لعبة الجولان انتهت سوريا... وبدأت إيرانيا

لم يعد كافيا بالنسبة الى إسرائيل الحصول على ضمانات بالنسبة الى الجولان من بشّار الأسد.

طرح وزير الاستخبارات الإسرائيلي إسرائيل كاتس قبل أيام فكرة الضغط على الإدارة الاميركية من اجل ضم الجولان نهائيا الى الدولة العبرية. تقوم إسرائيل حاليا بعملية جس نبض لمعرفة الى أي حدّ يمكن ان تذهب في استغلال الوضع الاقليمي من جهة ووجود دونالد ترامب في البيت الأبيض من جهة أخرى.

ما يمكن ان يشجّع إسرائيل على التفاؤل في هذا المجال امران. اولّهما ان إدارة ترامب أقدمت على خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من دون الإشارة الى ضرورة ان تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة. تلت خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى المدينة المقدسّة. حصل ذلك من دون ضجّة تذكر، لا إقليميا ولا دوليا. اطلقت ايران تهديدات لتأكيد انّها المتاجر الاوّل بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين في حين قام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ببعض الحركات ذات الطابع الفولكلوري بهدف المزايدة لا اكثر. عادت الامور بعد ذلك الى نصابها وعاد كلّ طرف الى مواقعه وهمومه...

امّا الامر الآخر الذي يشجّع على طرح موضوع الجولان المحتل منذ 51 عاما بالتمام والكمال، فهو عدم الاهتمام السوري يوما باستعادة الهضبة المحتلة ذات الاهمّية الاستراتيجية. احتلت إسرائيل الجولان في ظروف اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها غامضة. حدث ذلك في حزيران – يونيو من العام 1967. وقتذاك، كان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع وكان يهيئ نفسه لحكم سوريا ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1970 حين اعلن عن قيام "الحركة التصحيحية".

ماذا كانت "الحركة التصحيحة" عمليا؟ كانت خطوة على طريق طمأنة إسرائيل الى ان الجولان سيظلّ محتلا. لم تكن لدى النظام السوري ايّ نيّة جدية في استعادة الجولان حتّى بعد حرب تشرين الاوّل – أكتوبر 1973. لم تكن تلك الحرب حرب تحريك للمفاوضات مع إسرائيل بمقدار ما انّها كانت حربا لتجميد لجبهة الجولان وصولا الى يوم يعقد فيه بنيامين نتانياهو جلسة لمجلس الوزراء في الهضبة المحتلة. أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك تكريس امر واقع استطاعت إسرائيل فرضه في وقت لم يكن الجولان يوما سوى أداة يؤكد من خلالها حافظ الأسد ثم نجله بشّار ان سوريا ليست مستعدة لايّ مواجهة مع إسرائيل، بل هي في صدد المشاركة في كلّ الألعاب التي تهواها، بما في ذلك إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة. بقيت الجبهة اللبنانية مفتوحة، بموافقة سورية، عندما كان السلاح في الجنوب فلسطينيا حتّى العام 1982. وبقيت على الوضع نفسه بعدما حلّ السلاح الايراني، أي سلاح "حزب الله" مكان السلاح الفلسطيني.

كان كافيا ان يخلّ النظام السوري بالشروط المتفق عليها لاستمرار اللعبة في خلال حرب صيف العام 2006 حتّى يصبح مسموحا للجيش اللبناني بدخول الجنوب بعد صدور القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة. كان من شروط تلك اللعبة السورية – الإسرائيلية ان تتصرّف إسرائيل بالطريقة التي تراها مناسبة وفق قواعد اشتباك معيّنة وضعت في أواخر العام 1975 واوائل العام 1976  عندما توصل هنري كيسينجر الى تفاهم مع إسحق رابين يسمح للجيش السوري بدخول الأراضي اللبنانية ووضع يده على المواقع التي يوجد فيها "مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية".

تغيّر الوضع في جنوب لبنان بعد حرب العام 2006، لكنّ الوضع في الجولان بقي على حاله. كانت هناك مفاوضات سورية – اسرائيلية محورها الجولان. لكن الجانب السوري، الذي يهوى استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة الى ما لا نهاية، كان يهوى أيضا التفاوض من اجل التفاوض. الدليل على ذلك انّ مصر استعادت كلّ أراضيها المحتلة منذ العام 1967 عن طريق المفاوضات، فيما لم يتغيّر شيء في الجولان منذ اتفاق فك الارتباط الذي تم التوصل اليه في العام 1974 برعاية هنري كيسينجر أيضا.

ما الذي تغيّر حاليا كي تسعى إسرائيل الى الحصول على اعتراف أميركي بانّ الجولان جزء من أراضيها؟ ما تغيّر ان الجولان لم يعد يوفّر ضمانة إسرائيلية للنظام السوري ولا ضمانة من النظام السوري لاسرائيل. هناك واقع جديد قائم في دمشق وفي الجنوب السوري. يتمثّل هذا الواقع في الوجود الايراني الذي لم يعد يقتصر فقط على مناطق معيّنة في محيط دمشق. صار على إسرائيل التفاوض مع ايران الموجودة على حدود الجولان مباشرة وغير مباشرة. هناك غير مصدر أوروبي واميركي موثوق به يقول ان إسرائيل ليست في وارد التوصل الى تفاهمات مع ايران لا في شأن وجودها العسكري في لبنان ولا في شأن وجودها العسكري في سوريا، خصوصا في محاذاة الجولان.

استطاع حافظ الأسد، منذ كان وزيرا للدفاع في 1967 استخدام الجولان للتفرد بالسلطة في خريف العام 1970. لعب الدور المطلوب منه ان يلعبه على الصعيد الإقليمي، بما في ذلك إيجاد توازن مع العراق الذي كان يحكمه البعث الاخر منذ 1968، خصوصا منذ تفرّد صدّام حسين بالسلطة صيف العام 1979. تغيّر كلّ شيء في عهد بشّار الأسد الذي لم يعد يفرّق بين مصلحة النظام السوري ومصلحة "حزب الله" ومن خلفه ايران.

بكلام أوضح، لم يعد كافيا بالنسبة الى إسرائيل الحصول على ضمانات بالنسبة الى الجولان من بشّار الأسد. إسرائيل تعرف قبل غيرها ان بشّار الأسد لم يعد سوى صورة وانّه لا يستطيع الاستجابة كلّيا لما يطلبه منه الجانب الروسي، بل عليه ان يراعي الايراني ايضا.

ما الذي ستفعله الإدارة الاميركية؟ هل تستجيب للضغط الذي تحدّث عنه الوزير الإسرائيلي؟ من الصعب التكهنّ بالموقف الاميركي من ضمّ إسرائيل الجولان نهائيا. لكن الثابت انّ أمورا كثيرة ستتوقّف على التصرّفات الايرانية. هل ستأخذ ايران المنطقة الى انفجار جديد في ضوء إصرارها على البقاء، مباشرة او عبر ادواتها، في الجنوب السوري والمناطق المحيطة بدمشق؟

في كلّ الأحوال، لن تجد إسرائيل صعوبة في اعداد نفسها لتشريع احتلال جديد لأرض عربية، على غرار ما تفعله في القدس والضفّة الغربية حيث تتابع سياسة الاستيطان. ما العمل عندما تكون الظروف الإقليمية والدولية مواتية لها وعندما يتبيّن ان النظام السوري فعل كلّ شيء منذ العام 1967 كي يبقى الجولان محتلا. كان احتلال الجولان يخدم، بالنسبة الى النظام السوري، أهدافا عدّة في الوقت ذاته. كان يغطي حملته المستمرّة على الشعب الفلسطيني. لعلّ ما حلّ بمخيم اليرموك في دمشق اخيرا افضل دليل على نظرة هذا النظام للشعب الفلسطيني. كذلك كان الجولان يغطي طموحه الدائم لفرض سيطرته على لبنان.

الواضح الآن ان لعبة الجولان انتهت سوريا. ستستمر إيرانيا. معروف ان البداية الايرانية لهذه اللعبة كانت مع اندلاع الثورة السورية في آذار – مارس 2011. كيف ستنتهي هذه اللعبة الايرانية – الإسرائيلية من دون حرب إقليمية باتت في هذه الايّام حاجة إيرانية اكثر من ايّ شيء آخر؟