لبنان يوجه رسالة حاسمة لعراقجي بضرورة احترام سيادته

عباس عراقجي سعى من جانبه لتهدئة المخاوف اللبنانية، مؤكداً أن زيارته تأتي في إطار فتح صفحة جديدة في العلاقة مع لبنان على أساس الاحترام المتبادل.
لبنان بات أكثر جرأة في التعبير عن ضرورة حماية السيادة الوطنية
لبنان يختبر مساحة جديدة من الاستقلالية في قراره السياسي

بيروت - في ظل الظروف الدقيقة والمعقدة التي يمر بها لبنان، وتزايد التهديدات الإسرائيلية على حدوده الجنوبية، برز موقف رسمي لبناني واضح وقوي، حمل رسالة مباشرة إلى إيران، مفادها أن على طهران أن تحترم استقلال القرار اللبناني، وأن تتجنب تحويل لبنان إلى ساحة صراع إقليمي تُدار عبر وكلائها، وعلى رأسهم "حزب الله". هذه الرسالة تأتي في وقت حرج، يحاول فيه البلد لملمة جراحه وتجاوز تداعيات الحرب الأخيرة مع إسرائيل، والانطلاق نحو مرحلة من الاستقرار وإعادة بناء ما دمرته المواجهات.
وخلال زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت، عبّر وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي عن هذا الموقف بوضوح، حين قال إن "لبنان يعوّل على حرص إيران على أمنه واستقراره وسلمه الأهلي، تمكيناً له من تجاوز التحديات الجسام التي يواجهها". وتابع أن لبنان يواصل جهوده الدبلوماسية لتحرير ما تبقى من أراضٍ محتلة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، وأن الدولة اللبنانية مصممة على بسط سلطتها على كامل أراضيها، وحصر السلاح بيدها، في إشارة مباشرة إلى ضرورة إنهاء سلاح حزب الله خارج إطار الدولة.

وهذه الرسائل الدبلوماسية لم تأتِ من فراغ، بل تعكس تحوّلاً ملحوظاً في موقف الدولة اللبنانية، والتي باتت أكثر جرأة في التعبير عن ضرورة حماية السيادة الوطنية من التأثيرات الخارجية، وخصوصاً الإيرانية. فلطالما وُجهت اتهامات إلى طهران باستخدام "حزب الله" كورقة ضغط في صراعاتها الإقليمية، ما جعل من لبنان في أكثر من مرة ساحة لتصفية الحسابات، سواء في المواجهة المفتوحة مع إسرائيل أو في التجاذبات السياسية داخل الإقليم.
والرسالة التي وجهتها الحكومة اللبنانية لإيران عبر تصريحات رجي تُعدّ نقطة مفصلية في العلاقة بين البلدين، فهي لا تقف عند حد الدعوة لاحترام السيادة، بل تتجاوز ذلك إلى تأكيد على أن لبنان لن يسمح مستقبلاً برهن سياساته ومصالح شعبه لأي جهة خارجية، حتى وإن كانت دولة تدّعي دعم القضية اللبنانية. هذا التحول ينسجم أيضاً مع تراجع التأثير الداخلي لحزب الله، سواء على مستوى الشارع أو في المعادلات السياسية الداخلية، بعد أن أضحى اللبنانيون أكثر وعياً بكلفة التبعية لمحاور خارجية، وبأهمية استعادة الدولة لقرارها الحر والمستقل.
من جهته، حاول عباس عراقجي تهدئة المخاوف اللبنانية، مؤكداً أن زيارته تأتي في إطار "فتح صفحة جديدة في العلاقة مع لبنان"، وأن بلاده تحترم شؤون لبنان الداخلية ولا تتدخل فيها، وهي تصريحات تُظهر إدراكاً إيرانياً لحساسية المرحلة ولضرورة إعادة صياغة العلاقة مع لبنان على أسس مختلفة عن المرحلة السابقة، خاصة بعد ما خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة من دمار وتوتر داخلي وإقليمي.
وأشار عراقجي إلى أن إيران "تؤكد دعمها لاستقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه"، معبراً عن أمله في تعزيز العلاقات بين البلدين على أساس "الاحترام المتبادل". كما شدد من مطار بيروت الدولي على أن العلاقات اللبنانية-الإيرانية "تاريخية ومتجذرة"، لكنها – وفق ما يفهم من التصريحات اللبنانية – تحتاج اليوم إلى إعادة تقييم حقيقية تنطلق من مصلحة لبنان أولاً.

من جانبه قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، الثلاثاء، إن بلاده تتطلع إلى تعزيز علاقاتها الثنائية مع إيران وذلك خلال استقباله عراقجي، وفق وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.

وأضاف عون أن الحوار هو المدخل لكل المسائل الخلافية بين الدول مشيرا إلى أن الحوار يجب أن يُبنى على رفض العنف والتصعيد.

وأكد أن إعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية على لبنان تأتي على رأس أولويات الدولة "بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة وفق القوانين المرعية".

ولا يمكن فصل هذه التطورات عن التبدلات الجيوسياسية الأوسع في المنطقة، حيث بدأت العديد من الدول، بما فيها القوى الإقليمية الكبرى، بإعادة ترتيب أولوياتها وتحالفاتها. وضمن هذا السياق، يبدو أن لبنان يختبر اليوم مساحة جديدة من الاستقلالية في قراره السياسي، محاولاً رسم مسار متوازن يحميه من أن يكون ضحية لصراع أكبر منه.
وفي ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها اللبنانيون، بات واضحاً أن البلاد لم تعد تتحمّل كلفة الخيارات السياسية التي تبقيها في دائرة الاستهداف أو العزلة، أو التي تضعها في موقف المواجهة الدائمة مع المجتمع الدولي. فالمطلوب اليوم هو تحييد لبنان عن الصراعات، والانكباب على إصلاحاته الداخلية واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وهي أهداف لا يمكن تحقيقها في ظل استمرار وجود سلاح خارج إطار الدولة، أو تدخلات خارجية تملي على لبنان قراراته.
وقال إن الرسالة اللبنانية لإيران، وإن جاءت بصيغة دبلوماسية، إلا أنها تنطوي على موقف حازم، يشير إلى بداية مرحلة جديدة من العلاقات، تقوم على احترام متبادل حقيقي، وعلى سيادة لبنانية غير منقوصة. وهي أيضاً إنذار بأن لبنان لن يكون بعد اليوم ساحة صراع مجانيّة لأجندات غير لبنانية، بل دولة مستقلة تسعى لتأمين أمنها واستقرارها ومستقبل شعبها.
ويبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة اللبنانية هو ترجمة هذه المواقف إلى خطوات عملية، تبدأ بتعزيز سلطة الدولة ومؤسساتها، والعمل على تحييد لبنان عن المحاور الإقليمية المتنازعة، وصولاً إلى مرحلة يكون فيها القرار اللبناني بيد اللبنانيين وحدهم، بعيداً عن أي وصاية أو تأثير خارجي، أياً كانت الجهة.