لن تقع الحرب التي ربما تقع في أية لحظة

الولايات المتحدة تعرف كيف تقرأ الآمال الإيرانية في التصعيد وتصرفت بما يخالفها.

لست في حاجة إلى استعداء الولايات المتحدة على إيران. فالطرفان لديهما الكثير من الأسباب التي تجعلهما على عدم وفاق دائم.

يوم اتفقا على العراق فإن ذلك كان في جزء منه صناعة عراقية. ذلك لأن العراق زمن النظام السابق لم يبق له صديقا يقف معه.

لم يكن ذلك الاتفاق تعبيرا عن صداقة بل كان مناسبة عبر من خلالها الطرفان عن كرههما للعراق. والكراهية لا تجمع إلا في لحظات الجنون.

وما من أحد يعرف الآخر مثلما يعرف الطرفان، بعضهما البعض الآخر.

إن تصرفت إيران بغباء حين تعرضت لناقلتي نفط في بحر عمان فلأنها كانت تتوقع غباء أميركيا يتلخص في رد سريع على العملية بما يدفع بالأزمة إلى منطقة جديدة، يذهب فيها الحوار إلى أمن الملاحة في الخليج.

غير أن الولايات المتحدة فاجأت إيران بعدم اللجوء إلى رد منفعل. كما لو أن الإدارة الأميركية قرأت الآمال الإيرانية وتصرفت بما يخالفها.

سيُقال إن الولايات المتحدة قد تصرفت بحكمة حين ظلت ملتزمة بخيارها في استبعاد الحرب حلا للأزمة وهي في ذلك أبقت الأزمة في حدودها من غير أن تخفف من وسائل الضغط.

لكن ذلك لا يعني أن خطأً إيرانيا مثل التعرض لناقلات النفط سيمر كما لو أنه لم يقع. فعدم الرد الأميركي المباشر يخيف الإيرانيين ويجعلهم في حيرة من أمرهم. ذلك لأنهم بعكس ما توحي به دعايتهم صاروا يتوقعون أن ما يدبر لهم من مكائد يتجاوز الرد المباشر على ما يقومون به سعيا منهم لاستدراج الولايات المتحدة إلى حرب، يمكن أن تغطي الفوضى التي ستحل بالمنطقة على أهدافها الحقيقية.

لقد اكتفت الولايات المتحدة بزيادة عدد قواتها في المنطقة.

ولكن ألف جندي أميركي مضاف حدث لا يخيف لولا ما يتضمنه من دلالات رمزية. الألف سيجر وراءه ألوفا أخرى. وهو ما يشير إلى أن ماكنة الحرب قد بدأت بالعمل.

على نطاق داخلي إيراني فإن الحرب على أميركا وهي الشيطان الأكبر كانت مطلبا عقائديا. غير أن أركان النظام الإيراني بما فيهم المرشد ومن يقف في دائرته لا يتمنون أن تقع تلك الحرب. فالمطلب العقائدي يمكن تأجيله إلى حين ظهور المهدي الذي سيحل بقوته المستلهمة من تكليفه السماوي كل المشكلات بما فيها مشكلة استقواء وجبروتها.

ما يفكر فيه الإيرانيون أمعن الأميركان سابقا في التفكير فيه ووجدوا له حلولا عن طريق الارجاء والمماطلة والانتظار. بالنسبة للولايات المتحدة ليس هناك ما يمنع من أن يمر الوقت ما دامت عقوباتها تضيق الخناق على النظام الإيراني. وهو ما يعكس وضعا سلبيا. فبدلا من أن تستفيد إيران من الوقت صار الوقت يحز رقبتها كالسكين.

الإيرانيون اليوم في أسوأ أحوالهم وقد يعلنون في أية لحظة تخليهم عن الاتفاق النووي رغبة منهم في لقت أنظار العالم إلى مشكلتهم التي يعتقدون أن الولايات المتحدة عي التي صنعتها.

لأن الولايات المتحدة في تعاملها مع إيران لم تعد سجينة خيار واحد هو خيار الحرب فإنها ستكتفي بمراقبة المشهد الذي سيتفنن الإيرانيون في صناعة مفرداته. وهو مشهد انتحاري سيصنفه الإيرانيون مشهدا جهاديا.

"لن تقع الحرب التي ربما تقع في أية لحظة" ذلك ما يقوله الكثيرون. غير أن تلك الحرب إن وقعت فلن تكون كارثة على المنطقة. فالولايات المتحدة حين قررت أن تنهي هيمنة إيران على المنطقة تعرف جيدا أن إيران تستند إلى أذرعها في حرب، تظن أنها ستكون شاملة.        

لن تكون هناك حرب شاملة. ذلك لأن الولايات المتحدة لن تشن حربا على إيران إلا بعد أن تقطع أذرعها أو تجعل من تلك الأذرع مجرد أشباح تائهة.