لماذا تلتزم حركة فتح الصمت حيال العدوان على غزة؟

العديد من أنصار فتح يؤكدون أن دور الحركة تراجع أصلا في الشارع الفلسطيني منذ توقيع اتفاقية أوسلو وانغماس القادة في وظائف السلطة الوطنية.

رام الله - تبدو فتح بزعامة الرئيس محمود عباس، الحركة القائدة تاريخيا للفلسطينيين، في موقع المتفرّج أكثر فأكثر في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس التي طردتها من قطاع غزة في العام 2007.

ويثير موقف الحركة التي تقود السلطة الفلسطينية منذ إنشائها في العام 1994 استياء في صفوفها، ولو أنه لم يخرج إلى العلن بعد، وبين الفلسطينيين، في وقت تتنامى شعبية غريمتها حركة حماس.

وتتجنّب حركة فتح ومسؤولون في السلطة الفلسطينية الإعلان عن موقف مؤيد للهجوم الذي نفذته حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين أو التضامن العملي معها، رغم التنديد بسقوط ضحايا كلّ ساعة نتيجة القصف الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة.

ويقول مسؤول فلسطيني من قيادات الحركة "ضُربنا بِحُقنة مخدّر تسمى أوسلو"، في إشارة إلى الاتفاقات الموقعة في العام 1993 والتي نصّت على التفاوض من أجل الحل النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان يفترض أن تؤدي المفاوضات الى إنشاء دولة فلسطينية، الأمر الذي لم يحدث.

ويقول المسؤول الذي لم يشأ ذكر اسمه "تتجنّب القيادة العليا للحركة إعطاء أي موقف مؤيد أو متضامن، كي لا تظهر أنها مؤيدة لما قامت به حركة حماس" ويقول العديد من قادة الحركة من الجيل الجديد بصوت خافت "لا ندري أين دورنا في هذه المعركة؟".

وفي الأيام الأولى للحرب التي أعقبت هجوم حركة حماس غير المسبوق، أثار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الجدل بعد أن نقل عنه قوله للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادرو "أفعال حماس لا تمثّل الشعب الفلسطيني وسياسات وبرامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثل الشعب الفلسطيني".

ويضيف المسؤول "نظهر في فتح وكأن الأمر في غزة لا يعنينا، لأن غالبية القيادات المؤثرة ارتبطت بمصالح شخصية مع السلطة الوطنية، وبالتالي بات الجميع يشعر أن مصالحه ستتضرّر في حال أعلن موقف مغاير لموقف رئيس السلطة الوطنية".

وشهدت حركة فتح صراعات داخلية عقب وفاة زعيمها التاريخي ياسر عرفات في العام 2004. وأبعد الرئيس محمود عباس عقب انتخابه في العام 2005، عددا من قادة الحركة المؤثرين ومنهم محمد دحلان المقيم الآن في الإمارات وناصر القدوة، قريب ياسر عرفات.

ويقول القيادي في حركة فتح توفيق الطيراوي "حركة فتح ناضلت بالسلاح منذ 1965 إلى حين اتفاقية أوسلو على اعتبار أنه ستكون لنا دولة، لكن هذا الموضوع فشل".

وشاركت الحركة والأجهزة الأمنية الفلسطينية بقوة في المواجهات المسلحة مع الجيش الإسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية، وقتل واعتقل الآلاف من عناصرها في الفترة ما بين العامين 2000 و2004.

ووثّقت هيئة شؤون الأسرى في ذلك الحين 126 ألف حالة اعتقال في تلك الانتفاضة ومن ضمنهم حوالي 18 ألف طفل ممن تقلّ أعمارهم عن 18 عاما.

ويقول مسؤول قيادي في الحركة طلب عدم ذكر اسمه "بصراحة أشعر بشيء من النقمة على المستوى القيادي الذي لا يظهر أي موقف إزاء هذه الحرب في غزة".

ووصف القيادي في حركة فتح وأمين سرّها الفريق جبريل الرجوب الهجوم الذي نفذته حركة حماس بـ"الزلزال" الذي يجب أن يعيد حسابات الجميع.

وقال الرجوب مؤسس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني خلال لقائه صحافيين وكتّاب في الكويت الأسبوع الماضي "أحداث السابع من أكتوبر كانت زلزالاً بكل المعاني"، لافتا إلى الأحداث القائمة تحتم على القوى الفلسطينية "بما فيها حركة فتح" إجراء مراجعة شاملة.

وتابع "حركة حماس جزء من نسيجنا الوطني النضالي والسياسي والاجتماعي ولا بدّ من إشراكها في القرار السياسي".

ويقول منتمون إلى حركة فتح إن دور الحركة تراجع أصلا في الشارع الفلسطيني "منذ توقيع اتفاقية أوسلو وانغماس القادة في وظائف السلطة الوطنية".

ويقول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي "هناك أعضاء في الحركة مسلحون ينسقون مع إخوانهم الآخرين في فصائل أخرى بعيدا عن القيادة السياسية"، مضيفا أن هناك جيلا جديدا يعيش "حالة من التمرد على الواقع في مختلف التنظيمات". 

ونفذ الطيران الإسرائيلي أثناء الحرب في غزة هجمات طالت موقع لحركة فتح في مخيم بلاطة في الضفة الغربية المحتلة، واعتقل عددا من القياديين الميدانيين في الحركة.

وأواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نفّذ مسلحون حكم الإعدام بحق اثنين من الفلسطينيين اتهموا بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي في مخيم طولكرم وهو نهج جديد يقوم به مسلحون بعيدا عن قوانين السلطة الفلسطينية.

ولعب القيادي مروان البرغوثي دورا قياديا ميدانيا في الانتفاضة الثانية، ويتمنى كثيرون الإفراج عنه من سجون إسرائيل من خلال صفقة تبادل قد تنجح في إبرامها حركة حماس لقاء الرهائن الإسرائيليين لديها.

ويقول قيادي في فتح عمل ضابطا في جهاز أمني "ليس لفتح إلا مروان البرغوثي لتفعيلها وإحداث تغيير في الواقع السياسي، لأنه مقبول لحركة فتح ولحركة حماس".

وفي العام 2007، سيطرت حماس بقوة السلاح على قطاع غزة واحتلت كافة المراكز التي كانت تتبع للسلطة الفلسطينية، فيما لم تنجح محاولات رأب الصدع بين الحركتين منذ ذلك الحين إلا ان الحرب أعادت رفع أسهم حماس.

ويقول الطيراوي "حركة حماس جزء من النسيج الوطني الفلسطيني مثل كل التنظيمات في منظمة التحرير الفلسطينية أو خارجها" ويأمل في أن تتوحّد الحركتان عقب انتهاء الحرب "دون النظر لمن يسبق من لأن مصلحة الوطن والشعب أهم من مصلحة الفصيل"، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن إدارة غزة بعد الحرب "دون تفاهم وحدوي" بين فتح وحماس.