لكل داء رواية .. التداوي بالرواية عالميا

بنيامين روش يعرف بأنه أول من أوصى في العصر الحديث بالقراءة لعلاج المرضى، وكان ذلك في عام 1802.
المكتبة المسكونة
التكامل الإنساني

القاهرة ـ من أحمد رجب
"هنا علاج الروح"، و"هنا بيت علاج النفس" مقولتان نقشهما المصريون القدماء على جدران معابدهم، ومنها إنتقلتا إلى البابليين والآشوريين، ثم عرفهما الرومان. هكذا أعلت الحضارات القديمة من شأن القراءة، ولم تتعامل معها فقط كوسيلة معرفة بل أيضا وسيلة شفاء.
وفي العصر الحديث يعرف بنيامين روش بأنه أول من أوصى بالقراءة لعلاج المرضى، وكان ذلك في عام 1802، لكن وصيته تعطلت حتى عام 1904 حتى قامت كاتلين جونز ببرامج ناجحة للعلاج بالقراءة، وكانت أول من فتح الباب عالميا لجعل الببليوثيرابيا ضمن فروع علم المكتبات.
 ويذكر أن  الدكتور شعبان خليفة أستاذ المكتبات في جامعة القاهرة كان من أوائل من انتبهوا عربيا إلى هذا العلاج فوضع عنه كتابا مرجعيا عكف على جمع مادته طيلة عشرين عاماً، ليكون بذلك أول مرجع باللغة العربية في هذا المجال. أما الباحث الروسى نيقولاس روباكن فهو المؤسس الحقيقي لما يعرف بعلم نفس الكتاب، فقد كرس الرجل حياته الطويلة (84) عاما للكتب، قارئا، وناشرا، ومؤلفا لـ 330 كتابا.
العلاج بالقراءة
اعترف قاموس دورلاند الطبي المصور لأول مرة بالعلاج بالقراءة عام 1941، وعرف مصطلح “بيبليوثيرابي” بأنه "استخدام قراءة الكتب في علاج الأمراض العصبية"، لكن طبقاً لقاموس أوكسفورد الانجليزي ظهر المصطلح مطبوعا أول مرة عام 1920، في رواية كريستوفر مورلي “المكتبة المسكونة”،التي تدور حول مكتبة للكتب القديمة في بروكلين تسمى "بارناسوس في البيت" تفوح منها رائحة الورق والجلد القديمين، وكذلك رائحة دخان التبغ المنبعث من غليون بطل الرواية "ميفلن" ليل نهار. 
وميفلن هذا ليس مجرد بائع كتب، لكنه ممارس عام لطب العلاج بالكتب، وهو يقول: “متعتي تتمثل في وصف الكتب للمرضى عندما يأتون إلى هنا ويعربون عن استعدادهم لإخباري بما يعانون من أمراض. ولا يوجد على وجه الأرض أكثر امتنانا من إنسان مددت له كتاباً كانت تتوق إليه روحه ولم يكن يعرف به".
والمبدأ الذي تقوم عليه عملية العلاج بالقراءة هو نفسه المبدأ العلمي الذي استخدمه العلماء أخيراً  في وضع طرق جديدة للعلاج النفسي، باستخدام وسائل أخرى غير كرسي الاسترخاء التقليدي أو “الشيزلونج” وغير جلسات التحليل النفسي، فضلا عن الأدوية الكيمياوية.
وهذا المبدأ هو "التكامل الإنساني" أي الإنسان الذي تتكامل لديه الاحتياجات كلها، من جسمانية وعقلية ونفسية، ولذا لا يمكن فصل جانب عن آخر. وفي هذا الصدد ذكرت "الجارديان" أن هناك اتجاها طبيا رائجا يدعو إلى إلاستغناء عن الكيماويات والمضادات الحيوية والعودة إلى الطبيعة، سواء الأدوية الطبيعية غير الكيماوية أو حتى الطبيعة البشرية نفسها، ولهذا السبب حقق برنامج علاجي تحت عنوان "الدخول إلى القراءة" نجاحات مبهرة في علاج الإدمان على المخدرات والكحوليات، بنسبة نجاح وصلت إلى 65 % تقريبا.
أما البرنامج الذي يقوده البروفيسورجان دافيز أستاذ الطب النفسي بجامعة وستمنستر، فيعتمد على "كورس" علاجي من القراءة المكثفة يتم تطبيقه بدقة على المدمنين والسجناء ومرضى الاكتئاب المزمن، عن طريق تقسيمهم في مجموعات تضم كل مجموعة منها عشرة أشخاص، ويتم إعطاء المشاركين مسرحيات مختارة بدقة على أن يتم إعادة تفسيرها داخل المجموعة الواحدة بحيث يكتشف كل واحد من المشاركين كيف قرأ زميله المسرحية نفسها.
ويعد هذا البرنامج تطويرا لأسلوب سبق تجربته في بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية حيث شاع استعمال روايات جين أوستن خلال جلسات التحليل النفسي للجنود العائدين من الحرب، وقيل إن الروائية نفسها استطاعت عبر البرنامج أن تتجاوز أزمة حزنها لفقد زوجها.
وعن آثار القراءة على الدماغ، تم إجراء مسح للدماغ بالرنين المغناطيسي للمشاركين في التجربة، التى أثبتت أن الذين يقرأون عن تجربة معينة يسجلون إشارات تحفيزية للمناطق العصبية التي تنشط حين يخوضون التجربة بأنفسهم، وأشارت دراسات أخرى لنتيجة مشابهة حيث توصلت إلى أن قراء القصص يتعاطفون بشكل أكبر مع الآخرين.
الرواية علاجا
أثبتت دراسات العلاج بالرواية أو العلاج بالسرد أن الإنسان يتحسن حاله بقراءة الروايات، فالقراءة تمكنه من إدراك الأشياء بشكل أفضل، والروايات على وجه الخصوص يمكن أن تجعله أكثر ثقة من الناحية الاجتماعية. 
ففي عام 2013، اكتشف علماء المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية أن الروايات تعزز من قدرة البشر على تفهم وقراءة مشاعر وعواطف الآخرين. فنحن نفكر في الروايات كأماكن نفقد فيها أنفسنا، ولكن عندما نخرج منها نأخذ معنا الإلهام من شخصياتنا المفضلة فيها. كما كشفت دراسة لباحثين في جامعة ولاية أوهايو الأميركية أن هذه العملية يمكن أن تغير بالفعل من سلوك القارئ. 
وفي عام 2015 نشرت دورية "أبلايد سوشيال سيكولوجي" بحثا أظهر كيف أن قراءة قصص هاري بوتر جعلت الشباب في بريطانيا وإيطاليا أكثر استعداداً وإيجابية إزاء الأقليات المهمشة واللاجئين. 
وكانإريك فروم سباقا فى هذا المجال حينما إقترح دراسة بعض النصوص الأدبية لـبلزاك، ودوستويفسكي، وكافكا؛ لاكتشاف فهم عميق للإنسان، قد لا يتوفر بالقدر نفسه في كتب التحليل النفسي.
صيدلية روائية
أما إلآ برثود وسوزان إلدركن فهما صاحبتا أول كتاب للعلاج بالرواية، وكان كتابهما محصلة بحث دؤوب استغرق منهما نحو 25 عاماً، منذ كانتا طالبتين في جامعة كامبردج. والعنوان الكامل للكتاب في طبعته الأميركية هو "العلاج بالرواية من الهجر إلى فقدان الشهية _  751 كتابا لعلاج كل ما تشكو منه"، وهو عنوان مسرف في الطول لذا اختصرتاه حينما أعيد طبع الكتاب فى بريطانيا ليصبح: "العلاج بالرواية: العلاج الأدبي من الألف إلى الياء"، وهو العنوان الذى استمر مع الكتاب في طبعاته المتوالية، وفي ترجماته إلى العديد من لغات العالم الحية، لكن للأسف لم تكن اللغة العربية من بينها، والكتاب الذى راج بعدما نشرت صحيفة نيويورك تايمز عرضا له عقب صدور طبعته الأولى تحت عنوان شابهه فى الطول: "العلماء ينصحونك بتناول القليل من تشيكوف لكي تحظى بمهارات اجتماعية أفضل"، يستعين بـ (751) رواية لكي تكون علاجاً شافياً لجميع أمراض البشر النفسية والجسدية والعقلية والروحية. وقد وضعت المؤلفتان أمام كل مرض عنوان  الرواية أو الكتاب المقترح لعلاجه.      وكما ذكر الكتاب: "إن كنت تعاني من الإفلاس؛ فعلاجك رواية: جاتسبي العظيم، لـفيتزجيرالد. وإذا كنت تشكو من البدانة؛ فتناول رواية "الصرخة الآتية من بعيد" لـريتشارد شريدان. ولعلاج آلام الأسنان؛ رواية "آنا كارنينا" لتولستوي. 
أما من يعانون الأرق فيمكنهم قراءة "اللاطمأنينة" لـفيرناندو بيسوا ويمكن التغلب على فوبيا الخوف برواية "مائة عام من العزلة" لـماركيز، أما التسويف وتأخير أداء الواجبات فتناسبه رواية "بقايا النهار" لـ إيشيجيرو.
وفي بعض  الترجمات التي صدرت لهذا الكتاب تمت إضافة بعض الروايات المقترحة لعلاج الاضطرابات والأمراض المنتشرة في كل بلد، فمثلًا في النسخة الهولندية، تضمنت المبالغة في تقدير قدرات الطفل. والنسخة الهندية، تناولت التبول في الأماكن العامة، والنسخة الإيطالية تضمنت مفاهيم العجز والخوف من الطرق السريعة. بينما أضيفت للنسخة الألمانية قراءات مقترحة لعلاج ما أسماه مترجم الكتاب "كراهية العالم".
وهكذا توالت الوصفات التى يبدو أنها ناجحة بدليل توالي طبعات وترجمات الكتاب خلال العامين الأخيرين، لكن في عالمنا العربى، وللأسف لم تصدر بعد ترجمة عربية للكتاب، قد يرفض كثيرون تلك الوصفات باعتبارها روشتات غربية بينما نحن كعرب نحتاج علاجا عربيا، مع أننا لا نملكه فبعض أمناء المكتبات في العالم العربي لم يسمع حتى بهذه الخدمة أو ربما كانت لديه فكرة غامضة غير محددة الملامح، وحتى على مستوى المعالجين النفسانيين، فنادرا ما يصف الطبيب النفسي للمريض طريقة العلاج بالقراءة، وحول أهمية أن يكون هناك علم عربي للعلاج بالقراءة يذكر د. شعبان خليفة أن المرض يرتبط بطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه المريض، وقيمه، وعاداته لذا يجب ألا ننقل الروشتات الغربية كما هي، ولا يكفى أن نعربها بل يجب أن نبذل جهدا لاكتشاف كتب عربية قادرة على مداواة العرب من أمراض ربما تخصهم وحدهم. (خدمة وكالة الصحافة العربية).