لبنان والاستحقاقان النيابي والرئاسي

مفارقة التدخلات الخارجية في لبنان ترتبط بأن المتدخلين مشغولون بما فيهم.
عقد اجتماعي جديد غير واضح المعالم يتشكل في لبنان
إلغاء الانتخابات أو تأجيلها سيناريو محتمل وقائم بقوة وسيؤدي الى انقسام عامودي حاد في السلطة

ليست سابقة ان يواجه لبنان استحقاقين في وقت واحد، او تحديات تتصل بطبيعة النظام، لكن هذه المرة على موعد في استحقاق انتخابي برلماني منتصف مايو/أيار القادم يليه انتخاب رىيس للجمهورية في أكتوبر/تشرين الأول، وهما موعدان متصلان بمجموعة لا حصر لها من العوامل والمؤثرات الداخلية والخارجية الوازنة في نتائجهما.

ففي الاستحقاق الانتخابي البرلماني ثمة شد وجذب غير مسبوقين في الحياة السياسية اللبنانية، اذ تراهن الأطراف المختلفة في توجهاتها ومشاريعها على تغيرات في موازين القوى الداخلية بهدف نقل لبنان من ضفة الى أخرى، حتى الوصول الى سياسات عزل اطراف، وبمعنى آخر، هي محاولة لرسم سياسات متصلة بطبيعة تركيبة النظام وصولا الى تنظيم عقد اجتماعي سياسي جديد يرسم أسس النظام لعقود قادمة.

وعلى الرغم من حدة المنافسة ثمة عوامل خارجية تلعب دورا رئيسا في الانتخابات أولا وطبيعة النظام الذي تتطلع اليه مختلف الاطراف ثانيا، ورغم أهمية وحدة هذا التنافس فان العوامل الخارجية تبقى لها كلمة الفصل في هذا السياق، فالمحطات الرئيسة التي رسمت صورة النظام اللبناني واسسه لم تكن نتيجة انتخابات نيابية او رئاسية، بل ان التسويات التي كان يتم التوصل اليها انجبت مجالس نيابية ومن ثم رئاسية فيما بعد.ومن ابرزها مثلا ميثاق 1943 ومن بعدها التسوية التي تمت بوصول الرئيس فؤاد شهاب الى الرئاسة، ومن بعدها سلسلة المشاريع التي ظهرت ابان الحرب الاهلية وصولا الى اتفاق الطائف 1989 ومن بعدها اتقاق الدوحة 2008 الذي انجز تسويات انتخابية برلمانية ورئاسية لا زالت تداعياتها قائمة الى اليوم.

وما يميز الاستحقاق البرلماني هذه المرة دخول مؤثرات خارجية طاغية، وذات طبيعة تأأسيسية، ما يفاقم حدة المنافسة الى درجة تأثيرها على امكانية الغاء الانتخابات او تأجيلها وهو سيناريو محتمل وقائم بقوة. وما سيفاقم الازمة في مثل هذه الحالة الفراغ الذي سيؤثر بالتأكيد على الاستحقاق الرئاسي، وعندها سيكون لبنان في ازمة مزدوجة انقسام عامودي حاد ووسط تلاشي المؤسسات الدستورية الفاقدة لفعاليتها أصلا.

ان الوصول لذلك الظرف سيؤدي الى فوضى عارمة وفتح أبواب الأزمة على المجهول، وهو امر سبق للبنان ان مر به نهاية ولاية الرئيس امين الجميل في 23 سبتمبر/أيلول 1988، حيث سلم السلطة لحكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون.، وسط اقتتال داخلي لم يشهد لبنان مثيلا له في ناريخ حروبه المتتالية، ولم تنته الازمة مبدئيا الا عبر اتفاق الطائف الذي رتب انتخابات رئاسية اتت بالرئيس الياس الهراوي بعد اغتيال الرئيس ميشال معوض، ومن بعدخا نظمت انتخابات نيابية كرست نظاما سياسيا لا زال قائما الى الآن بعيوبه التي لا تعد ولا تحصى والتي تنصل منها الجميع دون استثناء.

يطالب اليوم مجمل الأطراف السياسية اللبنانية بانتخابات برلمانية ورئاسية تقود لبنان الى عقد اجتماعي جديد غير واضح المعالم والشكل حتى الآن، ورغم مطالبة كل الافرقاء سرا وعلانية بذلك، الا أحدا لم يجرؤ حتى الان بتقديم برنامج او تصور ذات شأن.

ربما اليوم لبنان بحاجة لمعجزة للخروج مما فيه، في وقت تعج التدخلات الخارجية فيه، ورغم ذلك الكل مشغول بقضاياه ولا وقت لديه ليقدم امرا للبنان، وهو امر لا يريد اللبنانيون تصديقه او الاقتناع به، فهل سيصل لبنان الى تلك المرحلة التي لا يحسد عليه، ثمة وقائع كثيرة تعزز ذلك للأسف؟