لبنان عازم على إقرار موازنته الجديدة بنهاية العام

رئيس لجنة المال والموازنة بالبرلمان يطالب الحكومة المقبلة بتبني موازنة 2020 في ظل ازمة اقتصادية ومالية تعصف بلبنان.

بيروت - قال إبراهيم كنعان رئيس لجنة المال والموازنة بالبرلمان اللبناني الخميس إن اللجنة ستقر موازنة 2020 بنهاية العام وإنه سيتوجب على الحكومة القادمة تبنيها.
وأبلغ مؤتمرا صحفيا بثه التلفزيون "قبل نهاية الشهر المقبل، شهر الأعياد... نكون قد أنهينا النقاش وإقرار موازنة 2020.. الحكومة الجديدة لا يمكن أن لا تتبنى هذه الموازنة لأنه عندما تُقر هذه الموازنة تصبح قانونا."
ورغم الحديث عن اقرار الموازنة لكن ذلك لا ينفي الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها اللبنانيون والتي دفعت الالاف منهم الى التظاهر.
وقبل أسابيع، تبلّغت ليتيسيا نيكولا من ربّ عملها أنها خسرت وظيفتها في خضم أزمة اقتصادية خانقة في لبنان شكلت سبباً رئيسياً في حركة احتجاج واسعة تشهدها البلاد منذ أكثر من أربعين يوماً. 
ومنذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، تشارك مهندسة الديكور ليتيسيا (28 عاماً) في التظاهرات الناقمة على السلطة السياسية والمطالبة برحيلها بسبب عجزها عن وضع حلول للأزمات التي تعصف بلبنان على الصعد كافة. ووجدت نفسها بعد أسبوعين من "الثورة" عاطلة عن العمل.
وتقول ليتيسيا "قلّت المشاريع منذ عام. كنا قد تبلغنا قبل بدء الثورة أننا سنحصل على نصف رواتبنا مقابل دوام جزئي في الشهرين الأخيرين من العام".
وبعد اندلاع التظاهرات التي شلّت البلد، أقفلت شركة الهندسة أبوابها لأسبوعين على غرار غالبية القطاعات. بعد ذلك، تلقت ليتيسيا اتصالا للتوجه الى المكتب حيث دفع لها آخر راتب، و"أبلغوني أنني صُرفت من العمل".

ما حصل ليس ناتجا عن الثورة، لكنّها ربما سرّعت مجرى الأمور

وتشير الى أن ما حصل ليس ناتجا عن "الثورة، لكنّها ربما سرّعت مجرى الأمور".
وعلى غرار ليتيسا، يجد آلاف اللبنانيين أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم، وبعضهم خسرها بالفعل جراء صرف من دون سابق إنذار، فيما تلقى موظفون في قطاعات عدة تعليمات بالحضور إلى مراكز عملهم بدوام جزئي مقابل نصف راتب.
بين هؤلاء ماري (46 عاماً)، وهي موظفة تستخدم اسماً مستعاراً خشية خسارة وظيفتها في متجر ألبسة نسائية راق في بيروت تعمل فيه منذ 16 عاماً.
وتوضح ماري"بدأنا منذ مطلع الشهر أخذ يومي إجازة إضافيين في كل أسبوع. وأبلغنا رب العمل أنهم سيضطرون لدفع نصف راتب لنا، على أن يتمّ تعويضنا لاحقاً إذا تحسن الوضع".
لم تعترض ماري ونحو عشرين من زملائها على القرار "لأننا نخشى الأسوأ ولا أحد سيخاطر بخسارة وظيفته في ظل هذه الأوضاع السيئة".
وتتابع "نعرف أن الوضع سيء منذ أشهر. منذ أيام لم تدخل خمسون ألف ليرة إلى صندوقنا".
فقر وبطالة

ازمة اضرت بالمقدرة الشرائية للمواطن
ازمة اضرت بالمقدرة الشرائية للمواطن

وتعدّ الأزمة الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات في البنى التحتية وخفض العجز، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا المجاورة منذ العام 2011 على اقتصاد يعتمد أساساً على الخدمات والسياحة. 
وارتفع الدين العام إلى 86 مليار دولار، ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وكان لبنان ينتظر الحصول على 11,6 مليار دولار كهبات وقروض أقرّها مؤتمر "سيدر" في باريس عام 2018، مقابل إصلاحات هيكلية وخفض عجز الموازنة، لكن الانقسام إزاء تطبيق هذه المشاريع والخلاف على الحصص والتعيينات، حال دون وفاء الحكومة بالتزاماتها. 
وتقول مديرة مركز "كارنيغي" في الشرق الأوسط مهى يحيى "لا نتجه إلى أزمة، نحن في خضم تدهور اقتصادي".
وتوقّع البنك الدولي أن يسجل العام الحالي نسبة ركود أعلى من تلك المتوقعة مع نمو سلبي بنحو 0,2 في المئة. وحذّر من أن معدل الفقر (ثلث اللبنانيين) قد يرتفع الى خمسين في المئة، ونسبة البطالة (أكثر من 30%) في صفوف الشباب مرشحة لارتفاع حاد.
وبدأت قطاعات حيوية التحذير من سيناريوهات كارثية. 
وبحسب الهيئات الاقتصادية، وهو تجمّع تنضوي ضمنه مؤسسات القطاع الخاص والمصارف، فإن "آلاف المؤسسات مهددة بالإقفال وعشرات آلاف الموظفين والعمال مهددون بفقدان وظائفهم".
وأحصت نقابة أصحاب المطاعم والملاهي إقفال 265 مؤسسة خلال شهرين، متوقعة أن يصل العدد في نهاية العام إلى 465.
وتشهد البلاد أزمة سيولة بدأت معالمها منذ مطلع العام، مع تحديد المصارف سقفاً للتحويل إلى الدولار خفّضته تدريجياً، ما تسبب بارتفاع سعر صرف الليرة الذي كان مثبتاً على 1507 ليرات مقابل الدولار منذ سنوات، الى أكثر من ألفين في السوق الموازية. 
وحددت جمعية المصارف مؤخراً سقف السحب الأسبوعي للمودعين بألف دولار.
وحذرّت قطاعات عدة من أنها لن تتمكن من استيراد مواد أساسية من الخارج بسبب شح الدولار. وطالب وزير الصحة العامة جميل جبق الثلاثاء مصرف لبنان بالتدخل لتوفير المبالغ الضرورية اللازمة بالدولار لتسهيل استيراد المعدات الطبية.
ولاحظ اللبنانيون انقطاع عدد من الأدوية وارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية، مقابل تقلّص قدرتهم الشرائية.
الخيار الوحيد
ويقول بلال دندشلي، المدير العام لشركتين صغيرتي الحجم تعمل إحداهما في قطاع دهانات الطرق وإجراءات الأمان وتعتمد على الاستيراد، "لم نعد اليوم قادرين على استيراد البضاعة أو تحصيل أموالنا من السوق".
ويتحدث من مكتبه الصغير في بيروت عن صعوبات الزبائن غير القادرين على الدفع أيضا "كأننا نتسول أموالنا  أريد من أحدهم عشرين ألف دولار، أحضر لي اليوم شيكاً بألف دولار. فكيف سنستمر؟".

كأننا نتسول أموالنا أريد من أحدهم عشرين ألف دولار، أحضر لي اليوم شيكاً بألف دولار فكيف سنستمر

ويخشى بلال على مستقبله وموظفيه العشرة.
ويقول "لا يعملون منذ نحو شهرين أستطيع أن أصمد لبضعة أشهر بعد، أو سأتجه الى إقفال الشركة ومنحهم حقوقهم، وهذا أمر يعزّ عليّ لأنني سأجد كل ما بنتيه خلال هذه السنوات ينهار أمامي".
ونبّه الاتحاد العمالي العام الأربعاء من "صرف تعسفي" في عدد واسع من القطاعات، معتبراً أنه "لا يمكن قبول التحجج بظرف طارئ لا يتجاوز الشهر ونصف للقيام بهذه الحملة".
وتقول ليتيسيا التي تمضي وقتها في إرسال سيرتها الذاتية إلى شركات أجنبية "تلقيت عرض عمل من الكويت وأدرس الأمر حالياً".
وتضيف "إذا كان السفر الخيار الوحيد فسأضطر لأخذه"، مؤكدة بينما تدمع عيناها "سأبدأ من جديد لكن ليس هنا، لأنه ما من أمل".

اضراب مصارف لبنان
مصارف لبنان تدخل اضرابا تحذيريا ليوم واحد على خلفية سوء الأوضاع الاقتصادية

وفي مشهد اخر من الازمة المالية والاقتصادية اللبنانية قال نقيب الصرافين في لبنان محمود مراد إن النقابة ستبدأ، الجمعة، إضرابا تحذيريا ليوم واحد، على خلفية سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد وهبوط الليرة، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة مالية تلقي بظلالها على سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية.
وأوضح محمود مراد أن الإضراب يأتي بعد اتهامات موجهة للصرافين، برفع سعر صرف الدولار، والتلاعب بسعر صرف الليرة؛ "بينما سبب تغير أسعار الصرف سوء الأوضاع المالية والاقتصادية، وليس لنا علاقة به".
وعلى وقع أزمة سيولة بدأت قبل أشهر في لبنان، مع تحديد المصارف سقف لعمليات السحب بالدولار، تراجعت قيمة سعر صرف العملة المحلية تدريجيا، وفاقمتها قيود مشددة أقرت الشهر الجاري على التحويل إلى الدولار".
ووصل سعر صرف الدولار في لبنان داخل السوق السوداء إلى 2000 ليرة مقابل الدولار الواحد، ويصل لدى بعض الصرافين 2200 ليرة لكل دولار واحد، بينما السعر الرسمي يبلغ 1507.
وفي بيان منفصل الخميس، عبرت النقابة عن رفضها استمرار انخفاض قيمة العملة الوطنية، "لكونها تتأثر بالأزمة أسوة بغيرها من القطاعات، حيث أن عمليات البيع والشراء في السوق تستنزف رساميل الصرافين وتهدد وجودهم".
ومنذ نهاية الحرب الأهلية في التسعينيات، ثبتت لبنان سعر صرف الليرة، إذ عمد مصرف لبنان على تثبيت سعر الدولار الأميركي عند 1507 ليرة. 
كانت محطات الوقود في لبنان أعلنت، الأربعاء، تنفيذ إضراب مفتوح اليوم على مستوى عموم البلاد؛ مبررة ذلك بالخسائر الناجمة عن ارتفاع تكلفة تدبير الدولار الضروري لاستيراد الوقود.
بينما ألغت الهيئات الاقتصادية اللبنانية، وهي مجموعة ممثلة للقطاع الخاص تضم صناعيين ومصرفيين، إضرابها المنفصل لثلاثة أيام كان سيبدأ الخميس، مبررة قرارها بالأوضاع الاقتصادية وضرورة تقاضي الموظفين اجورهم نهاية الشهر.
ويخيم القلق على الأسواق المالية، نتيجة تحكم السوق السوداء بسعر صرف الليرة اللبنانية في ظل شُح في الدولار الأميركي.
ومنذ أن استقالت حكومة سعد الحريري، في 29 أكتوبر/تشرين أول الماضي؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية، يطالب المحتجون بتشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على التعامل مع الوضعين السياسي والاقتصادي، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990).