لماذا هناك شبه استحالة لتحقيق مطالب اهل البصرة

هيكل الفساد عميق جدا في العراق، يعجز الوزراء، بل ورؤساء الحكومات، عن التصدي له.

في عام 2012، وعندما كنت وزيرا للاتصالات في العراق، قمت بتعيين مهندسة كفوءة كمدير عام لشركة الانترنت في وزارة الاتصالات. دليل كفاءة المهندسة المعينة انها تحمل شهادة ماجستير في هندسة الاتصالات من واحدة من افضل جامعات العالم في هندسة الاتصالات وهي جامعة برونيل البريطانية. كما انها مخلصة إخلاصاً كاملاً في عملها ونزيهة نزاهة مطلقة. وعلى اثرها فقد المفسدون في الوزارة كل امل في السرقة والافساد وبالذات بعد ان كنت انا قد ارغمت كافة الشركات العاملة مع الوزارة في فترة سابقة على توقيع تعهد مصدق لدى كاتب العدل تلتزم فيه الشركة إذا انكشف عن دفعهم اي رشوة او اي عمولة لأي موظف في الوزارة من درجة وزير فما دون فيلغى العقد معهم وأن يغرموا غرامة مالية بمقدار 30% من قيمة العقد وأن يوضعوا على اللائحة السوداء.

على اثر ذلك بذل المفسدون جهوداً جبارة لإخراجي من الوزارة، وقد افلحوا في ذلك بسبب تنسيقهم الكامل مع منظومة الفساد الكبيرة في دائرة رئاسة الوزراء في ذلك الحين. تركت الوزارة، ولكنهم اكتشفوا بعد حين انهم لا يستطيعون السرقة من خلال شركة الانترنت التي يمكن ان تحقق لهم مشاريعها سرقات كبرى، بسبب وجود هذه المهندسة الكفوءة والنزيهة، كما انهم لا يستطيعون ازاحتها بطريقة التشكيك بكفاءتها لأنها بشهادتها اكفأ منهم جميعاً وبدرجات كبيرة، كما انهم لا يستطيعون التشكيك بنزاهتها التي لا يتبادر اليها الشك. لذلك تفتقت اذهانهم عن وسيلة شيطانية، فقاموا بالحصول على كتاب من رئيس الوزراء من دون معرفته بالحيثيات وخبايا الامور، بتعيين مدير عام جديد لشركة الانترنت مع وجودها في هذا الموقع. وكان هذا بحد ذاته خللا اداريا كبيرا لأنه لا يمكن تعيين مديرين عامين لشركة واحدة في آن واحد. وفهمت هي الرسالة فتنحت من نفسها عن موقعها وسلمت مكتبها للمدير الجديد. ولكن مع ذلك سيبقى خطرها بالنسبة للمفسدين قائماً ما دامت باقية في شركة الانترنت حيث يمكنها الكشف عن اي عملية فساد او سرقة؛ فنقلوها إلى مكتب الوزير لإبعادها عن الشركة، ثم اكتشفوا بعد فترة ان خطرها لا زال قائماً ايضاً حيث يمكنها الاطلاع على المشاريع من خلال مكتب الوزير وكشف الفساد والسرقات، فتفتقت اذهانهم عن خطة شيطانية اخرى، فجردوها عن كافة المهام الهندسية وكلفوها بمهمة ادارية بحتة لا علاقة لها بالهندسة (مع العلم، وللتذكير، انها حاملة شهادة ماجستير في الهندسة من بريطانيا). تم وأدها وهي بهذه القابليات في موقع إداري في مكتب الوكيل الاداري، لقد تم التضحية بدراستها الهندسية وما تكلفته الدولة عليها من اموال في دراستها خارج العراق والرمي بكفاءتها عرض الحائط لئلا تكشف فسادهم وسرقاتهم.

لقد ذكرت هذه الحادثة التي حصلت في وزارة الاتصالات لكي يعرف المواطن الكريم حقيقة خلايا الفساد وقوة سيطرتهم وكيف كان يتم التعامل مع الموظفين الاكفاء والنزيهين في الكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية في الفترة التي سبقت الدكتور حيدر العبادي. وجاء الدكتور حيدر العبادي، ومع انه نزيه على المستوى الشخصي، ولكنه للأسف الشديد لم يبذل الجهد المطلوب لإزاحة الاعداد الغفيرة من المفسدين الذين سيطروا على الكثير من مفاصل الدولة لعله بسبب خشيته او تماهله او بسبب آخر لا نعرفه؛ مع العلم انه قد اعطي الضوء الاخضر والاسناد الكامل من قبل المرجعية لضرب هؤلاء المفسدين بيد من حديد. لقد اخبرني احد المسؤولين الكبار في الدولة انه قام قبل بضعة اسابيع بسؤال الدكتور حيدر العبادي عن هذا الامر فأجاب بانه لم يعين هؤلاء المفسدين، بل كان تعيينهم قبل مجيئه. نعم هو صادق فيما يقول؛ ولكنه في نفس الوقت كانت لديه فرصة كبيرة خلال فترة السنوات الاربع الماضية لإزاحة هؤلاء الطفيليين والمفسدين واستبدالهم بالأكفاء والمخلصين. ولكنه للأسف لم يحقق الا القليل في هذا المضمار، وما دام هؤلاء يسيطرون على الكثير من مفاصل الدولة فلا يمكن نجاح اي عملية اصلاح حقيقية حتى لو صرفت مليارات الدولارات. فالكثير من مفاصل الدولة المهمة تحت سيطرة اناس غير كفؤين، غير مخلصين ولا خبرة لهم في البناء ولا هم لهم بتطوير البلد وتحقيق مصلحة المواطن بل همهم الكبير هو مصلحتهم الخاصة من خلال السرقات والحصول على العمولات. بل الانكى من ذلك ان الكثير من المفتشين العامين الذين كان المعول عليهم محاسبة المفسدين غدوا جزءاً من عصابة الفساد يوفرون لهم الغطاء ويشاركوهم في الفساد والسرقات.

لذلك اقول وبكل ثقة: انه لا يمكن بناء البلد والنهوض به وإنقاذه من هذا الواقع المزري ما دامت الكثير من مفاصل الدولة تحت سلطة هذه الفئة التي استحوذت على مليارات الدولارات وسلبتها من افواه الايتام والارامل من عوائل الشهداء وغيرهم والشباب العاطلين عن العمل الذين لا امل لهم بأي مستقبل مشرق، وهو ما يستحقوه وواجب الدولة توفيره لهم، بل هو مما يمكن تحقيقه بكل سهولة لما يمتلكه البلد من خيرات وامكانيات وثروات تم هدرها وسرقتها لما يقارب العقد ونصف من الزمان. واقول ايضاً: انه لو خصصت مليارات الدولارات، وشكلت عشرات خلايا الازمات، ورسمت خططاً مفصلة للبناء والنهوض، فلا يمكن تحقيق إلا القليل على مستوى محافظة البصرة، بل كافة محافظات العراق ما دام الحال كما هو عليه الآن مع امكانية استمراره على مدى المستقبل المنظور.