لن يفكر الذئب ترامب بأرانب مزرعته

لقد أعفى ترامب سياسيي بغداد الفاسدين من الحرج فيما إذا قرر أن يفاجئهم بزيارة ليلية.

زار الرئيس الأميركي دونالد ترامب العراق ولم يزره.

نعم. لقد هبطت طائرته الرئاسية على أرض عراقية غير أن تلك الأرض لا تقع في دائرة ما يُسمى بـ"السيادة العراقية".

الجغرافيا شيء والحرب هي شيء آخر.

لم يكلف ترامب نفسه بالسؤال عن أحوال رعاياه من العراقيين. انحصرت زيارته في الاطمئنان على أحوال جنوده الذين تركوا عوائلهم من أجل أميركا. يمكن النظر إلى تلك الزيارة من جهة ما انطوت عليه من معان عسكرية تتعلق بأهداف أميركا من إقامة قواعد في العراق.

لم تكن الولايات المتحدة في حاجة إلى الإعلان عن أنها لا تزال موجودة عسكريا في العراق، غير أن زيارة ترامب أضفت على ذلك الوجود طابع الجاهزية القتالية. فالقائد العام للقوات المسلحة الأميركية يزور جنوده الذي يقفون على الجبهات وهم يستعدون لحرب محتملة.

المعروف أن الولايات المتحدة تمتلك قواعد عسكرية في مختلف انحاء الأرض. اما أن يخص الرئيس الأميركي واحدة من تلك القواعد بزيارة لمناسبة عيد الميلاد فإن ذلك يعني أن تلك القاعدة تملك من الخصوصية بما يدفع الرئيس تجشم عناء السفر إليها من أجل السلام على منتسبيها والاطمئنان على أحوالهم.

وما من خصوصية للقواعد العسكرية سوى أن تكون في حالة حرب أو تستعد للحرب. فالرئيس يظهر بين جنوده ليقوي معنوياتهم وليبلغهم أن الوطن ينتظر منهم النصر.

رسالة ترامب كانت واضحة.

الامر لا يتعلق بالعراق، لذلك لم يلتفت ترامب إليه.

كان يعرف أن الأرض التي هبطت عليها طائرته هي جزء من امبراطوريته. وكان يعرف أيضا أن الجنود الذين يلتقيهم هم طلائع حربه.

وليس مستبعدا أن يكون ترامب قد خطط من خلال زيارته للإجابة على السؤال المتعلق بقراره سحب القوات الأميركية من سوريا.

"هناك شيء أكثر نفعا علينا أن نفعله" فلا معنى لوجود قوات أميركية في سوريا. وما من فراغ سيتركه سحبها من هناك. ترامب لا يضيع وقت الجيش الأميركي هدرا ولا ينفق دولارا واحدا على ما هو مجد.

سنكتشف بعد حين أن الرجل الذي هدم قواعد اللعب داخل البيت الأبيض يملك الكثير من الأوراق التي يلعبها ليربح. سيحتاج الآخرون إلى زمن ليفهموا أن تهديم قواعد اللعبة داخل وخارج أميركا كان في محله.

لقد أعفى ترامب سياسيي بغداد الفاسدين من الحرج فيما إذا قرر أن يفاجئهم بزيارة ليلية ليسألهم عن سر الليل الذي لا يعرفونه.

الان أصبح واضحا أن طهران هي مفتاح اللغز الذي يُعَبر عنه مجازا بـ"سر الليل".

ما يُريح أولئك السياسيين أنهم ليسوا معنيين بالأمر. المسألة أكبر منهم ومن حشدهم الشعبي المقدس ومن طائفيتهم ونظام المحاصصة الذي يحصنهم ويحمي مقاولاتهم وحروبهم الوهمية ونزاعاتهم الحزبية وأزمات البلد الذي فشلوا في حكمه وتصريف شؤون شعبه.

من المؤكد أن الرؤساء الثلاثة، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان، قد جلسوا في مكاتبهم كالأرانب يرتجفون وهم يضعون أيديهم على قلوبهم في انتظار أن يهاجمهم الذئب بربطته الحمراء.   

غير أن الذئب ترامب لم يكن يفكر في أرانب مزرعته في ما يُسمى بـ"المنطقة الخضراء" ببغداد.

للإمبراطور نظرته التي تصل إلى أفق بعيد. ولأنه يفعل ما يقول فإن زيارته تلك هي خطوة تقرب الحرب كما لو أنها قدر، لا يمكن تفاديه إلا إذا أعلنت إيران تسليمها بالشروط الأميركية وهو ما يمكن أن يؤدي إلى قيام عاصفة تعيد ترتيب المنطقة بطريقة ليس لإيران موقع فيها.

لن تستسلم إيران بيسر. غير أنها لن تكرر خطأ العراق القاتل. فهي لن تنتظر حتى تصل إلى أسماعها ضربات طبول الحرب. ستناور قليلا لكنها ستترك أتباعها وحدهم يقاتلون إن أرادوا إذا ما أدركت أن الحرب حقيقية.