لا رادع للقوة المفرطة ضد المنتفضين على حكم البشير

واشنطن تحذّر النظام السوداني من أن الإفراط في استخدام القوة وترهيب الصحافيين والنشطاء يمكن أن يزعزع العلاقات، داعية إلى إجراء تحقيق في مقتل متظاهرين.
تجمع المهنيين السودانيين يدعو لتصعيد الاحتجاجات
القوة المفرطة أججت الاحتجاجات ضد حكم البشير
لا مؤشرات تشير إلى هدوء قريب للحراك الشعبي
الوصول إلى القصر الجمهوري في الخرطوم خط أحمر


الخرطوم - لا أخبار جديدة قادمة من السودان، فالاحتجاجات التي اندلعت في 19 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي لم تهدأ كما لم تهدأ قنابل الغاز المسيل للدموع في وجه المحتجين ومحاولات صدّ أي ترحك باتجاه القصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم والذي تحول محيطه إلى ما يشبه الثكنة العسكرية.

ولا جديد أيضا رافق عودة الرئيس السوداني من قطر إلا دعما لوحدة السودان واستقراره، فيما تستمر الاحتجاجات بوتيرة أحيانا سريعة وأحيانا أخرى بطيئة بدفع من الغاز المسيل للدموع وهراوات الشرطة السودانية.

واليوم الخميس أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات المشاركين في مسيرة حاولت الوصول إلى القصر الجمهوري في الخرطوم في وقت كثف فيه المتظاهرون تحركهم للمطالبة برحيل الرئيس عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ ثلاثين عاما.

وانطلقت الحركة الاحتجاجية بعد قرار الحكومة السودانية رفع أسعار الخبز في العام الماضي لثلاثة أضعاف ما كانت عليه في بلد يعيش ركودا اقتصاديا وأزمة مالية خانقة، لتتحول من حراك اجتماعي على غلاء المعيشة وانعدام الخبز إلى انتفاضة تطالب برحيل النظام.

والتظاهرات شبه اليومية التي يردد خلالها المحتجون هتاف "حرية سلام عدالة"، تحولت بسرعة ضد سلطة البشير الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ توليه السلطة على إثر انقلاب في 1989.

وتفيد حصيلة رسمية بأن 26 قتيلا سقطوا في هذه التظاهرات فيما تلقي السلطات باللوم على محرضين تقول إنهم تسللوا بين صفوف المتظاهرين.

لكن الرئيس السوداني نفسه وصف المحتجين بالخونة والعملاء بعد أن رفع المحتجون سقف مطالبهم بأن طالبوا برحيله عن الحكم.

وتؤكد منظمات حقوق الإنسان أن أكثر من 40 شخصا من بينهم عاملون في المجال الصحي قتلوا في اشتباكات مع قوات الأمن منذ اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018.

وأثارت حملة السلطات الأمنية انتقادات بريطانيا وكندا والنرويج والولايات المتحدة التي حذرت الخرطوم من "تداعيات" ما تقوم به على العلاقات مع حكوماتها.

وسعى اتحاد المهنيين السودانيين الذي يقف في الصف الأول من الاحتجاج، إلى تعزيز الضغط الخميس بدعوة جديدة إلى التظاهر في جميع أنحاء البلاد.

وقال في بيان إنه يدعو "شعبنا إلى التجمع في 17 مكانا في الخرطوم وأم درمان والسير باتجاه القصر الجمهوري".

وينظم المتظاهرون مسيرات شبه يومية في الخرطوم وأم درمان المجاورة على الضفة الغربية لنهر النيل.

والخميس بدأ مئات المتظاهرين في التجمع في حي بوري بالعاصمة لكن شرطة مكافحة الشغب واجهتهم بالغاز المسيل للدموع، بحسب شهود عيان.

وهتف رجال ونساء نزلوا إلى شوارع الخرطوم "يا نموت زيهم يا نجيب حقهم"، في إشارة إلى قتلى التظاهرات.

ودعا اتحاد المهنيين السودانيين الذي يضم عددا من النقابات التي تمثل أطباء ومعلمين ومهندسين، إلى التظاهر في جميع أنحاء البلاد.

وأطلقت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع على متظاهرين في أم درمان، فيما وردت أنباء عن تظاهرات في ولاية الجزيرة وبلدة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر وفي إحدى قرى ولاية الشمالية وفي ولاية القضارف، بحسب شهود عيان.

وفي بورتسودان قتل أحد عناصر جهاز الاستخبارات السوداني الذي يواجه التظاهرات المناهضة للحكومة بإجراءات قمعية، في اشتباك مع مجموعة من الجنود في ساعة متأخرة الأربعاء، وفقا للشرطة.

الشرطة السودانية تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين
الخرطوم تتجاهل تحذيرات دولية من استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين

ولم يتضح سبب الاشتباك على الفور، لكن الشرطة أكدت الخميس بأنه "تم احتواء الموقف من قبل قيادة الطرفين والأوضاع الأمنية الآن بالولاية مستقرة".

وقال شهود عيان إن العديد من القرى على طول الطريق السريع الذي يربط الخرطوم بمدينة مدني (وسط) شهدت احتجاجات في الشارع.

ونزل المئات إلى شوارع حي بوري في العاصمة والذي يشهد احتجاجات شبه يومية وهم يهتفون "حرية، حرية" و"ثورة ثورة".

وقطعت مجموعة من المتظاهرين جميع الطرق المؤدية إلى الحي بجذوع الأشجار والأنابيب الحديدية والأحجار الكبيرة والإطارات المشتعلة، بحسب شهود عيان. وتصاعد الدخان الأسود الكثيف في سماء بوري.

وقال أحد المتظاهرين دون الكشف عن اسمه لأسباب أمنية "اليوم الشرطة خففت من استخدام القوة، لكن حتى لو استخدمت المزيد من القوة لا نبالي"، مضيفا "سنحقق هدفنا وهو الإطاحة بالنظام".

وجرت محاولات عدة سابقة للقيام بمسيرة إلى القصر الجمهوري فرقتها شرطة مكافحة الشغب بالغاز المسيل للدموع. وطلبت العديد من الشركات والمتاجر في الخرطوم من موظفيها المغادرة قبل بدء التظاهرات، فيما التحق عدد قليل من التلاميذ بمدارسهم.

وخرجت أول تظاهرة في عطبرة في شمال شرق السودان في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 بسبب رفع أسعار الخبز.

وسرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى الخرطوم ومدن رئيسية أخرى، فيما صب المتظاهرون غضبهم على الحكومة.

ويعاني السودان من أزمة اقتصادية يؤججها نقص حاد في العملات الأجنبية وانكماش متصاعد أدى إلى مضاعفة أسعار الغذاء والدواء.

واتهم البشير وغيره من المسؤولين السودانيين واشنطن بأنها السبب في مشكلات البلاد الاقتصادية.

وفرضت واشنطن حظرا تجاريا على الخرطوم في 1997 لم يتم رفعه إلا في أكتوبر/تشرين الأول 2017. وفرضت قيودا على السودان في مجال التجارة الدولية والتعاملات المالية.

والأربعاء دعت واشنطن إلى إجراء تحقيق في مقتل متظاهرين، محذرة الخرطوم من أن الإفراط في استخدام القوة وترهيب الصحافيين والنشطاء يمكن أن يزعزع العلاقات.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية روبرت بالادينو في بيان "إن قيام علاقة جديدة أكثر إيجابية بين الولايات المتحدة والسودان يتطلب إصلاحا سياسيا ذا مغزى وتسجيل تقدم واضح ومستمر في مجال احترام حقوق الإنسان".