لماذا تمتنع فرنسا عن نقل جهادييها من سوريا إلى العراق لمحاكمتهم

إشكال قانوني يمنع فرنسا نقل الجهاديين الفرنسيين من معتقلات الأكراد شمال سوريا إلى العراق بعد أن أصبحت العملية العسكرية التركية تمثل تهديدا كبيرا يسهل فرارهم.

باريس - أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأربعاء، أنه سيزور العراق "قريباً" لبحث مسألة إنشاء "آلية" دولية في هذا البلد لمحاكمة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال لودريان لقناة "بي أف أم تي في" وإذاعة مونتي كارلو "يجب أن نعمل مع السلطات العراقية لإيجاد سبل من أجل إقامة آلية قضائية من شأنها محاكمة جميع هؤلاء المقاتلين، وبينهم حتما المقاتلون الفرنسيون (...) ومحاكمة الذين ستتكفل بهم القوات العراقية".

وأضاف "هذا ما سنبحثه مع السلطات العراقية" من غير أن يوضح تاريخ زيارته المزمعة لبغداد.

وأثارت العملية العسكرية التي باشرها الجيش التركي في 9 تشرين الأول/أكتوبر ضد المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، الخشية حول مصير الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وأفراد عائلاتهم المحتجزين في سجون ومخيمات يديرها المقاتلون الأكراد المنهمكين حالياً في صد العملية العسكرية ضدهم.

وفرنسا كانت من أول الدول الأوروبية التي أبدت قلقها البالغ من تداعيات التدخل العسكري التركي في الأراضي السورية على المعركة ضد خلايا تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة برغم هزيمته الميدانية على يد قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري.

وسئل لودريان عن احتمال نقل المزيد من الجهاديين الأجانب وتحديدا الفرنسيين من معسكرات الاحتجاز التابعة للقوات الكردية في شمال سوريا إلى العراق، فرد "ليست هذه المسألة الرئيسية، في هذا الوقت وفي هذا المكان بالذات".

ونقل عشرة جهاديين فرنسيين في نهاية كانون الثاني/يناير من معتقلات القوات الكردية إلى العراق لمحاكمتهم هناك بعد أن رفضت باريس عودتهم إلى سجونها بسبب الجدل الذي أثارته القضية بين الرأي العام الفرنسي.

وفاجئ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب قوات بلاده من شمال سوريا ما سمح لنظيره التركي رجب طيب أردوغان بتنفيذ تهديده ضد الأكراد، السلطات الفرنسية التي كانت تجري مباحثات سرية ولمدة أشهر مع العراق بشأن كيفية نقل من 50 إلى 100 جهادي فرنسي من بين المحتجزين الذين يمثلون أكثر خطورة في المعتقلات في سوريا إلى العراق لمحاكمتهم.

ومنذ بدايته الأربعاء الماضي أثار الهجوم التركي مخاوف من فرار مقاتلين أجانب تحتجزهم وحدات حماية الشعب الكردية لكن القوات الفرنسية الموجودة ميدانيا مع قوات التحالف لا تستطيع التدخل لنقل الجهاديين الفرنسيين بسبب مشاكل قانونية.

وهذا ما يطرح بإلحاح مسألة محاكمتهم في وقت توجه أكراد سوريا بعدما تخلت عنهم الولايات المتحدة، إلى نظام دمشق طالبين مساعدتهم في التصدي للقوات التركية.

وقال المحامي المختص في القانون الدولي باتريك بودوان لإذاعة "أوروبا1" إن "تدخل القوات الفرنسية الموجودة هناك بشكل مباشر للمساعدة في نقل الجهاديين الفرنسيين من المعتقلات شمال شرق سوريا، يجبر السلطات الفرنسية على إتمام العملية حتى النهاية: يعني إعادتهم للحكم عليهم في بلدهم، فقد تم إخراجهم من منطقة لا تسيطر عليها الدولة".

القوانين الفرنسية تمثل احراجا للسلطات العراقية خلال محاكمة الجهاديين
القوانين الفرنسية تمثل احراجا للسلطات العراقية خلال محاكمة الجهاديين

وأضاف بودوان أنه "في هذه الحالة يجب بالضرورة إعادة الجهاديين إلى بلدهم. وهذا لا تريده بلا شك فرنسا"، التي تسعى من خلال زيارة وزير خارجيتها لبغداد إلى اقناع السلطات العراقية بتولي محاكمتهم على أراضيها.

ولا يبدو العراق الذي يكتظ سجونه اليوم بآلاف العراقيين الذين اعتقلوا خلال الحملة ضد داعش، تمانع في ذلك لكن بشرطين. يتمثل الشرط الأول في تحمل باريس تكلفة احتجازهم على الأراضي العراقية.

أما الشرط الثاني وهو الأصعب فيتمثل في الإطار القانوني الذي سيتم من خلاله محاكمة الجهاديين المحتجزين بطريقة لا تورط العراق لانتقادات دولية جديدة مثلما حصل خلال محاكمة سابقة تم خلالها الحكم بالإعدام على جهاديين فرنسيين تم نقلهم من الباغوز، آخر معاقل الدولة الإسلامية.

وأثارت تقارير عن عمليات تعذيب بالإضافة إلى أحكام الإعدام وهي عقوبة ألغتها فرنسا مند 1981، جدلا وتنديدا دوليا خصوصا من قبل جمعيات حقوق الإنسان.

وتفادي ذلك أرسلت سبع دول بما فيها فرنسا وفودا قانونية إلى العراق لتسوية هذه النقطة الحاسمة لاستكمال المحاكمات.

ويحتجز حوالى 12 ألف مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية في السجون التي يسيطر عليها الأكراد، بينهم 2500 إلى 3 آلاف أجنبي، وفق مصادر كردية.

ويعيش في مخيمات النازحين في شمال شرق سوريا نحو 12 ألف أجنبي هم 8 آلاف طفل و 4 آلاف امرأة.

وتبحث سبع دول أوروبية هي فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وهولندا والسويد والدنمارك منذ عدة أشهر إمكانية تشكيل محكمة دولية في العراق لمحاكمة المقاتلين الأجانب.

وأفادت وزارة الخارجية الهولندية أن اجتماعا عقد بهذا الصدد الثلاثاء في بغداد، مشيرة إلى أن "المحادثات في مرحلة استطلاعية".

ويخشى الأوروبيون على أمنهم في حال لم يعد بإمكان الأكراد الذين يقاتلون القوات التركية السيطرة على هذه المعتقلات الواقعة في أقصى شمال شرق سوريا قرب الحدود التركية.

وأكد لودريان أن هذه المخيمات ليست مهددة في الوقت الحاضر، موضحا أنها تحت سيطرة الأكراد "اليوم".

وتابع "على حد علمي، إن الهجوم التركي ومواقع انتشار قوات سوريا الديمقراطية لم تؤد في الوقت الحاضر إلى أن تكون هذه المخيمات الواقعة بشكل أساسي إلى شرق الشمال الشرقي السوري، مهددة في سلامتها وأمنها الضروريين".

وأوضح أنه "جرى... تمرد داخلي في مخيم عين عيسى الذي فرت منه بحسب المعلومات تسع نساء".

وذكرت السلطات الكردية الأحد أن 800 من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم المحتجزين في مخيم عين عيسى فروا بسبب القصف التركي.

لكن مسؤولا أميركيا أعلن الثلاثاء "لم نر أي عملية فرار واسعة للمعتقلين حتى الآن"، غداة إعلان وزير الدفاع مارك إسبر أن المقاتلين الأكراد "أطلقوا سراح العديد من المعتقلين الخطيرين".

وتعكس تصريحات المسؤولين الأميركيين حول مسألة محاكمة الجهاديين في سوريا والعراق اختلاف القوانين الأميركية عن القوانين الأوروبية وأبرز مثال على ذلك عدم اعتراف واشنطن بالمحكمة الجنائية الدولية.

وقال ترامب، الذي يعرف أن ملف الجهاديين مسألة تثير مخاوف وقلقل الأوروبيين أكثر من بلاده، في تغريدة "في إمكان تركيا أو الدول الأوروبية التي يتحدر منها هؤلاء الجهاديون أن يعتقلوهم مجددا بسهولة، لكن يجب أن يتحركوا بسرعة".