لا قدرة لإسرائيل على تحمل كلفة اجتياح وإعادة احتلال غزة

الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تدرك أن قطع رأس حماس يتطلب أكثر من مجرد عملية عسكرية قصيرة الأمد، وفي نفس الوقت يشكل شن حملة أوسع نطاقاً مجموعة من التحديات للسلطات الإسرائيلية ليس من المؤكد أنها تستطيع تحملها.
هجوم حماس يوحد المشهد السياسي المتنوع والمتخاصم في إسرائيل
التعاطف الدولي مع إسرائيل قد يتلاشى مع التكلفة الإنسانية المرتفعة لدخول غزة
قيادة حماس تواجه تهديداً لم يسبق له مثيل

القدس - لا صوت يعلو في إسرائيل اليوم عن صوت الانتقام، وتتفق التصريحات النارية للمسؤولين رغم اختلافاتهم السياسية، على ضرورة قطع رأس حماس وإنهاء التهديد الذي تشكله بشكل نهائي، لكن هذه المهمة التي تعني اجتياح قطاع غزة وبالرغم من إعلان الجيش جاهزيته لهذا الخيار، إلا أن ذلك يعني أن على اسرائيل دفع ثمن ليس بالقليل.

وتدرك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ فترة طويلة أن قطع رأس حماس يتطلب أكثر من مجرد عملية عسكرية قصيرة الأمد لمرة واحدة، وفي نفس الوقت يشكل شن حملة أوسع نطاقاً مجموعة من التحديات للسلطات الإسرائيلية، إذ أن قرار الانسحاب وإخلاء القطاع في عام 2005، بعد عقود من احتلالها للقطاع في عام 1967، لم يكن اعتباطيا.

ووعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإطلاق العنان للغضب والانتقام، فاستدعى 300 ألف جندي احتياط وألمح إلى توغل بري وشيك. وحذر سكان غزة في مناطق حماس من الخروج، بينما احتشدت قوات الجيش الإسرائيلي على الحدود مع غزة استعدادا.

ومع ذلك، فإن أي توغل بري يسعى إلى إضعاف حماس بشكل دائم، لا يتطلب الدخول فحسب بل إعادة احتلال القطاع. وبالتالي فإن إسرائيل تواجه معضلة فمن دون وجود قوات على الأرض لا يمكنها إيقاف حماس، لكن الوجود على الأرض لا يعني فقط إنفاق مبالغ ضخمة من المال لتحمل المسؤولية عن الفلسطينيين في مرحلة ما بعد الصراع، بل يعني أيضًا خسارة الكثير من الأرواح على كلا الجانبين.
وترى الكاتبة انكل فورا في مقال لمجلة فورين بوليسي الأميركية، أنه رغم أن نتنياهو قد لا يعترف بذلك، فمن المرجح أنه يدرك أن حماس لديها شريان حياة يتمثل في الرهائن الإسرائيليين لديها. وطالما بقي المواطنون الإسرائيليون في أيدي حماس، فإن نتنياهو سيتعرض لضغوط للتفاوض في نهاية المطاف على إطلاق سراحهم، كما حدث في عام 2011، حين أطلقت الحكومة الإسرائيلية سراح أكثر من ألف سجين فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي أسره مسلحون فلسطينيون دخلوا إسرائيل عبر نفق.

ويمثل إنقاذ الرهائن الإسرائيليين أولوية بالنسبة لإسرائيل، ولكن هذا ليس سوى واحد من الأسباب العديدة التي تمنع إسرائيل من القيام بتوغل بري نهائي، وهو الأمر الذي  فكرت فيه منذ فترة طويلة وقررت عدم القيام به.
وأسرت حماس عددًا كافيًا من الإسرائيليين للمطالبة بالإفراج عن جميع الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وقال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في تصريحات صحافية "ما في أيدينا هو إطلاق سراح جميع أسرانا".  وهناك أكثر من 5000 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية. ويشمل ذلك 33 امرأة و170 قاصراً، وفقاً لمنظمة الضمير، وهي منظمة غير حكومية تعنى بحقوق السجناء.

 

وجود إسرائيل على الأرض في غزة لا يعني فقط إنفاق مبالغ ضخمة لتحمل المسؤولية عن الفلسطينيين في مرحلة ما بعد الصراع، بل يعني أيضًا خسارة الكثير من الأرواح على كلا الجانبين.
 

وفقا لتقرير نشرته لأول مرة وكالة الأنباء الصينية شينهوا، فإن قطر تتوسط في اتفاق بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليات مقابل الأسيرات الفلسطينيات. وقال مصدر مجهول لوكالة أنباء ((شينخوا)) "بدعم أميركي، تسعى قطر إلى إنجاز اتفاق عاجل".

لكن حتى الآن لا توجد كلمة رسمية بشأن أي صفقة من هذا القبيل. خصوصا أن  القوات الإسرائيلية نجحت في اعتقال أحد كبار قادة حماس، وهو محمد أبو غالي، نائب قائد الفرقة الجنوبية من القوة البحرية التابعة لحماس. كما أنهم يمارسون الضغوط على قيادة حماس من خلال منع إمدادات غزة من الغذاء والوقود والكهرباء.

ومع ذلك، فإن الضغوط مرتفعة في إسرائيل ليس فقط من أجل الانتقام من حماس، بل أيضاً من أجل تحقيق انتصار استراتيجي مهم. وقال العقيد المتقاعد عيران ليرمان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، "لقد تم ذبح مدنيينا، لا يمكننا أن نعيش في ظل هذا التهديد المدمر".
و قبل عامين، في صراع سابق بين الجيش الإسرائيلي وحماس، دعا ليرمان إلى رد فعل أكثر حذرا. وقال حينها: "يجب تدمير قدرات حماس، ولكن ليس إلى الصفر، فهذه كانت فكرتنا، إيران وحزب الله هما التهديد الأكبر، ويجب أن نواصل التركيز عليهما".

حماس أثبتت مرارا أنها قادرة على تكييف وبناء الصواريخ في ورش العمل المحلية بالاعتماد على المنتجات المستخدمة يوميا.

وحتى الإسرائيليون الليبراليون نسبياً والمطالبون بالسلام بدأوا يعبرون عن تحول في وجهة نظرهم في أعقاب الهجوم الأخير الذي شنته حماس.
لقد صدم حجم هذا الهجوم إسرائيل وعملت على توحيد المشهد السياسي المتنوع والمتخاصم، حيث يسعى كثيرون الآن إلى إيجاد حل دائم لمشكلة حماس.
وبالنسبة للكثيرين يعني هذا إخراج حماس بالكامل من ملاذها في غزة. وقال ليرمان إن إسرائيل لم تعد قادرة على السماح لحماس بالتواجد في غزة، ليس بعد "الهجوم القاتل" الأخير على إسرائيل.
كما قال حاييم ريجيف، سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إن إسرائيل "لا يمكنها التسامح" مع مثل هذه الهجمات.

وكما في الماضي، تستطيع إسرائيل أن تقصف المباني والبنية التحتية في غزة التي تستخدمها حماس، مثل شبكة الأنفاق تحت الأرض. لكن الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع هي دليل على أن هذه التدابير لم تكن كافية لردع حماس التي تعثر دائما على طريقة لتقوية قدراتها بالإمكانيات البسيطة الموجودة لديها، لذلك سيحتاج الجيش الإسرائيلي الدخول إلى غزة - بدعم من الاستخبارات والقوة الجوية  وتمشيط كل حي وكل منزل. ووحدها التكلفة الإنسانية لمثل هذه الخطوة يمكن أن تكون كافية لردع إسرائيل.

كما أن التعاطف الذي اكتسبته إسرائيل هذا الأسبوع، على الرغم من النظر إليها في كثير من الأحيان باعتبارها دولة معتدية في الصراع عازفة عن تقديم التنازلات وإحلال السلام، قد يتراجع قريباً إذا لم يجد سكان غزة غير مقاتلي حماس مكاناً يذهبون إليه ويموتون بأعداد كبيرة في القصف الإسرائيلي.
 ومن الممكن أن يؤدي الصراع المسلح داخل الأراضي الفلسطينية الذي يهدد حياة سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة، إلى صراع أوسع نطاقا مع إيران أو وكيلها حزب الله، الذي استجاب بالفعل لدعوة حماس وشن بعض الهجمات على إسرائيل. بل وربما يؤدي ذلك إلى تأجيج المشاعر في الشارع العربي النائم، مما يجبر أصدقاء إسرائيل الجدد في العالم العربي على الوقوف إلى جانب الفلسطينيين وضد إسرائيل.

وخرجت مظاهرات في البحرين والمغرب وتركيا واليمن وتونس والكويت. وقتل سائحان إسرائيليان في مصر. وقال عبد المجيد عبد الله حسن، الذي انضم إلى مسيرة ضمت مئات الأشخاص في البحرين، لصحيفة نيويورك تايمز: "هذه هي المرة الأولى التي نفرح فيها بهذه الطريقة لإخواننا الفلسطينيين". وفي سياق الاحتلال والحصار الإسرائيلي، فإن عملية حماس "أثلجت قلوبنا".

ويمكن أن يكون التوغل البري المحدود أحد السبل للخروج. ويمكن للإسرائيليين أن يتدخلوا بسرعة ويدمروا المخزون الحالي والمصانع التي تصنع منها الصواريخ الكبيرة والمتوسطة الحجم. ولكن للتأكد من أن حماس لن تصنع أسلحة في المستقبل، يجب على الجيش الإسرائيلي أن يبقى في غزة. وقد أثبتت حماس مرارا وتكرارا أنها قادرة على تكييف وبناء الصواريخ في ورش العمل المحلية باستخدام المنتجات المستخدمة يوميا. على سبيل المثال، تقوم بتجميع صواريخ القسام الخام ولكن الفعالة بأنابيب معدنية صناعية ووقود محلي الصنع من سماد نترات البوتاسيوم والمتفجرات التجارية.

لا شيء من هذا ينبغي أن يكون مفاجأة. لقد كان صحيحاً دائماً أنه ما لم يتمركز جيش الدفاع الإسرائيلي بشكل دائم داخل غزة، فإن إسرائيل لن تتمكن من احتواء تهديد حماس بشكل فعال.
وتقول الكاتبة في عام 2021، بينما كنت أبحث عن قدرات حماس، أخبرني مايكل أرمسترونج، الأستاذ المشارك لأبحاث العمليات في جامعة بروك في كندا والذي كتب عن الأداء التشغيلي للأسلحة التي تصنعها حماس، أنه ما لم يرغب الإسرائيليون في البقاء في غزة واحتلالها لن يتمكنوا حقاً من رؤية كيف يمكنهم نزع سلاح حماس.

إضافة إلى ذلك، فإن استهداف أعضاء حماس داخل غزة، يتطلب معلومات استخباراتية واسعة للغاية، والتي ربما لا تكون متاحة بسهولة كما يزعم الموساد.

وقلل ريجيف من أهمية نوايا إسرائيل تجاه حماس عندما تحدثت مع مجلة فورين بوليسي، واصفا إياها ببساطة بأنها "تدمر قدراتها"، بدلا من احتلال غزة.

ولكن في الوقت نفسه، من الآمن الافتراض أن إسرائيل لا تخادع هذه المرة. وحتى لو تم إطلاق سراح الرهائن بموجب عملية التبادل، فإن قيادة حماس تواجه تهديداً لم يسبق له مثيل. وبعض قادتها موجودون بالفعل في لبنان وقطر، في حين أنها كانت تعمل في الماضي أيضًا من تركيا. وربما يخطط المزيد من أعضائها الآن للهروب مع اشتداد الهجوم الإسرائيلي المضاد.