل على برنامجها النووي وبرنامجها للصواريخ الباليستية يتضمن قيودا صارمة من شأنها كبح تلك الأنشطة وتجفيف منابع تمويل وكلاء الجمهورية الإسلامية في المنطقة.

وتتشارك واشنطن والرياض الموقف ذاته، حيث قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة تنشر تفاصيلها اليوم الأحد، إن السعودية "لا تريد حربا في المنطقة"، لكنها "لن تتردد" في التعامل مع أي تهديد لسيادتها.

وجاءت تأكيدات الأمير محمد ضمن حوار صحفي ينشر الأحد في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، حسب ما ذكرت الصحيفة ورئيس تحريرها غسان شربل في تغريدات على تويتر مساء السبت.

والخميس الماضي، قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، إن بلاده تتفق مع واشنطن في مسؤولية إيران عن استهداف ناقلتي نفط في خليج عُمان قرب مضيق هرمز.

أنشطة إيران التخريبية تدفع المنطقة لحافة الحرب
أنشطة إيران التخريبية تدفع المنطقة لحافة الحرب

ويأتي الحادث الأخير بعد شهر من إعلان الإمارات تعرض 4 سفن شحن تجارية لعمليات تخريبية قبالة ميناء الفجيرة، فيما أكدت الرياض، تعرض ناقلتين سعوديتين لهجوم تخريبي، وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي، قرب المياه الإقليمية للإمارات.

وحمّلت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) في مايو/أيار الماضي، إيران المسؤولية عن تلك الهجمات، فيما وصفت الأخيرة اتهامها باستهداف السفن بأنه "أخبار كاذبة"، نافية أي علاقة لها بتلك العملية.

وإلى جانب تحليق مقاتلات سعودية وأميركية فوق منطقة الخليج، أعلنت الكويت اليوم الأحد، عقد الاجتماع التخطيطي الأول للمناورة العسكرية "حسم العقبان 2020"، بحضور ممثلين لهيئة العمليات بمشاركة لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والولايات المتحدة.

ولم يسم مصدر رسمي كويتي، الدول الخليجية المشاركة بالإسم، إلا أن مجلس التعاون الخليجي يضم 6 دول هي السعودية والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والكويت.

وليس واضحا ما إذا كانت قطر ستشارك في هذه المناورة حيث تواجه عزلة بعد إعلان ثلاثة دول خليجية هي السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر مقاطعة الدوحة في يونيو/حزيران 2017 لتورطها في دعم وتمويل الإرهاب.

وأوضحت وزارة الدفاع الكويتية في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية، أن الاجتماع يهدف للتحضير والإعداد للمرحلة التنفيذية للتمرين الذي سيجري في مارس/آذار 2020، مشيرة إلى أن الاجتماع يسعى لتعزيز التعاون والتنسيق العسكري المشترك وتطويره.

وقالت إن التمرين يعتبر من سلسلة تمارين 'حسم العقبان' التي بدأت عام 2000 عندما استضافت البحرين المناورة، مشيرة إلى أن الكويت تستضيفها للمرة الثالثة على التوالي.

وشهدت الأشهر الأخيرة اجتماعات تضم ممثلين لدول مجلس التعاون الخليجي بحضور قطري رغم استمرار الأزمة الخليجية التي اندلعت في منتصف العام 2017.

ولايزال الهجوم الأخير على ناقلتي نفط نرويجية ويابانية في بحر عُمان قرب مضيق هرمز يلقي بظلال ثقيلة على الوضع في المنطقة بالنظر لخطورته على أمن الملاحة البحرية في الممرات المائية الحيوية التي يمر عبرها خمس إمدادات النفط للسوق العالمية، فيما تستمر جهود متعددة لتهدئة التوتر.

ودعت الرئاسة الروسية (الكرملين) اليوم الأحد، إلى إجراء تقييم مسؤول في الهجوم على ناقلتي النفط. وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، إنّ "موسكو تدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس وإلى تقييم مسؤول لحادثة خليج عُمان والتريث إلى حين الحصول على بيانات مؤكدة"، وفق قناة 'روسيا اليوم'.

واتهمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، إيران بتنفيذ الهجوم على ناقلتي النفط في خليج عمان.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت إن الاتهام مبني على "استنتاجات استخباراتية".

وكان الجيش الأميركي نشر الجمعة، مقطعا مصورا قال إنه لمجموعة من الحرس الثوري الإيراني تقوم بنزع لغما غير منفجر من هيكل إحدى الناقلتين اللتين تعرضتا للهجوم.

وقالت الشركتان المشغلتان لناقلتي نفط معطوبتين بعد هجمات استهدفتهما في خليج عُمان إن عمليات تقييم الأضرار التي لحقت بالناقلتين تجري قبالة ساحل الإمارات قبل تفريغ حمولتيهما.

استهداف ناقلات النفط قرب مضيق هرمز تصعيد إيراني خطير في توقيته ومكانه وأهدافه
استهداف ناقلات النفط قرب مضيق هرمز تصعيد إيراني خطير في توقيته ومكانه وأهدافه

وأعلنت شركة برنارد شولته شيب مانجمنت أن تقييم مدى الأضرار التي لحقت بالناقلة اليابانية كوكوكا كاريدجس والاستعداد لنقل شحنتها لسفينة أخرى سيبدأ بعد استكمال سلطات إمارة الشارقة لعمليات الفحص الأمنية.

والناقلة الثانية التي تعرضت للهجمات يوم الخميس هي الناقلة النرويجية فرنت ألتير.

وتظهر بيانات رصد مسارات السفن من رفينيتيف أيكون أن فرنت ألتير متوقفة قبالة ساحل ميناء خورفكان في الشارقة أما كوكوكا كاريدجس فهي متوقفة قبالة ميناء كلباء في ذات الإمارة.

وقالت شركة برنارد شولته في بيان "طاقمنا يظل على متن كوكوكا كاريدجس. إنهم في أمان وبصحة جيدة".

وأعاد الأسطول الخامس الأميركي ومقره البحرين، الطاقم المؤلف من 21 فردا إلى الناقلة بعد إنقاذهم عقب الهجوم.

ومن المقرر أن يقوم فريق من الخبراء بفحص الأضرار التي لحقت بالناقلة فرنت ألتير قبل اتخاذ قرار بشأن كيفية تفريغ شحنة النفتا التي على متنها. وقالت شركة فرنتلاين المشغلة لها اليوم الأحد إن تضرر الناقلة لم يسفر عن وقوع تلوث بحري.

ولم يتضح بعد من سيشارك في تقييم الأضرار التي لحقت بالناقلتين. وبعد الهجمات التي وقعت في 12 مايو/أيار فتحت الإمارات تحقيقا بالتعاون مع الولايات المتحدة والسعودية والنرويج وفرنسا التي لها قاعدة بحرية في الإمارات. وكانت سفينة مسجلة في النرويج من بين السفن الأربع المستهدفة في تلك الهجمات.

وقالت الإمارات إن التحقيق يظهر أن دولة هي المسؤولة عن هجمات الشهر الماضي دون ذكر الدولة صراحة، مشيرة إلى أن الهجمات نفذت على الأرجح باستخدام ألغام بحرية.

وزادت الهجمات من مخاوف اندلاع مواجهة أوسع نطاقا في المنطقة التي عززت فيها الولايات المتحدة بالفعل من وجودها العسكري في مواجهة ما وصفته بتهديدات إيرانية.

وتزايد التوتر بين واشنطن وطهران بعد انسحاب الولايات المتحدة العام الماضي من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015 وإعادة فرض عقوبات مشدّدة على طهران.