لماذا فشل الأزهر في تجديد الخطاب الديني؟
بقلم: توفيق حميد
الجامعات الحديثة التي ذهب إليها فضيلة الإمام للتداوي لا تقوم "بترميم" العلاجات القديمة بل وعلى العكس من ذلك تماما جاءتنا بعلاجات وأدوية وجراحات حديثة وطرق علاجية "جديدة" تماما وليست ترميما للطرق السابقة
الجامعات الحديثة التي ذهب إليها فضيلة الإمام للتداوي لا تقوم "بترميم" العلاجات القديمة بل وعلى العكس من ذلك تماما جاءتنا بعلاجات وأدوية وجراحات حديثة وطرق علاجية "جديدة" تماما وليست ترميما للطرق السابقة
أثار نقاش محتدم بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت، جدلا كبيرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ففي جلسة شهدت نقاشا محتدما بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد الخشت، انتقد الطيب الأخير قائلا "نشتري الأسلحة ليقتل بعضنا بعضا، نشتري الموت بفلوسنا، ولا نستطيع صنع كاوتش (عجل) سيارة"، راجيا منتقدي التراث البحث عن مشكلة أخرى، وأضاف "كثير مما يقال عن نقد التراث هو مزايدة على التراث".
وكان رئيس جامعة القاهرة محمد الخشت قد دعا إلى تجديد علم أصول الدين بالعودة إلى القرآن و"المتواتر" من صحيح السنة، مشددا خلال جلسة بعنوان "دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي" على الحاجة إلى "الاحتكاك بالدوائر المعرفية الأخرى"، وقال الخشت إن الإسلام في نشأته يقوم على البساطة، منتقدا التعقيد وما أسماه "اللاهوت المركب الذي يشتت الناس".
وردا على ذلك، أكد شيخ الأزهر على أهمية التراث الذي "خلق أمة كاملة" وسمح للمسلمين "بالوصول إلى الأندلس والصين"، مضيفا بأن "الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية، وقال فضيلته موجها الكلام إلى رئيس جامعة القاهرة: "التراث الذي تنتقده هو الذي مكن المسلمين من وضع قدم في الأندلس والأخرى في الصين في 80 عام فقط".
والجدير بالذكر هنا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومنذ عدة سنين طالب الأزهر مرارا وتكرارا بتجديد الخطاب أو الفكر الديني.
وبنظرة تحليلية باحثة عن الحقيقة في هذا الأمر يتجلى بوضوح "فشل الأزهر" عبر السنين في تجديد الفكر والخطاب الديني، وليس أدل على ذلك من أنه ما زال يدرس فقه المذاهب الأربعة، وهو نفس الفقه الذي كان يدرس منذ مئات السنين! وهذا يذكرني على سبيل المثال بإحدى كليات الطب التي لا تزال تدرس علم الأدوية والعلاج الذي كان موجودا منذ مئات السنين بدلا من تدريس أحدث ما وصل إليه العلم في عالم الطب والعلاج.
فهل كان شيخ الأزهر سيقرر العلاج في هذه الكلية أم أنه كان سيذهب للتداوي في أحدث الكليات الطبية، مثلما فعل في يوليو 2019 حينما سافر إلى ألمانيا (برلين) للعلاج! وذلك حقا تناقض يصعب علينا فهمه.
والملاحظ في هذا المثال أن الجامعات الحديثة التي ذهب إليها فضيلة الإمام للتداوي لا تقوم "بترميم" العلاجات القديمة ـ كما اقترح في حالة التراث ـ بل وعلى العكس من ذلك تماما جاءتنا بعلاجات وأدوية وجراحات حديثة وطرق علاجية "جديدة" تماما وليست ترميما للطرق السابقة.
يبدو أن الأزهر الشريف لا يدرك أن المشكلة ليست في الفروع فقط، كما يتصورون، بل في تشريعات توصف بأنها "معلومة من الدين بالضرورة" تتعارض مع القرآن ذاته ومع كل قيم الإنسانية، فحكم الردة مثلا يتعارض بوضوح مع كتاب الله الذي قال: "فَمن َشاء فليؤمن ومن شاء فليكفرۚ" (الكهف 29) وحكم الرجم على سبيل المثال ليس له وجود في ـ بل ويتعارض مع ـ القرآن ذاته.
والتجديد في مثل هاتين الحالتين يكون بإلغاء حكم الردة والرجم تماما وبوضوح، وليس بإعلان أن "المرتد" له 3 أيام للاستتابة، وأن الرجم يصعب تنفيذه لأنه يحتاج إلى أربعة شهود، فالحل والتجديد لا ولن يكون كما يفعل بعض رجال الدين في تلاعب بالكلمات في أمور بهذه الخطورة بل في مواجهة مثل هذه الأمور وغيرها بمنتهى القوة والوضوح.
وإن اقتربنا أكثر من هذا الأمر نجد أن الأزهر قد يكون "عاجزا"، وليس فقط رافضا، لإطلاق عملية تجديد حقيقي في الفكر الديني! فمن الصعب تصور كيف أن المؤسسة التي قامت على التلقين والحفظ وتحديد التفكير فقط في حدود مذاهب معينة ـ تستطيع أن تقوم بمهمة تجديد فكر لم يتم تجديده لمئات السنين منذ أن تم قفل باب "الاجتهاد" في أصول الدين.
أما عن تأكيد شيخ الأزهر على أهمية التراث الذي كما قال "خلق أمة كاملة" وسمح للمسلمين في نظره "بالوصول إلى الأندلس والصين" في 80 عاما، فلو طبقنا نفس هذا المبدأ على النظام
الشيوعي الماركسي في روسيا بعد الثورة البلشفية الحمراء عام 1917 فعلينا الإيمان إذا بأنها "الحق الإلهي" لأنها وصلت تقريبا إلى كل بقاع الأرض من روسيا إلى الصين إلى كوبا وكوريا وغيرها من الدول في 70 عاما فقط!
فهل علينا بمنطق شيخ الأزهر أن نؤمن بأن الثورة البلشفية الحمراء هي الحق وأن علينا أن نتبعه!