لبنان "المنظّف".. بين العهد والزهراء

باريس تتتعاطى مع حزب الله على اعتبار أنه إيراني التوجه وتتشدد معه لممارسة ضغوط على طهران للإقلاع عن توجهاتها العدائية في أوروبا ولكن المشكلة ستنعكس على لبنان في حال سمحت قواه السياسية بتحويل المؤسسات الدستورية والرسمية إلى الجناح السياسي لحزب موسوم جناحه العسكري أوروبيا  بالإرهاب.

بقلم: فارس خشّان

نشر مواطن من الضاحية الجنوبية لبيروت على وسائل التواصل الاجتماعي شريطا مصورا لعمليات تنظيف الطريق المتسخ الذي يوصل إلى ملعب "العهد" لكرة القدم، قبيل انتقال وزير الخارجية جبران باسيل برفقة السفراء العاملين في لبنان، في محاولة تهدف إلى دحض مزاعم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بخصوص وجود أحد مصانع "حزب الله" لـ"الصواريخ الدقيقة".

وإذا كان هذا الفيديو يرمي إلى التعبير عن الغضب من السلطة التي تركت السكان فريسة للأوساخ حتى هذا اليوم الاستعراضي، إلا أنه في الوقت نفسه يسمح للمراقبين أن يعثروا على الصورة التي يمكنها أن تلخص الدور الوحيد المنوط بالحكومة في كل ما يتصل بأعمال "حزب الله": التنظيف.

في واقع الحال، فإن لبنان الرسمي في "الحرب الناعمة" المندلعة معركة جديدة من معاركها بين إسرائيل من جهة و"حزب الله"، بصفته أهم ذراع إيرانية في المنطقة، من جهة أخرى، لا يملك سوى السعي إلى تجنيب مرافئ لبنان العامة، يتقدمها مطار رفيق الحريري الدولي، من أن تكون على لائحة أهداف أي حرب محتملة في لحظة لا يتحكم هو بها لا من قريب ولا من بعيد.

لبنان الرسمي في هذه المرحلة، هو ضحية مغلوب على أمرها في منازلة "جودو" جديدة بين إسرائيل و"حزب الله"، ذلك أن الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وفي سياق محاولة سحب الذريعة التي يقدمها نتنياهو للغارات التي يشنها على مواقع إيرانية في سورية، أعلن أن حزبه بات يملك الصواريخ الدقيقة التي تخشى إسرائيل أن يمتلكها، فما كان من نتنياهو إلا أن استفاد من هذا الإعلان، ليوجه ضربة قاسية إلى لبنان، بنشر مزاعم عن المواقع الحساسة التي تنتشر فيها مصانع هذه الصواريخ.

من شأن ضربة نتنياهو المستفيدة من إعلان نصرالله أن تساهم، وبقوة، في دفع الاقتصاد اللبناني المترنح أصلا خطوة جديدة نحو الهاوية، ذلك أن إدراج المرافئ العامة على لائحة أهداف أي حرب محتملة من شأنه أن يرفع من مخاوف المستثمرين وأن يكبح حماسة أي دولة تعمل على مساعدة الحكومة اللبنانية وأن يشل المفاعيل الموعودة ـ والمشروطةـ لمؤتمر "سيدر" الذي كان قد انعقد في باريس قبل أشهر.

يأتي هذا التطور، في وقت يتحضر لبنان لمواجهة موجة جديدة من العقوبات الأميركية الهادفة التي خنق "حزب الله" ماليا وعزله مجتمعيا، إذ ينتظر أن يبت مجلس الشيوخ بالقانون الذي سبق وأقره مجلس النواب.

وتشخص عيون المراقبين إلى طبيعة الحكومة الجديدة المتعثرة التأليف، وموقع "حزب الله" فيها، ومعرفة ما إذا كان ضعف لبنان الرسمي سوف يسمح بإسقاطه، شرعيا وبشكل كامل، في قبضة الحزب، بعد انتخابات نيابية أظهرت على الرغم من بعض محاولات النفي أن "حزب الله" بات مسيطرا على البرلمان اللبناني.

في حال حصل هذا الدمج مع "حزب الله"، فإن لبنان الرسمي سوف يفقد القدرة على القيام بآخر وظائفه في كل ما يتصل بـ"حزب الله"، أي التنظيف، مما يرفع نسبة المخاطر إلى أقصاها على جميع المستويات. والطامة الكبرى أن مشاكل "حزب الله" تنمو باضطراد وبدأت تصل إلى الدولة الأكثر حرصا على لبنان، أي فرنسا.

أظهرت باريس، في الآونة الأخيرة، أن عينها محمرة من الأدوار التي يلعبها "حزب الله"، ويؤشر الى ذلك إقفال "مركز الزهراء" في شمال فرنسا ـ وهو مناصر لـ"حزب الله" ـ بالتزامن مع الجزم بمسؤولية وزارة الاستخبارات الإيرانية عن عملية إرهابية كانت تستهدف مؤتمرا للمعارضة الإيرانية انعقد في حزيران/يوينو، في العاصمة الفرنسية.

حتى الساعة، تتعاطى باريس مع "حزب الله" على اعتبار أنه إيراني التوجه، وهي تتشدد في التعاطي معه لممارسة ضغوط على طهران للإقلاع عن توجهاتها العدائية في أوروبا، ولكن المشكلة سوف تنعكس على لبنان في حال سمحت قواه السياسية بتحويل المؤسسات الدستورية والرسمية إلى "الجناح السياسي" لحزب موسوم جناحه العسكري ـ أوروبيا ـ بالإرهاب.

تأسيسا على كل ذلك، فإن منازلة "الجودو" بين إسرائيل و"حزب الله" ليست مباراة على كأس تستدعي اصطفاف المشاهدين والمراهنين، بل هي كارثة محدقة ببلد ينزلق بسرعة إلى أن يكون ضحية إطفاء بعض الحرائق الإقليمية التي تزعم طبقته السياسية أنها تعمل على عزله عنها.

نشر في موقع الحرة