لطفى نعمان يتتبع ظاهرة اليمننة وتأثيراتها الداخلية والخارجية

الناشط والباحث السياسي يضيء بمقالاته مسارات القضية اليمنية وما تخللته من اختلافات بين أهل السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والفكر والثقافة كان من نتائجها أحداث ووقائع كارثية حلت باليمن واليمنيين داخليا وخارجيا.

تضيء مقالات هذا الكتاب "اليمننة.. ظاهرةٌ عربية جديدة" للناشط والباحث السياسي اليمني لطفي فؤاد نعمان مسارات القضية اليمنية وما تخللته من اختلافات بين أهل السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والفكر والثقافة كان من نتائجها أحداث ووقائع كارثية حلت باليمن واليمنيين داخليا وخارجيا، وأدت ضمن ما أدت إلى ظهور ما يطلق عليه "اليمننة".

يقول نعمان في كتابه الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون موضحا أن الظواهر المؤسفة والمفرحة تختمرُ بعدما تَغِبُ زمناً. وقد ظهرت "اليمننة" واختمرت، بتوالي ما غبّ من أحداث اليمن: حوادث إرهابية إلى مؤتمرات دولية فنزاعات سياسية ثم مواجهات مسلحة واحتجاجات -بدت- شعبية غير مسيسة، حتى ساسها الساسة ووجهوا نهايتها بما يتناسب وتقديرات واحتياجات أقلية محددة من المؤثرين تناست غالبيةً عظمى من المتأثرين، فاستدعت العصف بحياتهم وأثرت فيها كبير الأثر اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً. ودون ميلٍ إلى اعتبار الخارج متآمراً "وحيداً" على الداخل اليمني الفريد في التآمر على نفسه، التكالب على سلطته، التحامل على فئاته، التباعد بين أطرافه والتقلب في علاقاته. يتسنى الإقرار بأن الحالة اليمنية المختلة داخلياً محركٌ وباعثٌ أصيل لكل العواصف -بما تحتوي من مخاوف ومواقف- المكملة للظاهرة العربية الجديدة: اليمننة، المرتبطة بما غمر المنطقة من ظواهر خناقة تحت مسمى "الفوضى الخلاقة".

ويتابع "يُعرِفون العاصفة بأنها "ظاهرة جوية ترتبط بحركة سريعة للرياح تحمل مطراً أو ثلجاً أو رملاً وتوافر تيارات محملة ببخار الماء". ومتابعة التحولات اليمنية منذ العقد والنصف الماضي، تُيسرُ تصريف تفاصيل التحولات على جزئيات ما سلف من تعريف العاصفة، أو تعريفات مختلف أنواع العواصف أيضاً مثل الرعدية، بما فيها من "اضطراب وتفريغ"؛ أو رملية "تغمر الجو بحبات الرمال"، أو ثلجية قاسية "يصحبها برد قارس وريح شديد". ولعلها بالعشر السنين الماضية وما سبقها قليلاً، سبقت الربيع العربي عام 2011، وجرفت -خلال الربيع- اليمن، ونقلته من موجبات "الترشيد" إلى هياج "التغيير" حتى وضعته في مهب العواصف ومرمى التحالف.

ويوضح نعمان مقدمات اليمننة "دوى "الاضطراب" في الغلاف السياسي اليمني منذ عام 2009 يوم تقرر تمديد مجلس النواب وتأجيل الانتخابات البرلمانية نتيجة الاتفاق السياسي بين السلطة والمعارضة على إجراء تعديلات دستورية لازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي، بموازاة البحث عن سبيل تخفيف ما "غمر الجو من حبات رمال" أثارتها احتجاجات الشارع الجنوبي الساخن، وكذا محاولة منع "تفريغ" الطاقات في الاحتراب جهة الشمال بصعدة، وتصحيح النظام الانتخابي. هذا قبل اعتبار اتفاق 23 فبراير/شباط 2009 جرماً سياسياً في عام 2010.

ونظراً لكون الأجواء كما الأطراف السياسية "محملة" بمقادير التربص، فقد ساد تهويل الشؤون الخاصة وتهوين المسائل العامة. فما خف احتجاجات الجنوب، ولا انتهت مواجهات الشمال، بل اقتحم الجوار السعودي مضمار المواجهات مع الحوثيين شمال اليمن خلال 2009-2010. وزاد الطين بلة التهاب ساحة الإرهاب، وعدم تصحيح قوانين الانتخاب. والتحضير لمؤتمرات مانحين دوليين في لندن ونيويورك بعد تكون مجموعة "أصدقاء اليمن" الذين صدقوا في برق الوعود، وما أمطروا شيئاً!.. واكب ذاك كله نشوب حماس الشارع اليمني واندفاع بعض الشباب إلى ركوب موجة التغيير بعد أن "مَدَّ" بتونس معلناً عن موسم الربيع العربي الذي "جَزرَ" من رؤوس جمهوريات العسكريتاريا العربية: مصر وليبيا، وما زال يحاول حتى الآن بسوريا، و"اعتصم" منه اليمن بما عُرِف بالمبادرة الخليجية التي مرت بمخاض سياسي منذ أبريل/نيسان 2011، تخلله علاج الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالرياض مما أصابه من جراح وحريق، نتيجة محاولة اغتياله يوم الجمعة 3 يونيو 2011. إلى أن شهدت مدينة الرياض توقيع الفرقاء السياسيين عليها وعلى آليتها التنفيذية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، عوضاً عن اجتماع كان محدداً لعلاج المشاكل الاقتصادية في ربيع نفس العام!.. بموجب المبادرة، خرج الرئيس صالح من سدة السلطة دون مغادرة المشهد السياسي. وتقرر إيكال بعض مهام الرئاسة إلى نائبه السابق عبدربه منصور هادي، فشكل الأخير حكومة الوفاق الوطني، بعدما أسرع إلى تحديد موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة فبراير/شباط 12م له كمرشح توافقي عن كل الأطياف، فحظي وبشكل غير مسبوق بدعم شامل داخلياً وخارجياً، حَدَّ تخصيص مجلس الأمن الدولي جلسات استماع عن حالة اليمن تخلص دوماً إلى تأييد الرئيس هادي في كل قراراته المرتبطة بتنفيذ المبادرة وآليتها. ركن هادي ركوناً تاماً إلى هذا الدعم دونما استثمار جيد وحركة ملائمة يساعد على التنفيذ الدقيق لبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتشكيل أهم لجانها بما يزيح "المتاريس النفسية والسياسية". وعدم تجاوز أزمنتها المحددة كل ذلك بتغاضي رعاة المبادرة الذين أوصوا باحترام المحدد في المبادرة وآليتها من "الزمن" ثم تجاوزوه في "اليمن"!.

ويرى أن الحالة اليمنية أو حالة "اليمننة" تُعد ظاهرة عربية جديدة استثارت اهتمام العالم لا للإسهام في معالجة مشاكله، بل في توليد مشاكله،إن عناصر تكون ظاهرة "اليمننة" منها العناصر البشرية والكائنات السياسية التي تخلق من حل المشكلة أو الأزمة القديمة مشكلة أو أزمة جديدة!. وبتتبع مظاهر "اليمننة" أمكن تلمس إحداها وهي "التنابز بالوطنية". على غرار "التنابز بالألقاب". فيكَيلُ كلُ طرفٍ يمني للطرف اليمني الآخر تهماً تمس وطنية أي مواطن يختلف في الرأي والموقف مع الطرف الآخر ما لم يُقِر الأخيرُ وطنيةَ الأول حال تطابق موقفهما ورأيهما. فنصب أتباع كل طرف أنفسهم مانحين لـ"صكوك الوطنية"، مثلما كان الرهبان والكهنة يمنحون "صكوك الغفران"!.

ويؤكد نعمان أن ظاهرة "التنابز بالوطنية" ليست بجديدة، خصوصاً وقد تشابكت الأطراف المحلية المعنية في اليمن مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية باليمن، وانضم هذا اليمني إلى معسكر، وارتمى ذاك اليمني أيضاً في صف مضاد للمعسكر الآخر. لقد توزع اليمنيون خلال ستينيات القرن العشرين –مثلاً- بين المعسكر المصري وبين المعسكر السعودي بردائَي "الجمهورية" و"الملكية" وغطائَي "شعبية" الجمهورية و"شرعية" الإمام البدر. فكانت الرياض مقصد الملكيين والقاهرة قِبلة الجمهوريين، رغم إن كلا الطرفين كان يمنياً، كما كان كلٌ وطنياً بطريقته، وإن تنابزوا بتهمة العمالة لمصر وللسعودية حتى قيل إنه "لا يوجد عملاء (لليمن)"!.

ويضيف أن رحلة انتهاء الاستقرار في اليمن -البادئة عام 2011- جددت تلك الحالة بتصنيف كل مُخْتَلِفٍ بالعمالة والخيانة. وازداد تفريغ مخزون العداء التقليدي والتاريخي بين بعض الأطراف وسط هذا الهياج العاصف باليمن، حتى قالوا لبعضهم سوءً. عكس المنهج القرآني "قولوا للناس حُسناً".حالة إخصاب التنابز بتأثير "فقر الوعي المزمن" و"أنيميا التعايش" تغدو مدعاةً للسخرية، بالنظر إلى طبيعة التشابك الجيوسياسي وسط إقليم الجزيرة العربية، والترابط العميق بين أتباع هذا المذهب أو ذاك- بقناعة أصيلة أو مصطنعة- أو بالاستناد على أرضيةٍ فكرية مشتركة. خصوصاً أن ما من طرف سياسي يمني إلا واعتز بروابطه السياسية الخارجية يرجع إليها متى حزب الأمر، لتتدافع القوى الفاعلة في المجتمع، وتبلغ مستوىً من التوازن على الساحة، كما يقولون.وإذ يمضي كل طرف سياسي إلى تكريس "اليمننة" بمواصلة حالة "التنابز بالوطنية" فحريٌ به التخلي عن علاقاته بالخارج لئلا يكون هو الآخر "منبوزاً"! وليكن الجميع لليمن، واليمن فقط ما استطاعوا!.