لن يكون هناك سلام بدون عملية مصالحة

لا ينبغي لأحد أن يتوهم أنه بمجرد إقرار وقف إطلاق النار ينبغي أو يمكن لإسرائيل والفلسطينيين التفاوض على اتفاقية سلام. فبالنظر إلى الكراهية العميقة وانعدام الثقة المستمرة منذ عقود، يجب أن تسبق المفاوضات لتحقيق سلام دائم عملية مصالحة.
وقف الرواية العامة اللاذعة لكلّ طرف ضدّ الآخر وتعديل الكتب المدرسية
الحفاظ على التعاون الأمني وإقامة علاقات اقتصادية
منتديات لمناقشة القضايا المتنازع عليها وزيارات متبادلة

تصحيح الخطأ

منذ أن تمّ إتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين، هناك من يدافع عن أن مفاوضات السلام بين الجانبين يجب أن تبدأ على الفور لمنع اندلاع حريق في المستقبل وإنهاء الصراع المدمر المستمر منذ سبعة عقود. أنا لا يمكن أن أعترض على أكثر من ذلك. ففي حين أن اتفاق السلام القائم على حل الدولتين يجب أن يكون النتيجة في نهاية المطاف، لا يمكن التوصل إلى اتفاق ما لم يسبقه عملية مصالحة لمدة خمس سنوات على الأقل للتخفيف من الكراهية الراسخة وانعدام الثقة بين الطرفين. ومثل هذه العملية قد تتألف من إجراءات متعددة تعمل في وقت واحد على مستويات حكومة إلى حكومة وشعب إلى شعب والتي يمكن أن تسرع وتعزز تنفيذ عملية المصالحة.

هناك عدة شروط مسبقة يجب على إسرائيل الموافقة عليها للسماح للمصالحة بالمضي قدمًا دون عوائق، وتشمل: عدم ضم شبر واحد إضافي من الأرض الفلسطينية، وعدم توسيع المستوطنات خارج حدودها المحددة والحفاظ على الوضع الراهن للقدس.

إجراءات المصالحة من حكومة لحكومة

وقف الرواية العامة اللاذعة لكلّ طرف ٍ ضدّ الآخر: يجب على القادة الإسرائيليين والفلسطينيين وقف رواياتهم العامة اللاذعة ضد بعضهم البعض. في الواقع، بدلاً من إعداد الجمهور لحتمية السلام والإنخراط في حوار عام بنّاء، قام الطرفان حتى الآن بتسميم المناخ السياسي وتحريض كلّ طرف على الآخر وخلق تصورًا بأن السلام هو وهم وأن الإختلافات بينهما لا يمكن التوفيق بينها ببساطة.

إقامة علاقة اقتصادية: يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين تطوير علاقة اقتصادية قوية. علاوة على التجارة، يجب تشجيع المستثمرين الإسرائيليين على الإستثمار في الدولة الفلسطينية المستقبلية، حيث ستعزز المبادلات الإقتصادية والإستثمار والتنمية علاقة وثيقة للغاية بين الجانبين.

تعديل الكتب المدرسية: يجب على إسرائيل والفلسطينيين تعديل كتبهم المدرسية لتعكس بشكل موضوعي رواية تاريخية أكثر دقة وأقل تحيزًا في جميع أنحاء مؤسساتهم التعليمية. يجب على كلا الجانبين الكفّ عن نشر الروايات التاريخية غير الدقيقة في كتبهم المدرسية وتعزيز ذلك من خلال خطابهم العام.

عدم اتخاذ أي إجراء استفزازي: يجب على الفلسطينيين عدم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لاتهام إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ويجب عليهم منع أي هجوم إرهابي ضد أهداف إسرائيلية. من ناحية أخرى، يجب على إسرائيل ألاّ تقيد حركة الفلسطينيين بشكل لا مبرر له، ويجب أن توقف ممارسة المداهمات الليلية وأن تنهي هدم و/ أو إجلاء الفلسطينيين من مساكنهم في أي مكان، وخاصة في القدس الشرقية.

الحفاظ على التعاون الأمني: لا ينبغي على إسرائيل والفلسطينيين الإستمرار في التعاون في جميع المسائل الأمنية فحسب، بل ينبغي تعزيز التعاون في المستقبل. إن تخفيف المخاوف بشأن الأمن سيكون له آثار نفسية وعملية، خاصة وأن كلا الجانبين يتجهان نحو محادثات سلام جوهرية.

إجراءات بين الشعبين على أرض الواقع: مع اتخاذ التدابير المذكورة أعلاه، يصبح التفاعل بين الشعبين عملية طبيعية تتم في جو يتحسن باستمرار. ويتم اتباع التدابير التالية في الوقت الحاضر على نطاق ضيق وينبغي توسيع نطاقها بشكل كبير:

i) الزيارات المتبادلة: يجب أن تتفق إسرائيل والسلطة الفلسطينية على السماح بالزيارات المتبادلة. من الصعب المبالغة في أهمية مثل هذه الزيارات عندما يلتقي الإسرائيليون والفلسطينيون العاديون في أماكن إقامتهم الخاصة لتبادل الخبرات وفهم مظالم ومخاوف بعضهم البعض، وكثيرًا ما سيكتشفون أن مصالحهم وتطلعاتهم المشتركة أكبر بكثير من اختلافاتهم.

ii) نشاط النساء: يمكن أن يكون نشاط النساء الإسرائيليات والفلسطينيات جزءًا مهمًا جدًا من عملية المصالحة. يجب على النساء الإسرائيليات والفلسطينيات استخدام قوتهن الهائلة لمطالبة قادتهن بإنهاء الصراع. يقدم دور المرأة في إنهاء الصراع في أيرلندا الشمالية صورة حية لكيفية تأثير المرأة على مسار الأحداث.

iii) المناسبات الرياضية المشتركة: الرياضة هي أداة مفيدة بشكل لا يصدق في بناء الصداقة الحميمة بين الجانبين، سواء كان التنافس ضد بعضهما البعض أو كجزء من فريق مشترك. تلتقي فرق كرة القدم وكرة السلة والألعاب الرياضية الأخرى بالتناوب في إسرائيل وفلسطين للتدريب والمنافسة، ويمكنهما معًا تشجيع الروح السمحة للعبة حيث يكون الفوز اللعبة نفسها، وليس النتيجة النهائية.

iv) تواصل الطلاب: يجب على الطلاب الفلسطينيين والإسرائيليين التواصل مع بعضهم البعض والتحدث عن تطلعاتهم وآمالهم في المستقبل. يجب تلقين الشباب الإسرائيلي والفلسطيني بأن التعايش السلمي هو قدرهم وأن يتم تشجيعهم على استخدام وسائل التواصل الإجتماعي للتواصل مع بعضهم البعض، لأن المستقبل بين أيديهم.

v) المعارض الفنية: هناك العشرات من الفنانين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين لم يلتقوا أو يتعمقوا في مشاعر وعقلية بعضهم البعض ليروا كيف تعكس أعمالهم حياتهم. ينبغي أن تقام المعارض المشتركة في كل من إسرائيل وفلسطين. ويمكن أن تتوسع هذه التبادلات الثقافية لتشمل المهرجانات الموسيقية والعروض المسرحية وأشكال الفن الأخرى.

vi) الخطاب العام: ينبغي على الجامعات ومراكز الفكر والمؤسسات التعليمية الأخرى تنظيم مناقشات مائدة مستديرة حول حتمية التعايش وكيف يمكن للجانبين إزالة الحواجز لجعل التعايش ليس حتميا فحسب، بل مرغوبا ً فيه أيضا ً. يمكن نشر هذه الجيوب الصغيرة عبر الإنترنت لملايين الأشخاص، بمن فيهم الإسرائيليون والفلسطينيون، على الفور.

vii) منتديات لمناقشة القضايا المتنازع عليها: ينبغي إقامة منتديات مشتركة تتكون من إسرائيليين وفلسطينيين مؤهلين لديهم خبرات أكاديمية وشخصية متنوعة ويتمتعون بالإحترام في مجالهم، وهم مفكرون مستقلون، ولا يشغلون منصبًا رسميًا في حكوماتهم، ولديهم معرفة شاملة من القضايا المتنازع عليها.

viii) دور وسائل الإعلام: بدلا من التركيز فقط تقريبا على العنف والتهم اللاذعة والاتهامات المضادة التي تتصدر عناوين الصحف، ينبغي أيضا تشجيع وسائل الإعلام الإسرائيلية والفلسطينية على الإبلاغ عن التطورات الإيجابية بين الجانبين لاضطلاع الناس بأن العلاقات الثنائية ليست كلها محبطة. بالإضافة إلى ذلك، ستجلب برامج تبادل الصحفيين المراسلين إلى الميدان على الجانب الآخر، حيث يمكنهم رؤية الواقع الخالي من الدعاية السياسية والتحيز وإعداد تقارير عنه.

ينبغي على الصراع المحتدم بين إسرائيل وحماس، الذي يتسبب في دمار هائل وخسائر فادحة في الأرواح، خاصة بين الفلسطينيين، أن يذكّر الجميع بأن هذه الجولة من الأعمال العدائية، مثلها مثل جميع الجولات السابقة، لن تكون الأخيرة. يجب أن يستعيد الطرفان رشدهما ويدركا أنه يجب عليهما إيجاد طريقة للتعايش السلمي، لأن البديل هو المزيد من الحروب وإراقة الدماء. إن تحقيق اتفاق دائم سيكون مستحيلاً بالنظر إلى الأجواء العدائية الحالية والمفعمة بالكراهية وانعدام الثقة، ولذا تصبح عملية المصالحة أولاً أمرا ًمحورياً لتحقيق سلام دائم.

يجب على الولايات المتحدة، بدعم قوي من الاتحاد الأوروبي والدول العربية، استخدام نفوذها للضغط على كلا الجانبين للالتزام الكامل بمثل هذه العملية وإثبات حرصهما على السعي لتحقيق السلام أو مواجهة عواقب وخيمة. وغير ذلك، فإن أي محادثات سلام جديدة لن تكون سوى تمرين في العبث.