لبنان يواجه شحا في القوت بعد انفجار أتلف مخزون الحبوب

حادث بيروت دمر صومعة الحبوب الرئيسية الوحيدة في لبنان، واضعا البلد أمام أكبر أزمة غذائية تشكل خطرا حقيقيا على الأمن الغذائي اللبناني.
ارتفاع قتلى انفجار بيروت إلى 154 قتيلا
مخاوف من انتشار الجوع على نطاق واسع في ظل أزمات تتلاحق على لبنان
لبنان لا يملك احتياطي استراتيجي حكومي من الحبوب
مخطط توسيع مرافئ تخزين القمح في لبنان تأجل بسبب نقص التمويل

بيروت – يواجه لبنان بعد نكبة بيروت مؤخرا نقصا في المواد الغذائية الأساسية بعد أن أتلف الانفجار المروع مخزون الحبوب بميناء العاصمة، لتتراكم أزمات البلد المتناثرة بعد انهيار اقتصادي شبيه بما حصل بالحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) وانتشار فيروس كورونا في ظل قطاع صحي هش.

وقال مبعوث منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إلى لبنان ومدير ميناء طرابلس واستشاري في قطاع الحبوب في المنطقة، إن انفجار بيروت دمر صومعة الحبوب الرئيسية الوحيدة في لبنان، في حين أُرجئت خطط إنشاء صومعة أخرى في ميناء طرابلس، ثاني أكبر موانئ البلاد، قبل أعوام بسبب نقص التمويل.

وكانت الصومعة المدمرة تسع نحو 120 ألف طن من الحبوب. ويعني تدميرها وتعطل الميناء، وهو المنفذ الرئيسي للواردات الغذائية، أن المشترين سيضرون للاعتماد على منشآت التخزين الخاصة الأصغر حجما لمشترياتهم من القمح.

ويعزز هذا بواعث القلق حيال إمدادات الغذاء في لبنان الذي يربو عدد سكانه على الستة ملايين نسمة ويستورد جميع احتياجاته تقريبا من القمح.

وقال موريس سعادة مبعوث منظمة الأغذية والزراعة في لبنان، إن "هناك مواقع تخزين أصغر داخل مطاحن القطاع الخاص لأنه يتعين عليهم تخزين القمح قبل طحنه وتحويله إلى دقيق"، و"فيما يتعلق بصوامع الحبوب، كانت تلك هي (الصومعة) الرئيسية الوحيدة".

ولا يزال العشرات في عداد المفقودين بعد الانفجار الذي وقع يوم الثلاثاء في مرفأ بيروت وأودى حتى الآن بحياة 154 شخصا على الأقل وأصاب ما يصل إلى خمسة آلاف وشرد 250 ألفا آخرين في بلد يعاني بالفعل من انهيار اقتصادي وزيادة في حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

إن القدرة المالية للدولة اللبنانية والبنك المركزي محدودة جدا لمواجهة آثار الكارثة التي يقدر البعض أنها كبدت لبنان خسائر تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار

وفي ظل الأزمة التي تشهدها المصارف ومعاناة البلاد من أحد أكبر أعباء الدين العام في العالم، قال وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة إن القدرة المالية للدولة اللبنانية والبنك المركزي محدودة جدا لمواجهة آثار الكارثة التي يقدر البعض أنها كبدت لبنان خسائر تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار.

وعدم وجود محطة مخصصة لحاويات الحبوب أو صوامع ومخازن كافية في ميناء طرابلس يوضح نهجا يتسم بتوفير الاحتياجات الآنية فقط فيما يتعلق بالأمن الغذائي.

كما يوضح ذلك كيف تلجأ الدولة لخطط طارئة بدلا من حلول طويلة الأمد لملفات رئيسية مثل توفير الطاقة الكهربائية وجمع القمامة إذ تنتقل من حل سريع مؤقت إلى آخر منذ نهاية الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

انفجار بيروت يضاعف ألم اللبنانيين
انفجار بيروت يضاعف ألم اللبنانيين

ووصف هشام حسنين المستشار الإقليمي في قطاع الحبوب ومقره القاهرة الموقف بأنه ينطوي على مخاطرة. وستضطر المطاحن الخاصة في البلاد، والتي يبلغ عددها نحو ثمانية في الإجمال، إلى توفير وسائل لوجستية جديدة بسرعة حتى يتسنى لسلسة الإمدادات أن تعمل بسلاسة حتى بعد أن تعرض بعضها لأضرار جراء الانفجار. ويعني ذلك نقل القمح بشاحنات لمستودعات قريبة في وقت جرى فيه تحويل معظم حركة النقل المتجهة في الأصل لبيروت إلى طرابلس، وليس القمح فقط. ولم تحتفظ الحكومة اللبنانية كذلك بمخزونات استراتيجية من الحبوب.

وأضاف حسنين "ما كان يحدث هو أن المطاحن الخاصة كانت تخزن ما ليس لديها مكان كاف له من الحبوب في مخازنها الخاصة في تلك الصومعة في بيروت ويأخذون منها عند الحاجة".

وأضاف "كان هذا هو المخزون في البلاد وليس احتياطيا استراتيجيا للحكومة بالمعني، وكان في العادة يكفي لفترة تتراوح بين شهرين ونصف إلى ثلاثة أشهر من الاستهلاك".

وكان نعمة قد قال إن 15 ألف طن فقط كانت مخزنة في الصومعة عندما ضرب الانفجار المرفأ وإن لبنان يحتاج إلى مخزونات تكفي لثلاثة أشهر تقريبا في أي وقت من الأوقات للوفاء بأغراض الأمن الغذائي.

وإذا كانت تقديرات معدل الاستهلاك هي ما بين 35 ألفا و40 ألف طن شهريا فإن ذلك يعني الحاجة لمئة ألف طن. ويستورد لبنان ما بين 90 و95 بالمئة من استهلاكه من القمح وأغلبه من منطقة البحر الأسود. أما أغلبية إنتاج القمح المحلي فهو من القمح الصلد وهو نوع مناسب أكثر لمنتجات المعكرونة.

وقال نعمة الخميس إن وزارته كانت تعتزم زيادة المخزون الاستراتيجي إلى نحو 40 ألف طن لكنها لم تتمكن بعد من ذلك. وأضاف أنه رأى أن البلاد لم يكن لديها مخزون استراتيجي وقرر شراء كمية وحصل على موافقة مجلس الوزراء بالفعل وكان المسؤولون في المراحل النهائية من المفاوضات لتنفيذ ذلك.

وأشار إلى أنه من حسن الحظ أن ذلك لم يكن قد تم بعد وإلا كان قد تدمر هذا المخزون أيضا في الانفجار.

وحتى قبل الانفجار، تسبب تداعي قيمة العملة المحلية والارتفاع الحاد في الأسعار في انزلاق الكثيرين من اللبنانيين إلى الفقر، مما أثار مخاوف من انتشار الجوع على نطاق واسع.

وقالت متحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في بيان معد لإفادة بالأمم المتحدة في جنيف، إن "برنامج الأغذية العالمي قلق من أن يؤدي الانفجار والأضرار التي لحقت بالمرفأ إلى تفاقم وضع الأمن الغذائي الصعب بالفعل والذي تدهور بسبب الأزمة المالية الحادة في البلاد وجائحة كوفيد-19"، مضيفة أن البرنامج سيوزع منحا غذائية على آلاف الأسر.

لبنان عالق بين أزمات متتالية
لبنان عالق بين أزمات متتالية

لا تمويل.. لا صومعة ثانية

جرى تحويل وجهة أغلب الشحنات إلى طرابلس في ظل استمرار عمليات تقييم الأضرار في مرفأ بيروت. وقال أحمد تامر مدير ميناء طرابلس، إن "المرفأ يستقبل بالفعل مليوني طن من السلع سنويا والطاقة الاستيعابية الإجمالية للمرفأ هي خمسة ملايين طن.

وأضاف تامر إنه "بالنسبة للحبوب فيمكن للمرفأ استقبال ما يتراوح بين 200 و250 ألف طن على الأكثر وهو الحد الأقصى للطاقة الاستيعابية في ذلك. وتابع أنه يتعين أن تكون هناك خطة لوجيستية وإدارة ناجحة لسلاسل الإمداد.

وسيتعين نقل الحبوب التي يستقبلها ميناء طرابلس لمسافة نحو كيلومترين ليجري تخزينها في مطاحن قريبة إذ لا يضم هذا المرفأ صومعة. وكان من شأن الترتيبات اللوجستية أن تكون أبسط إذا كانت خطط بناء صومعة في ثاني أكبر الموانئ في البلاد قد تحققت قبل سنوات.

وقال تامر إن خطط بناء صومعة للحبوب تبلغ طاقتها الاستيعابية نحو 150 ألف طن جاءت في إطار مشروع أوسع نطاقا لتطوير المرفأ ككل، لكنها تأجلت بسبب نقص التمويل.

وكانت الخطط التي تعود لثلاث سنوات مضت تشمل أيضا منطقة كاملة للخدمات اللوجستية حول الصومعة.

وقال تامر إنهم أعدوا كل الخرائط والرسوم الهندسية المطلوبة وكل الدراسات لكن لم يكن هناك ما يكفي من التمويل مشيرا إلى أن وزارة النقل تعيد النظر في المشروع حاليا. وأضاف أن من الممكن تنفيذ ذلك في أسرع وقت ممكن وإعطاء المشروع أولوية لبنائه في وقت قياسي لمنح لبنان تأمينا استراتيجيا لاحتياجاته الغذائية.