"لكنك ستفعل" رواية مليئة بالظلال والأضواء

رواية الكاتب الإيطالي جوزبِّه كاتوتسيلا بسيطةٌ مثل كلِّ الأشياء التي تسبر الأعماق.
كاتوتسيلا كتب العديد من قصائد النثر والمجموعات القصصية والروايات الاستقصائية والمقالات الصحفية
نحن قومٌ غُزاة في أرض غنيَّة بالثروات والنفائس

ميلانو (إيطاليا) ـ صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط - ميلانو، روايةٌ جديدة للكاتب الإيطالي جوزبِّه كاتوتسيلا، بعنوان "لكنك ستفعل"، ترجمها عن الإيطالية يوسف وقاص وخالد سليمان الناصري. 
وجاء في كلمة الناشر: أريليانا، "خمسونَ منزلاً من الحجارةِ ومئتا نسمة"، هي البلدةُ التي يقضي فيها بييترو ونينا إجازتهما مع جدَّيْهِما، في صيفٍ فقدا في بدايتهِ أمَّهُما. عطلةٌ لا تشبهُ سابقاتِها، حيثُ السَّيلُ الذي لم يَعُدْ سَيْلاً، والقصرُ المهجورُ، والبرجُ النورمانديّ، وغطرسة العمّ روكّو، ملاّك الأراضي الأرعن الذي حكمَ على البلدةِ بالفقر والتخلُّف. ثمَّ اكتشاف عائلةٍ من المهاجرينَ مختبئةً داخل البُرج، وانقسام الأهالي بين رافضٍ لها وغاضبٍ على تواجدِها الغامض بينَهم، لكنَّ ذلك، هو ما سيُشعِلُ فتيلَ التَّغيير ويزرعُ بذورَ الأمل في الجنوب.
وفي خضمِّ تماهي الأحلام بالتَّوتُّرات الجديدة، يعبرُ بييترو من الطفولة إلى المراهقة، ويُخبرنا صوتُه، كيف يتمُّ التغلُّب على الموتِ والخيانةِ والظُّلم، وكيف تطفحُ تلك المرحلة بالرِّقة والبهجة رغم كلِّ الآلام. ومن خلال هذا الصَّوت العفوي، السَّاخر والحَكيم، يكتبُ كاتوتسيلا روايةً قويَّةً وناجعَةً، روايةٌ مليئةُ بالظِّلال والأضواء، بالمأساةِ والضَّحك، ولكنها بسيطةٌ مثل كلِّ الأشياء التي تسبر الأعماق.
مفتتح الرواية:
لنكن صريحين من البداية، نحن قومٌ غُزاة في أرض غنيَّة بالثروات والنفائس، غزوْناها سرَّاً لنعمل - هذا ما أخبرتْنا به الراهبة في الروضة، وجرَّاء علاقتها الخاصَّة بالرَّبِّ، فما كان لها أن تُخطِئ.
في ذاك اليوم، ولم أكنْ قد تجاوزتُ الرابعة من عمري، صوَّبتْ تلك المرأة الصغيرة المتَّشحة بالسواد إصبعَها نحوي. ليلاً داهمتْني الكوابيس. وفي الصباح، أقسمتُ ما إن فتحتُ عينَيَّ، بأنني لن أكون على شاكلة أَبَوَيَّ، شخصاً منبوذاً، يستولي على عمل الآخرين، ويحتلُّ البيوت، والحدائق، والشوارع، وكل الأشياء الاستثنائية: سأكون دائماً موضع ترحيب، لا، بل مُحتفَى به، إن صحَّ القول. تطلَّب ذلك الكثير من الشجاعة، وتضرَّعتُ إلى الرَّبِّ كلّ ليلة أن يهبَني إيَّاها، وأن يكتسبَ أبواي لهجة قريبة من لهجة أهل الشّمال، لئلَّا يُفتضَح أمرُنا.
من الكتاب:
عندئذ بدأتُ أقفز وأرقص مثل الأبله داخل تلك القاعة، الاثنان الآخران كانا قد صعدا إلى الطابق الثاني، كنتُ أسمعهما يمشيان فوقي، ويُحدثان ضجيجاً كبيراً، لقد وجد كلاهما الآخر، هذان الاثنان، هذا كلّ شيء. وهكذا يمكنني أن أرقص وحدي بين المقاعد، وأكون في سعادة وسلام، لأن السعادة تنمو بإفراط، إن لم يكن هناك من ينظر إليك، لأننا ننظر إلى أنفسنا بشكل فعلي، ولم يكن يوجد شيء أفضل من ذلك في العالم. هكذا تحوّلتُ إلى مهرّج، وقمتُ باستعراض ممتع وأنا أدور حول نفسي وأقع على الأرض. كنتُ أستدير إلى اليمين، فتأتيني صفعة من اليسار، أسحب إصبعي فأضرط، أُمسك بيدي فأصاب بصعقة كهربائية. باختصار، أشياء تغميك من الضحك.
عن الكاتب:
كاتب وصحفي إيطالي من مواليد عام 1976، تخرج من كلية الفلسفة في جامعة ميلانو وقدّم أطروحته عن مسألة العقل والمنطق في فلسفة نيتشه.
كتب كاتوتسيلا العديد من قصائد النثر والمجموعات القصصية والروايات الاستقصائية والمقالات الصحفية. ونشر في أهم الجرائد اليومية في إيطاليا. تعنى كتاباته بالأزمات الإنسانية كالهجرة، والقضايا والوطنية كالمافيا، والمثاقفة بهدف بناء جسور التواصل بين حضارات العالم وثقافاته المعاصرة. عمل مستشاراً للعديد من دور النشر من أهمها «فلترينيللي» وهي إحدى كبريات دور النشر الإيطالية وأعرقها. وحالياً يعمل كسفير للنوايا الحسنة للأمم المتحدة.
حازت روايته "لا تقولي إنك خائفة" على جائزة "لوستريغا" للشباب، أهم جائزة للأدب في إيطاليا وترجمت لأكثر من أربعين لغة، وصدرت الطبعة الأولى في اللغة العربية عام 2016. ثم الطبعة الثانية 2017، والطبعة الثالثة 2019.