لماذا تخلى الصدر عن المحتجين؟

أوامر لقمع الاحتجاجات بعد المليونية كانت باتفاق بين جميع الأطراف وبموافقة مقتدى الذي يتحمل المسؤولية الأكبر.

بقلم: حسن حامد سرداح

أكثر المشاهد حزنا أن ترى خيام المحتجين المرابطين منذ نحو أربعة اشهر تلتهمها النيران على أيدي من خرج المتظاهرون للدفاع عن حقوقهم التي سلبتها القوى السياسية خلال السنوات الماضية، وللبحث عن وطن اضاعته السياسات الخاطئة والخضوع للقرارات الخارجية، فبدلا من الوقوف معهم ومساندتهم في مواجهة السلطة تحولت تلك القوات إلى اداة لقمع المحتجين مستغلة قرار زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بالتخلي عن ساحات الاعتصام بحجة "الإساءة" لشخصه والتشكيك بنواياه، لكن السبب قد يكون ابعد من ذلك.

إن مشكلة قرار السيد الصدر لا تتعلق بترك المحتجين يواجهون سلطة تمتلك المال والسلاح فقط، إنما تراجع عن خطابه الاصلاحي في محاربة الفاسدين وإجبار القوى السياسية على تغيير سلوكها تجاه "عباد الله"، وهذه الخطوات المتجددة عادت مرة أخرى الى الواجهة حينما وافق زعيم التيار الصدري على مشاركة الفصائل المسلحة وجهات "متهمة" بمحاولة إنهاء الاحتجاجات السلمية وتشويه صورتها، بالتظاهرة المليونية لطرد القوات الأجنبية، لتكون اول انتكاسة في العلاقة بين ساحات التظاهرات والسيد الصدر، والتي كان بالإمكان تجاوزها من خلال تأجيل المليونية لحين إصلاح العملية السياسية من الداخل، وبعدها يشارك الجميع بصيانة السيادة والتنديد بوجود القوات الأجنبية.

 لكن ما حصل في الاجتماع الذي عقد بمدينة قم الإيرانية بين السيد الصدر وقادة فصائل المقاومة وموافقتهم على تسميته قائد المقاومة اثار العديد من علامات الاستفهام عن أسباب موافقة تلك القيادات على تسليم رقابها بيد السيد الصدر بعد "سنوات عجاف" من توتر العلاقات والاتهامات المتبادلة، لكن ما سربته صحيفة العالم الجديد، وضع النقاط على الحروف حينما كشفت عبر مصادر مطلعة بان "القيادة الإيرانية اتخذت قرارا بإبعاد القيادات السياسية المقربة منها (نوري المالكي وهادي العامري ومسعود البارزاني وقيادات اخرى) بسبب اغتيال الجنرال قاسم سليماني وتحميلها مسؤولية التقصير وفشلهم في "اخماد" التظاهرات، ليكون هدفها السيد الصدر المقيم في إيران لأغراض الدراسة، وبهذا قدمته قائدا لفصائل المقاومة التي تمتلك ايران نفوذا كبيرا وسلطة على قياداتها، اضافة إلى مهارة الصدر في السيطرة على تلك الفصائل التي ولدت أغلبية قياداتها من التيار الصدري.

حديث المصدر الذي سرب المعلومات لم ينته ليضيف، ان "إيران وجدت في السيد الصدر الشخص الوحيد القادر على تحقيق ما عجز عنه الآخرون لامتلاكه قاعدة شعبية كبيرة يستطيع من خلالها توجيه الأحداث واتخاذ القرارات، كما منحت إيران ضمانات لزعيم التيار الصدري لتأييده في حال رغبته بتولي المرجعية التي يرغب بقيادتها أسوة بوالده السيد محمد صادق الصدر"، وفي أول تجربة لهذا التوجه كانت زيارة رئيس الجمهورية برهم صالح الى سويسرا ومشاركته في منتدى دافوس ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي دفع فصائل المقاومة لانتقاد رئيس الجمهورية وتهديده بالطرد من بغداد، في حين أشاد السيد الصدر بخطوات برهم صالح وقدم له الشكر على مواقفه، بالمقابل لم تتحرك الفصائل كعادتها في انتقاد السيد الصدر في حال مخالفاتها، ليؤكد ما حصل من اتفاق مهد للتظاهرة المليونية التي دعا اليها زعيم التيار الصدري وشاركت فيها الفصائل.

قد يتهمني بعض القراء بالتحامل على السيد الصدر ومحاولة تشويه صورته، أبدا، القضية تتعلق بالمواقف وليس بالشخوص، ولكون السيد الصدر لديه تجارب سابقة في التراجع عن التظاهرات كما حصل في الولاية الأولى لرئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وفي عهد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي حينما اقتحم المنطقة الخضراء ونصب بداخلها خيمته وبعد أيام امر أنصاره بالانسحاب بعد تحقيق المطالب كما أعلن في حينها، لكن المواطن لم يلمس نتائج تلك المطالب، واليوم أعيدت التجربة ذاتها بالتظاهر والانسحاب، لكن هذا لا يلغي موقف زعيم التيار الصدري بالتصدي لبعض الفصائل التي كانت تهدد باقتحام ساحات الاحتجاج وقتل المتظاهرين، وكيف كان يمثل حجر عثرة في طريقهم، حتى جاءت التظاهرة المليونية والتي نقلت في مقال سابق قبل أسبوع على موعدها تأثيرها على التظاهرات السلمية وإمكانية أن تكون بداية لقمعها بالقوة، وهو ما تحقق فعلًا بعد ساعات على انتهاء المليونية، وانسحاب أنصار التيار الصدري بعد تغريدة من زعيمهم عاتب خلالها المتظاهرين واتهمهم لأول مرة منذ انطلاق الاحتجاجات في تشرين الأول الماضي، بالتعامل مع شخصيات مرتبطة بجهات اجنبية، ليترك ساحات الاحتجاج تهاجمها القوات الامنية التي انتهت من خيام البصرة، وحاولت إنهاء ساحة التحرير لكنها تفاجأت بانقلاب السحر على الساحر، حينما امتلات التحرير وساحات المحافظات مرة أخرى بالمحتجين الذين يواجهون الرصاص بصدورهم فقط، ليثبتوا بان المطالبين بالوطن لا تحركهم المصالح السياسية.

الخلاصة، أن صدور الأوامر لقمع الاحتجاجات بعد التظاهرة المليونية كان باتفاق سياسي شاركت فيه جميع الأطراف وبموافقة السيد الصدر الذي يتحمل "المسؤولية الأكبر" حتى وان كانت "خارج ارادته"، مقابل منحه الحق بتسمية رئيس الوزراء البديل عن المستقيل عادل عبد المهدي، لكن ما حصل سيضاف لسجل التراجع عن نصرة المطالبين بالحقوق وخذلان الدماء التي اريقت للتحرر من سلطة الأحزاب الفاسدة.. أخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. لماذا لجأ الكثير للشماتة بالمحتجين بعد انسحاب التيار الصدري؟

كاتب عراقي