لبنانيون يحاولون اقتحام وزارة الاقتصاد احتجاجا على تردي أوضاعهم

المحتجون يقولون أن النظام السياسي اللبناني أصبح في عداد النظم السياسية الأكثر تخلفا، والشعب في عداد الشعوب الأكثر معاناة، نتيجة إمعان الحكومات المتعاقبة في احتكار السلطة والثروة.
اللبنانيون يؤكدون ان ازمتهم السياسية ادت الى ازمة اقتصادية خانقة
بطاقات تمويلية ستُمنح لـ 750 ألف عائلة لبنانية تعيش الفقر بعد التخلي عن الدعم
احزاب ترحب بالتخلي عن الدعم لصالح البطاقات التمويلية

بيروت - هاجم محتجون لبنانيون، الأحد، مبنى وزارة الاقتصاد في العاصمة بيروت، وحاولوا تحطيم بابه لاقتحامه، قبل أن تبعدهم قوات الأمن عن المكان.
واحتجاجا على استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، تجمع عشرات المحتجين في "ساحة الشهداء" وسط العاصمة بيروت قرب مبنى الوزارة، وقطعوا حركة السير في الطريق لبعض الوقت.
كما تجمع محتجون عند بعض مداخل مقر البرلمان، قرب "ساحة الشهداء"، مع وجود تعزيزات أمنية لمنع المتظاهرين من تجاوز جدران إسمنية وحديدية للمبنى.
ومنذ عام ونصف، يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وانهيار قدرتهم الشرائية.
وتزيد الأوضاع سوءا تداعيات كل من جائحة "كورونا" وانفجار كارثي بمرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب 2020، في بلد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
وتحت عنوان "الشعب يقرر"، نفذ نشطاء الأحد وقفة احتجاجية، أمام مبنى لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) وسط بيروت، للمطالبة بـ"سحب الثقة من المنظومة الفاسدة"، وفق شعاراتهم.
ويشهد لبنان، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، احتجاجات شعبية تتهم النخبة السياسية الحاكمة بـ"الفساد وانعدام الكفاءة".
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية عن وليد الأيوبي، المتحدث باسم المحتجين قوله، إن الشعب يواجه أخطار كبيرة، لا سيما بعد جريمة العصر المتمثلة بانفجار مرفأ بيروت.
وبحسب تقديرات رسمية، وقع الانفجار في عنبر بالمرفأ كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مصادرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014، ما أسفر عن 200 قتيل وأكثر من 6 آلاف مصاب، فضلا عن دمار مادي هائل بالأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.
وأضاف الأيوبي أن "النظام السياسي اللبناني أصبح في عداد النظم السياسية الأكثر تخلفا، والشعب في عداد الشعوب الأكثر معاناة، نتيجة إمعان الحكومات المتعاقبة في احتكار السلطة والثروة".
وجراء خلافات سياسية بين رئيس البلاد ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، يعجز لبنان عن تشكيل حكومة لتخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، والتي استقالت بعد 6 أيام من انفجار المرفأ.

لبنان المرهق ماليا يسعف فقراءه ببطاقة تمويلية لمواجهة الجوع
لبنان المرهق ماليا يسعف فقراءه ببطاقة تمويلية لمواجهة الجوع

وفي وقت بات معظم اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر، تسعى الحكومة إلى منحهم مساعدات مالية شهرياً، بواسطة "بطاقة تمويلية" ستُوزع عليهم، في حال وافق البرلمان على ذلك.
ويبلغ عدد اللبنانيين قرابة 4.2 ملايين نسمة داخل البلاد، و1.3 مليون خارجه، ولا يتيح المشروع حصول العائلات المقيمة خارج البلاد على تلك البطاقة.
وبحسب مصدر مقرب من رئاسة الحكومة، فإنها "أعدت مشروعاً ينص على دفع مساعدات مالية شهرياً بالدولار الأميركي ولمدة سنة كاملة، من خلال بطاقة تمويلية ستُمنح لـ 750 ألف عائلة لبنانية".
وأضاف المصدر مفضلا عدم الكشف عن هويته، كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، أن "المعدل الوسطي لقيمة البطاقة يبلغ شهرياً 137 دولارا".
وقال "المبلغ الذي سيتم تقديمه شهرياً بواسطة البطاقة شرط موافقة البرلمان، سيكون 53 دولاراً كحد أدنى، و185 دولاراً كحد أقصى، وذلك بحسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكل عائلة".
والشهر الماضي، أعلن رئيس البلاد ميشال عون أنه وقع إحالة مشروع قانون "معجّل" أعدته الحكومة إلى مجلس النواب، يرمي إلى إقرار البطاقة التمويلية، وتأمين الأموال اللازمة لها.
ومن المرتقب ان يُناقش البرلمان اللبناني مشروع الحكومة، خلال وقت لاحق من الشهر الجاري، ثم يصوت النواب عليه بالموافقة أم لا؛ إذ تبلغ قيمة المشروع، 1.235 مليار دولار.
وسيتم تأمين الأموال اللازمة للمشروع من الموازنة العامة للدولة، والبنك الدولي ودول مانحة (أجنبية وعربية)، حسب ما ينص مشروع الحكومة.
وتأتي هذه الخطوة من حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها حسان دياب، كخطوة تسبق عملية التوقف عن دعم أو ما يعرف بـ "رفع الدعم" بعض السلع الأساسية، كالوقود والأدوية وسلع أخرى.
وفي أبريل/نيسان الماضي، ربط دياب رفع الدعم عن السلع بتطبيق برنامج "البطاقة التمويلية"، محذراً من أن توقف الدعم ستكون له تداعيات خطيرة على معظم شرائح المجتمع اللبناني.
والدعم هو تغطية الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي (1515 ليرة) والسوق الموازية (13 ألف ليرة حالياً) من قبل مصرف لبنان المركزي، من أجل استيراد السلع الأساسية، بغية الحفاظ على سعرها منخفضاً في الأسواق.
وكانت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار مستقرة طيلة 20 عاماً عند حدود 1510، إلا أنها اهتزت لأول مرة في ديسمبر/ كانون الأول 2019 وبدأت تتدهور تدريجياً حتى وصلت إلى 13 ألف ليرة.
ويقول خبراء إن الدعم تسبب باستنزاف احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، حيث بلغت كلفته 6.2 مليارات دولار خلال عام 2020.
وسجل احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية انخفاضاً غير مسبوق منذ أواخر 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية، ويبلغ حالياً 16 مليار دولار مقارنة مع أزيد من 30 مليارا سابقا.
والشهر الماضي، قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن "الاحتياطيات الأجنبية التي تستخدم للدعم، توشك على النفاد، وإن استخدام الاحتياطي الإلزامي لتمويل واردات السلع الأساسية سيكون صعباً من الناحية القانونية".
والاحتياطي الإلزامي، هي مبالغ تمثل نسبة معينة من ودائع العملاء لدى البنوك، تكون محفوظة لدى البنك المركزي، ولا يتم استخدامها إلا في الحالات الطارئة، وبعد استنفاد رزمة من الخيارات الأخرى لتوفير السيولة.
في الحالة اللبنانية، تبلغ نسبة الاحتياطي الإلزامي 15 بالمئة تم خفضها مؤخرا إلى 14 بالمئة، من إجمالي الودائع، بينما بلغ في بلدان أخرى مثل الأردن 5 بالمئة، وفلسطين 9 بالمئة.
ورحب النائب عن حزب "التقدمي الإشتراكي" بلال عبدالله، بمشروع الحكومة، مشيرا إلى أن سياسة الدعم فشلت في مساعدة الفقراء، وبالتالي فإن البطاقة التمويلية تعتبر بديلا علميا ومنطقيا.

30 بالمئة فقط من أموال الدعم يستفيد منها الفقراء، أما الباقي فيذهب هدراً ويستفيد منه التجار ومهربي السلع الى الخارج

وأضاف أن "30 بالمئة فقط من أموال الدعم يستفيد منها الفقراء، أما الباقي فيذهب هدراً ويستفيد منه التجار ومهربي السلع الى الخارج، ولذلك يجب رفع الدعم عن السلع باستثناء الطحين والوقود والأدوية".

وحذر عبدالله من أن استمرار تعثّر تشكيل حكومة جديدة، قد يصعب تأمين الأموال اللازمة لتلك البطاقة من قبل الدول المانحة.
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، أنه في حال لم تؤمن الأموال اللازمة من الدول المانحة، فإن استبدال الدعم بالبطاقة التمويلية لن يوقف هدر احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي.
وأضاف مارديني أن الحكومة لن تستطيع رفع الدعم من دون بديل، لأن ذلك سيُسبب غضباً شعبياً واسعاً، ولذلك تم طرح فكرة البطاقة التمويلية.
وارتفعت نسبة الفقر في لبنان عام 2020 لتصل إلى 55 بالمئة من السكان، وفق لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا "إسكوا"، إلا ان التوقعات تشير أن النسبة ستكون مرتفعة أكثر في 2021.