ليبيا ضمن أخطر 10 دول في الجرائم المالية.. تصنيف يكشف فسادًا مستشريًا
طرابلس – كشف التصنيف الدولي للجرائم الاقتصادية لعام 2025، الصادر عن شركة "سيكريتاريا" المتخصصة في الاستشارات القانونية وإدارة المخاطر، أن ليبيا باتت واحدة من أكثر الدول عرضة للجرائم المالية في العالم، محتلةً مركزًا ضمن قائمة أخطر 10 دول من حيث انتشار الفساد المالي، غسيل الأموال، والجرائم الاقتصادية المنظمة ما يكشف واقعًا هشًا وفسادًا مستشريًا يقوّض الاستقرار السياسي والاقتصادي
هذا التصنيف الخطير لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تدهورًا واضحًا في البنية الرقابية والقانونية داخل ليبيا، في ظل وضع سياسي هش، وانقسام مؤسسي مزمن، وسطوة متصاعدة للميليشيات، ما جعل البلاد تتحول إلى ساحة مفتوحة للفساد والجريمة المالية العابرة للحدود.
وأشار التقرير إلى أن ليبيا سجّلت مستويات مرتفعة من غسيل الأموال، مستفيدة من ضعف الأنظمة الرقابية وغياب التشريعات الرادعة، مما جعلها ممرًا محوريًا للأموال المشبوهة وعمليات التهريب وتمويل الجماعات المسلحة. ووفقًا للبيانات، فإن الجرائم المالية الإلكترونية تشهد تصاعدًا مقلقًا، ومن المتوقع أن تزداد بنسبة 60 في المائة مع نهاية 2025، خاصةً مع استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال والاختراق المالي.
ومن أبرز تجليات الأزمة المالية الليبية، تحول قطاع النفط إلى رافعة سياسية تستخدمها السلطة القائمة، وخاصة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، لشراء الولاءات وتأمين النفوذ في مواجهة خصومها السياسيين. وتؤكد تقارير محلية ودولية أن عائدات النفط لم تُستخدم لإعادة الإعمار أو تحسين معيشة المواطن، بل وُظّفت لتمويل الميليشيات ومنح امتيازات اقتصادية لقيادات أمنية ومجموعات مسلحة متحالفة مع الحكومة.
وتُعد المؤسسة الوطنية للنفط من أكثر المؤسسات عرضة للضغوط السياسية، حيث باتت قراراتها خاضعة لتجاذبات بين مراكز النفوذ المتنازعة، بينما يتم توزيع إيراداتها خارج الأطر القانونية الشفافة، في ظل غياب جهاز رقابي فعّال قادر على مراقبة الإنفاق ومساءلة المتورطين في الفساد.
ولم يقتصر الفساد في ليبيا لم يقتصر على قطاع النفط، بل امتد ليشمل أغلب القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية، الطاقة، التعليم، والقطاع المصرفي. ووفق منظمات رقابية دولية، فإن نحو 40 في المائة من المشاريع العامة لم تُنفذ رغم تخصيص ميزانيات ضخمة لها، في وقت يعيش فيه ملايين الليبيين في ظروف معيشية متدهورة، تفتقر إلى أساسيات الخدمات.
وتساهم الانقسامات السياسية والمؤسساتية بين الشرق والغرب في تعقيد الأزمة، حيث تُدار مؤسسات الدولة بشكل مزدوج، ما يفتح الباب أمام تضارب الصلاحيات، وغياب التنسيق، وبالتالي تسهيل تمرير شبكات الفساد والتهريب عبر الحدود والموانئ.
ولم تمر تداعيات التصنيف الدولي دون اهتمام على الساحة الأممية، حيث ناقش مجلس الأمن الدولي في جلسته الأخيرة الوضع الليبي، بمشاركة مندوب ليبيا الدائم طاهر السني، والممثلة الأممية هانا تيتيه، بالإضافة إلى المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا.
وخلال الجلسة، أكد السني على ضرورة توحيد الترتيبات المالية والميزانية الوطنية، مشيرًا إلى أن ذلك سيكون الخطوة الأولى نحو كبح الفساد وإنهاء الانقسام، بينما شدد المندوب الروسي على أن الأزمة المالية تتفاقم في ظل الانقسام السياسي وهبوط قيمة الدينار، محذرًا من انفجار اجتماعي ما لم تُعالج الأزمة الاقتصادية بجدية.
ويرى مراقبون أن استمرار تجاهل معضلة الفساد وغسيل الأموال سيقوّض أي أمل في إعادة بناء الدولة، ويُفقد المجتمع الدولي الثقة في مؤسسات الحكم. كما أن غياب المساءلة سيُطيل عمر الانقسام، ويُغذي اقتصاد الميليشيات، مما يُهدد بتحوّل ليبيا إلى نقطة ضعف إقليمية تُستخدم لتمويل نزاعات أخرى في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
ووسط هذه الصورة القاتمة، يُجمع الخبراء على أن توحيد المؤسسات المالية والرقابية، وتعزيز استقلال القضاء، وفرض رقابة دولية على الإنفاق العام، تشكّل خطوات ضرورية لكبح الجريمة الاقتصادية، وإنقاذ ليبيا من السقوط التام في هاوية الانهيار المالي والسياسي.