لماذا حظرت إسرائيل الميادين وأبقت على الجزيرة؟

الحكومة الاسرائيلية تراعي حساسية دور الدوحة على صعيد المفاوضات الجارية حول الإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس.

تل أبيب - قررت اسرائيل الاثنين، حظر البث المحلي لقناة الميادين التي تتخذ من بيروت مقرا لها والمتهمة بأنها موالية لإيران، فيما تفادت اتخاذ قرار بشأن إغلاق قناة الجزيرة القطرية رغم مطالبة وزراء في الحكومة بحجبها أيضا.

ولا تختلف تغطية قناة الميادين عن الجزيرة كثيرا في تناولها للحرب الإسرائيلية على غزة وتعتمد نفس الأدبيات والمصطلحات في توصيف الأحداث والممارسات التي تنتقدها إسرائيل، رغم أن القناة القطرية تستضيف على منابرها متحدثين إسرائيليين وتفرد مساحة لهم للرد.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن مجلس الوزراء الإسرائيلي وافق على اقتراح وزير الاتصالات بإصدار تعليمات ضد قناة الميادين المحسوبة على حزب الله وذلك وفقاً لأنظمة الطوارئ التي أقرتها الحكومة، بهدف منع أي هيئة إذاعية أجنبية من المساس بأمن الدولة، وذلك بعد الحصول على الآراء المؤيدة من جميع الأجهزة الأمنية والتي بموجبها اقتنع وزير الأمن بوجود واقع فعلي قد يلحق الضرر بأمن الدولة. وبررت القرار بوجود مخاوف "أمنية".

وينص القرار الذي استند الى انظمة الطوارئ السارية في اسرائيل على منع مراسلي القناة من الاضرار بأمن الدولة العبرية، بحسب وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قرعي.

وقال قرعي إن أنظمة الطوارئ يتيح له إصدار قرار يمنع بموجبه أي استخدام للبنى التحتية للاتصالات التابعة لهيئة البث الاسرائيلية من شأنها الاضرار بأمن الدولة.

وأضاف أن الانظمة تجيز له كذلك مصادرة معدات البث وإغلاق مكاتب القنوات ووسائل الاعلام المعنية.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن هناء محاميد مراسلة القناة في القدس الشرقية نفيها مزاعم الحكومة الاسرائيلية وتأكيدها أن محطتها ملتزمة بالقانون وعملت وفقا لمقتضياته، وقالت إن شركات الانتاج في الضفة الغربية أوقفت الخدمات التي كانت تقدمها للقناة بعد القرار الاسرائيلي.

واعتبرت قناة الميادين في تدوينة على موقع إكس أن القرار دليل على قدرتها على التأثير في عقول الإسرائيليين الأمر الذي أقلق الحكومة.

ويقول متابعون للشأن الإعلامي أن قناتي الجزيرة والميادين تعتبران غرفا لإنتاج المعنى حول الأحداث حسب توجههما العام والسياسة التي تتبعانها والمتشابهة إلى حد كبير، في السياسة التحريرية والسياسة العامة التي تتعلق بمنظومات إستراتيجية للدول الداعمة لهما.
ويشير هؤلاء أن تبعية القناتين المختلفة هي السبب في عدم منع إسرائيل لقناة الجزيرة، حيث ترتبط قناة الميادين ارتباطا مباشرا بالنظامين الإيراني والسوري بشكل واضح، وبدعم مباشر من الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله حيث تتركز سلطة إدارة كل الشبكات الإعلامية التابعة لطهران.

أما قناة الجزيرة القطرية فوجود خيوط دبلوماسية تربط الدوحة بتل أبيب يساهم باستمرار وجودها، رغم وجود مطالب بالفعل بإغلاق مكاتبها في إسرائيل، فالشهر الماضي سعى الوزير قرعي الى اغلاق قناة الجزيرة القطرية وقدم خطة بهذا الخصوص الى مجلس الوزراء بعدما زعم أن هناك ادلة على ان المحتوى الذي تبثه يضر بالأمن القومي لإسرائيل.

وحظي هذا التوجه بتأييد من وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين الذي عبر عن دعمه اتخاذ إجراءات صارمة ضد القناة. رغم التعقيدات التي تعتري هذا القرار من الناحية الدبلوماسية.

وأشار متابعون إلى أن الحكومة الاسرائيلية تتحاشى اتخاذ اجراء ضد القناة القطرية، فيما يبدو مراعاة لحساسية الدور الذي تلعبه الدوحة حاليا على صعيد المفاوضات الجارية حول الإفراج عن 239 رهينة تحتجزهم حركة حماس.

واستخدمت قناة الجزيرة التوجه الإسرائيلي للدعاية بشأن تأثيرها ودورها في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وسلطت الضوء على المطالبين بمنعها في تل أبيب، فنقلت عن هيئة البث الإسرائيلية قولها أن رئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، ووزير الأمن يوآف غالانت، ومجلس الأمن القومي الإسرائيلي ومكتب رئيس الوزراء، يدعمون التوصية بإغلاق قناة الجزيرة التي يقع مقرها في دولة قطر، وتبث باللغتين العربية والإنجليزية بدعوى "أنها تحرض على إسرائيل".

كما أعربت وزارة الخارجية الإسرائيلية أيضا عن دعمها لإغلاق مكاتب الجزيرة في القدس، رغم أنها عارضت بشدة مثل هذه الخطوة في الماضي، بينما يتحفظ جهاز الأمن العام "الشاباك" ويقول إنه "من الصعب إثبات جريمة التحريض"، لكنه لا يمانع في إغلاق قناة الجزيرة في إسرائيل.

وقالت الجزيرة أن إغلاق مكاتبها في إسرائيل يتناغم التوجه مع الإجراءات التي بادر إليها وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو قرعي، للحد من عمل الصحافة وحرية التعبير بموجب أنظمة الطوارئ وبذريعة "تقييد مساعدات العدو بواسطة وسائل إعلام".

ومن وجهة نظر خبراء الإعلام فإن قناة الميادين هي ابنة قناة الجزيرة، ويؤكد الباحث الفرنسي نيكولا دوت بويار الباحث في علم الاجتماع والتاريخ السياسي للشرق الأوسط في دراسة عنوانها: الجزيرة والميادين: إعادة إحياء لصحافة نضالية؟ من خلال قراءة جدلية بين طبيعة الصحفيين الموجودين في الميادين وهم أبناء الجزيرة في السابق وبين المرجعية العامة للخطاب الإعلامي للميادين حاليا والجزيرة في بدايات بثها.
وذكر الباحث أن الصحفيين العاملين في قناة الميادين وأبرزهم المؤسس غسان بن جدو إضافة إلى لينا زهر الدين وعلي هاشم كانوا قد واكبوا تأسيس قناة الجزيرة التي كانت تمثل لهم أكثر من مجرد قناة إعلامّية ضخمة بل إطارا للعمل وفق القناعات السياسية التي يتبنونها وبالأخص التونسي غسان بن جدو الذي كان معارضا لنظام بن علي.

ويرتكز خطاب القناتين إلى روح الصراع بين القطبين الشرقي والغربي وقد استعملته الجزيرة في بداياتها 1996 كي تضع نفسها ضمن محور عام معاد للهيمنة الغربية ويميل إلى معاداة إسرائيل.