لقاء تاريخي يجمع البابا فرنسيس بالسيستاني في النجف

مقربون من المرجع الشيعي الأبرز في العراق يقولون ان اللقاء يشكل مصدر فخر للعديد من الشيعة في بلد يعيش منذ 40 عاماً أزمات ونزاعات من ضمنها حرب أهلية دامية.
رفعت في بعض شوارع النجف لوحات عليها صور البابا فرنسيس وآية الله السيستاني
البابا والسيستاني يعقدان لقاء مغلقاً لمدة ساعة بعيدا عن الاعلام
السيستاني يؤكد خلال للقاء البابا على ضرورة أن يعيش مسيحيو العراق في أمن وسلام
البابا يندد بالارهاب المسيئ للدين ويصلي من اجل السلام في سوريا

بغداد - بدأ في العراق صباح السبت لقاء غير مسبوق بين البابا فرنسيس الزعيم الروحي لـ1,3 مليار مسيحي في العالم، والمرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني في النجف، في واحدة من أهمّ محطات زيارة الحبر الأعظم التاريخية إلى البلاد.
وبعدما التقى زعماء الطوائف الكاثوليكية الجمعة في بغداد، يمدّ البابا اليد إلى المسلمين الشيعة بزيارته السيستاني البالغ من العمر 90 عاماً والذي لا يظهر في العلن أبداً، في منزله المتواضع في مدينة النجف على بعد 200 كلم إلى جنوب بغداد.
وأكد السيستاني على "اهتمامه بأن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام"، بحسب بيان صدر عن مكتبه مشددا خلال اللقاء الذي بدأ نحو الساعة التاسعة (7,00 ت غ) في منزله وانتهى بعد خمسين دقيقة، على ضرورة أن يتمتع المسيحيون "بكامل حقوقهم الدستورية"، شاكراً الحبر الأعظم على زيارته. ونشر الموقع الرسمي لأخبار الفاتيكان صورة تجمع الرجلين. ولا يظهر السيستاني إجمالا أمام وسائل الإعلام، ويتلو عنه أعوانه خطبه في العلن.
ولم يسمح للإعلام بحضور اللقاء إلا أنه مع ذلك يشكل مصدر فخر للعديد من الشيعة في بلد يعيش منذ 40 عاماً أزمات ونزاعات، من ضمنها حرب أهلية دامية بين المسلمين السنة والشيعة.
ورفعت في بعض شوارع النجف لوحات عليها صور البابا فرنسيس وآية الله السيستاني مع عبارة بالانكليزية "اللقاء التاريخي".

وحضّ البابا فرنسيس السبت في خطاب من أور في جنوب العراق على السير من "الصراع إلى الوحدة"، طالباً "السلام لكلّ الشرق الأوسط" و"بشكل خاص في سوريا المجاورة المعذبة".

وكان البابا ذكر الجمعة في كلمة أمام المسؤولين في بغداد أيضاً سوريا حيث تحوّلت انتفاضة شعبية إلى حرب لا تزال مستمرةً منذ عشر سنوات راح ضحيتها أكثر من 387 ألف شخص.

كما ندد البابا فرنسيس بالإرهاب الذي يسيء إلى الدين خلال صلاة في موقع أور الأثري، وذلك بعد حوالى أربع سنوات من دحر تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر بين 2014 و2017 على أجزاء واسعة من العراق وزرع الرعب والدمار.
وقال البابا في اليوم الثاني من زيارته التاريخية الى العراق أمام مسؤولين دينيين مسلمين وأيزيديين وصابئة في الموقع الذي يعتقد أنه مسقط رأس النبي ابراهيم، "لا يصدر العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلها خيانة للدين"، مضيفاً "نحن المؤمنين، لا يمكن أن نصمت عندما يسيء الإرهاب للدين. بل واجب علينا إزالة سوء الفهم".

بعدٌ آخر

زيارة السيستاني الى النجف تاتي وسط اجراءات مشددة
زيارة السيستاني الى النجف تاتي وسط اجراءات مشددة

ويقول رجل الدين الشيعي محمد علي بحر العلوم أن هذه الزيارة تشكّل مصدر "اعتزاز"، مضيفاً "نثمن هذه الزيارة التي ستعطي بلا شك بعدا آخر للنجف الأشرف".
وفي مطار بغداد الدولي الذي نزل به الحبر الأعظم الجمعة، رفعت لافتة كبرى فيها دعوة إلى التعايش والحوار بين الأديان تتضمن اقتباساً من أحد أقوال الإمام علي الشهيرة "فإنهم صنفنان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق".
والسيستاني أعلى مرجع لغالبية الشيعة في العراق. وهو من أهم مراجع الشيعة في العالم البالغ عددهم مئتي مليون، بسحب معهد بيو، ويشكلون أقلية من 1,8 مليار مسلم بالإجمال، حسب معهد "بيو".
ويمثل السيستاني المولود في إيران مرجعية النجف التي تؤيد أن يكون دور المرجعية استشاريا للسياسيين وليس مُقرّرا، مقابل مرجعية قم في إيران التي تؤكد أن لرجال الدين دورا في إعطاء توجيهات سياسية على غرار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي.
ويرى الكادرينال الإسباني ميغيل أنخيل أيوسو الذي يرأس المجلس البابوي للحوار بين الأديان أن "مدرسة النجف الفقهية أكثر علمانية من مدرسة قم التي لها اتجاه أكثر تديناً"، مضيفاً أن النجف "تعطي أهمية أكبر للبعد الاجتماعي" أيضاً.
مصالح خارجية
وألقى آية الله العظمى بثقله في العام 2019 لإسقاط الحكومة حينها بعد أشهر من تظاهرات قادها شباب احتجاجاً على الفساد والتردي في الأوضاع الاجتماعية في بلادهم.
وينحو البابا كما السيستاني، إلى إطلاق مواقف سياسية غالبا. لكن كلاهما يعتمدان أسلوباً موزوناً في إطلاق مثل هذه المواقف. وفي خطابه الجمعة في بغداد، تطرّق البابا إلى مواضيع حساسة وقضايا يعاني منها العراق خلال لقائه الرئيس برهم صالح.

لتصمت الأسلحة ولنضع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان ولتتوقف المصالح الخاصة المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين

فقال "لتصمت الأسلحة! ولنضع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام!". وأضاف "كفى عنفا وتطرفا وتحزبات وعدم تسامح! ليعط المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معا هذا البلد في الجوار وفي مواجهة صريحة وصادقة وبناءة".
ودعا أيضاً إلى "التصدي لآفة الفساد وسوء استعمال السلطة، وكل ما هو غير شرعي".
وتجري زيارة البابا وسط إجراءات أمنية مشددة، وفي ظل إغلاق تام سببه ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا مع أكثر من خمسة آلاف إصابة في اليوم.
وتلقى البابا لقاحاً مضاداً للفيروس، فيما لم يشر مكتب السيستاني إلى أن آية الله العظمى حصل على لقاح من جهته.
بعد النجف، يتوجه البابا فرنسيس جنوباً أيضاً إلى أور، الموقع الأثري الذي يعتقد أنه مكان مولد النبي ابراهيم، أب الديانات السماوية.
وسيشارك هناك في صلاةً مشتركة مع رجال دين شيعة وسنة وأيزيديين وصابئة.