لمسات سورية قلبت عادات كردستان العراق وأذواقه

وفود اللاجئيين السوريين أحدثت تغييرا على المشروبات والأطعمة وساهمت في إثراء النسيج الاجتماعي عن طريق الزيجات المختلطة بين السوريين والعراقيين في إقليم كردستان العراق.

أربيل (العراق) - غير لاجئوا سوريا بشكل ملحوظ بلغتهم وأطعمتهم المتميزة ولمساتهم الفنية في مجالات الهندسة والمعمار، عادات سكان إقليم كردستان العراق وأذواقهم.

في البداية، لم تقنع قهوة اللاجئ السوري عبدالصمد عبدالحميد أحداً، لكنها أصبحت اليوم رائجة في أوساط زبائنه في إقليم كردستان العراق الذين غيّروا بعض عاداتهم مع وصول اللاجئين من سوريا المجاورة.

ففي المجتمع الصغير المغلق بالإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، قلب الوافدون الجدد بعض العادات والتقاليد ليس فقط بالمطبخ، بل أيضاً معمارياً وفنياً ولغوياً، بحسب ما يؤكد علماء اجتماع محليون.

قبل ست سنوات ترك الكردي عبدالصمد (45 عاماً) سوريا في حالة حرب ووصل إلى أربيل، كبرى مدن كردستان العراق الذي كان في خضم طفرة اقتصادية. وهناك افتتح مقهى يقدم فقط القهوة على الطريقة السورية إلى جانب الإسبريسو الإيطالية.

خلال الأسبوع الأول قدّم فنجاناً لكل من أصحاب المتاجر من حوله، لكن في منطقة يعتبر فيها الشاي ملك المشروبات، قوبل عبدالصمد بوجوه عابسة وشفاه ممتعضة.

ويضيف وعينه على عماله السوريين الأربعة أنه "في السنة الأولى، كان 99 في المئة من زبائني من العرب الآتين من مناطق أخرى في العراق، فكانوا قليلين".

ومع مرور الوقت مع إضافة الكثير من ملاعق السكر لتخفيف مرارة القهوة، أصبح يبيع الآن "بين 200 إلى 300 كوب من القهوة يومياً لزبائن، 90 في المئة منهم أكراد عراقيون".

على المقلب الآخر غزت أطباق الحمّص والتبولة والأجبان وزيت الزيتون والفتوش، طاولات المطاعم.

ويرى الدكتور في الدراسات الثقافية هوزن أحمد أن "اللاجئين السوريين أثبتوا أن ثقافات الوافدين الجدد مفيدة عندما تحتك بالتقاليد والأعراف المحلية".

ويقول أحمد إنه "على سبيل المثال حدث تغيير منذ العام 2011 في التصميمات الداخلية الجديدة والمشروبات الجديدة والزيجات المختلطة التي تساهم في مزيد من التواصل الاجتماعي" بين الأكراد في سوريا والعراق، الذين لا يشتركون اللغة نفسها، لكنهم يطالبون بنفس الدولة التي لم يتمكنوا من إنشائها حتى الآن.

في المجتمع الكردي العراقي الذي لا يتوقف عن الدفاع عن هويته ولغته وخصوصيته تجاه السلطات المركزية في بغداد، فإن قبول 300 ألف لاجئ سوري معظمهم من الأكراد، لم يكن بديهياً.

في المقابل وعلى مر السنين فإن "تجربة السكان المحليين في مواجهة الثقافة السورية، قد حطمت الرفض التاريخي للأجنبي"، بحسب أحمد.

فجمانة تركي مثلاً عربية تزوجت كردياً سورياً، واستقرت في أربيل في العام 2014.

في ذلك الوقت كان عدد النساء العاملات ضئيلاً جداً في إقليم كردستان والعراق عموماً الذي يحمل أدنى معدلات توظيف الإناث في العالم والتي تصل إلى حوالى 15 في المئة. وبعد حلول الظلام كان نادراً وجود امرأة في الشارع، كما تقول خريجة علم الاجتماع البالغة من العمر 34 عاماً.

لكن اليوم توظف العديد من المتاجر نساء وتزدحم ممرات الأسواق والمراكز التجارية الأخرى بالنساء حتى وقت متأخر من الليل.

وتقول تركي إن ذلك "بسبب تأثير اللاجئين السوريين" لأنه في سوريا "من الطبيعي أن تعمل المرأة وتخرج حتى في الليل".

بالنسبة إلى حسين ديواني وهو موسيقي كردي سوري وصل إلى أربيل في العام 2012، فإن هذا المنفى كان مرادفاً للعودة إلى الجذور بعد 26 عاماً من العيش في سوريا، حيث يمكن أن يؤدي ارتداء اللباس التقليدي أو ألوان العلم الكردي إلى السجن.

وإذا ما غيّر اللاجئون السوريون بعض العادات في العراق، فإنهم أيضاً وجدوا بعضاً من جذورهم المفقودة.

فقد عادوا إلى الاحتفالات العامة بعيد النوروز، رأس السنة الكردية الذي يصادف في 21 مارس/آذار مع بدء فصل الربيع.

وعادوا أيضاً إلى ارتداء السراويل الفضفاضة التقليدية واكتسبوا تعابير قديمة منسيّة.

ويقول ديواني "لقد ساعدنا الأكراد في العراق على إحياء لغتنا. إنهم يتحدثون لغة كردية أقل اختلاطاً باللغة العربية من تلك التي في سوريا، حيث كانت اللغة الكردية محظورة".

ويضيف الثلاثيني الذي تعلم اللغة الكردية السورانية التي يحكيها أهل أربيل وعلّم بدوره زملاءه الكرمانجية الكردية السورية "عندما وصلت سمعت كلمات كانت تستخدمها جدتي ولكنها ضاعت على مر الأجيال".

لكن رودي حسن الذي وصل من سوريا في العام 2008 لإكمال دراسته في الطب كان الشاهد الأكبر على التغيير.

ويقول "عندما جئت لم نكن نعرف شيئاً عن بعضنا البعض وكان لدينا الكثير من الأحكام المسبقة، لكن اليوم مختلف تماماً فقد ربطتنا الصداقات والزيجات".